يمنيون تتلاشى حياتهم بانتظار الرواتب المقطوعة

20 سبتمبر 2020
تزداد الأوضاع المعيشية لليمنيين تدهوراً (محمد حمود/فرانس برس)
+ الخط -

يراقب اليمنيون محادثات جنيف بشأن تبادل الأسرى بكثير من الاهتمام، لمعرفة ما إذا كانت الحكومة وجماعة "أنصار الله" (الحوثيون) ستتوصلان إلى اتفاق، لا يسمح فقط بتحرير الأسرى، بل أيضاً يكون بمثابة مقدمة للانتقال إلى التفاوض على قضايا أخرى، من بينها رواتب الموظفين في القطاع العام المحرومين منها منذ أكثر من 4 سنوات.

وعند النظر إلى طاولات الحوار التي جمعت المتخاصمين على فترات متقطعة في السنوات الماضية، يتبيّن بوضوح أنّ مسألة انقطاع رواتب موظفي الدولة، تحديداً المتواجدين في مناطق سيطرة الحوثيين، لم تأخذ حيّزاً يُذكر بين كل ذلك. مجرّد كلام يُقال أمام الإعلام، ولا شيء عملياً يحصل على الأرض. لكن بالنسبة إلى اليمنيين الذين حرموا من رواتبهم وتدهورت أوضاعهم المعيشية بعدما أصبحوا يعيشون على الاستدانة والمساعدات إذا ما توفرت، ما يهمهم هو حدوث اختراق. يأملون في أي خطوة إيجابية تكون قادرة على ترميم أحوالهم ولو جزئياً، وهم يسمعون التحذيرات من المجاعة.


قضية الرواتب لا تكفي معها الاتفاقات والتعهدات

ويدرك هؤلاء، والذين تقدّر نسبتهم بنحو الثلثين من أصل نحو 1.2 مليون موظف في القطاع العام يتوزعون على مختلف مناطق اليمن، بموجب تقديرات تعود لعام 2014، أنّ قضية الرواتب لا تكفي معها الاتفاقات والتعهدات، على غرار تلك التي حصل عليها المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث سابقاً، في اتفاق استوكهولم بالسويد في ديسمبر/كانون الأول عام 2018. فقد أكد الاتفاق في واحد من بنوده على مسألة ترتيب طريقة سريعة لصرف رواتب الناس في المناطق اليمنية كافة، وذلك عن طريق تنظيم صرف عوائد الجمارك والضرائب وموارد المشتقات النفطية الواصلة إلى ميناء الحديدة غربي البلاد، ووضع كل تلك الأموال الواردة في حساب مصرفي خاص ومستقلّ وتثبيته من أجل أن يكون فقط لرواتب موظفي الدولة. لكن لا شيء من ذلك تحقق، لأنّ القضية سياسية بامتياز.

وفي وقت لاحق بعد هذا الاتفاق، اتهم غريفيث الحوثيين بأنهم تلاعبوا بأموال "بنك الحديدة"، وبأنهم قد صرفوا منها بغير حساب. ويومها ردّت الجماعة من جهتها، بأنه تمّ صرف المبالغ التي سحبت من البنك من أجل توفير نصف راتب لموظفي الدولة في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.

وكانت الجماعة استغلت التعهد الذي كان الرئيس عبد ربه منصور هادي قد قطعه بتسليم الرواتب لموظفي الدولة كافة في جميع المناطق اليمنية، بعد قراره نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن في عام 2016، لتتنصل من مسؤوليتها في تأمين الرواتب للموظفين المقيمين في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، على الرغم من الإيرادات الضخمة التي تجنيها من الضرائب والجمارك، غير تلك الآتية من ميناء الحديدة الخاضع لسيطرتها. لكن بين عدم اكتراث الحكومة اليمنية بالإيفاء بتعهّد هادي، وبين لا مبالاة الحوثيين، يدفع الموظفون وعائلاتهم الثمن.

في السياق، يقول الصحافي منصور الجرادي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ أطراف النزاع في اليمن اتخذت قضية الرواتب كورقة مساومة سياسية، بعد الصراع على السيطرة على البنك المركزي والاستيلاء على إيرادات الدولة. ويضيف: "بعد أقلّ من عام على الصراع انقطعت الرواتب، وبدأت معاناة قاسية لمئات الآلاف من الموظفين وملايين البشر ممن يعيلونهم، مما قضى تماماً على الأمن الغذائي والمعيشي لهؤلاء". ويتابع الجرادي، وهو عضو في نقابة الصحافيين اليمنيين: "أنا واحد من هؤلاء الذين كان الراتب يشكّل مصدر دخل ثابت لي وأمان لعائلتي، لكن بعد نحو 15 عاماً من العمل، الوظيفة لم تشفع لي في الحصول على حقوقي وحقوق أطفالي". ويشير: "الآن لدى الحكومة رواتب لي تعود لنحو عامين ونصف العام. قد أتشرد أو أتضوّر جوعاً أنا وأطفالي، وهكذا كل موظف في اليمن، وهذا لا يشفع لنا عند المجرمين والقتلة بأن يفكروا في صرف مرتباتنا وحقوقنا المنهوبة". ويقول منصور: "للأسف حتى الأمم المتحدة دخلت في لعبة الرواتب، فلم يستطع المبعوث الخاص لليمن أن يحسم قضية عودة مرتبات الموظفين من إيرادات البلاد، فكيف يستطيع حلّ أزمة اليمن وإنهاء الحرب؟".


أطراف النزاع في اليمن اتخذت قضية الرواتب كورقة مساومة سياسية

وكانت قد برزت خلال السنوات الماضية ظاهرة إجبار الموظفين في الجهاز الإداري للدولة والذين يقيمون في المناطق الشمالية، على الذهاب إلى المناطق الجنوبية من أجل استلام رواتبهم، بعد تسجيل أنفسهم كنازحين. وكانت هذه الفكرة من اختراع رئيس الوزراء السابق أحمد عبيد بن دغر، الذي أقاله هادي في أكتوبر/تشرين الأول عام 2018، وأحاله إلى التحقيق "نتيجة الإهمال الذي رافق أداء الحكومة في المجالات الاقتصادية والخدمية، وتعثر أدائها لناحية تخفيف معاناة أبناء الشعب وحلحلة مشكلاته وتوفير احتياجاته، وعدم قدرتها على اتخاذ إجراءات حقيقية لوقف التدهور الاقتصادي في البلد، خصوصاً في مسألة انهيار العملة المحلية". وأتى رئيس الحكومة الحالي معين عبد الملك، بديلاً عن بن دغر، لكنّه سار على الطريق نفسه في ما يتعلّق بالرواتب، وتعميم فكرة النزوح من المناطق الشمالية إلى الجنوبية كي ينال الناس رواتبهم. وتُفاقِم هذه التدابير معاناة الموظفين الذين يتعرضون حال انتقالهم من صنعاء إلى عدن، للتوقيف والتفتيش لساعات طويلة في النقاط الأمنية الفاصلة بين المناطق. كما أنّ بعضهم قد يتعرض للمنع من الدخول.

وقد سُجّلت خلال السنوات الماضية، شهادات عدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن الإهانات التي يتعرّض لها الأكاديميون والعاملون في الجهاز الإداري للدولة وهم في طريقهم لاستلام رواتبهم قبل الاضطرار للعودة إلى صنعاء.

ويتوقف الباحث في جامعة صنعاء، ناجي اللهبي، عند تأثريات توقف الرواتب وبشكل خاص في أوساط الأكاديميين، قائلاً: "منذ أكثر من خمسة أعوام، ومع توقف صرف الرواتب في مناطق سيطرة الحوثيين، بدأت تظهر معاناة أساتذة الجامعات، فمنهم من بدأ بالبحث عن مسار للرزق من خارج العمل الأكاديمي، وهناك من حالفه الحظ بالهجرة خارج اليمن". ويلفت اللهبي في حديث مع "العربي الجديد"، إلى "موت بعض الزملاء نتيجة عدم مقدرتهم على شراء علاج لمرض مزمن". ويشير إلى أنّ الضائقة لا تتوقف عند وقف صرف الرواتب فقط "بل تتجلى أيضاً في عدم عدالة الحكومة، إذ عمدت إلى صرف رواتب ما لا يزيد عن 10 في المائة من أساتذة الجامعات تحت بند نازحين من مناطق سيطرة الحوثيين، على الرغم من أنّ بقية زملائهم تصرف رواتبهم من خلال تحويلات بنكية".

المساهمون