تتوالى ردات الفعل والتحليلات الإسرائيلية على قرار المحكمة العليا أمس الأحد، شطب قانون إلغاء "حجة المعقولية"، الذي سنّه الكنيست في نهاية شهر يوليو/ تموز الماضي، بهدف حرمان المحكمة من إمكانيات التدخّل في قرارات الوزراء، حتى لو كانت غير منطقية وواقعية، وتشتمل على تضارب مصالح ومفاسد.
مع هذا يبقى صوت الحرب أقوى في هذه المرحلة، وقد ترجئ النقاشات الجادة إلى ما بعدها، رغم ردات الفعل الأولية المتوقعة والغاضبة من قبل الائتلاف الحكومي.
وأكدت المحكمة مكانتها وسلطتها في كبح جماح الحكومة، بعد قرار وُصف بالتاريخي، لأنها المرة الأولى منذ قيام إسرائيل، تلغي فيها قانون أساس سنّه الكنيست، ولا تستجيب للضغوط التي مورست عليها.
وكان القرار متوقعاً على ضوء تسريب مسودته قبل أيام، وحاولت أقطاب في الحكومة التي تقود خطة التشريعات القضائية ممارسة ضغط على المحكمة لعدم إصدار قرارها في فترة الحرب، بحجة أن هذا سيؤثر على وحدة الإسرائيليين.
وكان العديد من المعلقين الإسرائيليين قد أشاروا على مر الشهور الماضية إلى أن ما حاولت الحكومة القيام به فعلياً من خلال التشريع، ليس خلق توازن بين السلطات وإنما محاولة لهدم المحكمة العليا والسيطرة على تعيين القضاة، في إطار خطة التعديلات القضائية التي تقودها لإضعاف القضاء، ما يمنحها سلطة مطلقة دون كوابح.
استبعاد المضي في التعديلات القضائية
وأفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت" اليوم، بأنه على الرغم من الأصوات الغاضبة في الائتلاف الحاكم بشكل عام، وخاصة في حزب "الليكود" الذي تزعمه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، فإنه لا يوجد أي شخص سيقدم حالياً على المضي في خطة التشريعات القضائية.
وبحسب الصحيفة، فإن المسؤولين في "الليكود" يدركون أنه لا يمكن الانشغال بالخطة والعودة إليها قبل انتهاء الحرب، لأن ذلك سيؤدي إلى تعقيدات سياسية وأثمان باهظة مقارنة بالفائدة التي يمكن جنيها، كما "تسود حالة من الإدراك بأنه لا يمكن المضي قدماً في هذه التشريعات".
ورغم تلميحات وزير القضاء ياريف ليفين، بأن القرار لن يكبّل الائتلاف، وأنه يمكن العودة إلى الخطة بعد الحرب، نقلت الصحيفة عن مصادر في الليكود تقديراتها بأن خطة التشريعات القضائية أو ما يعتبرها الائتلاف الحاكم خطة إصلاحات "قد ماتت".
وسيحتاج نتنياهو للتفكير ملياً في العودة الى الخطة بعد الحرب، في ضوء تراجع شعبيته على نحو ملموس، واعتقاد 15% فقط من الإسرائيليين بأنه الأنسب لرئاسة الحكومة بعد الانتخابات المقبلة، بحسب نتائج استطلاعات للرأي.
سيحتاج نتنياهو للتفكير ملياً في العودة إلى خطة التعديلات القضائية بعد الحرب في ضوء تراجع شعبيته
وتشير الاستطلاعات أيضاً إلى أن المضي في خطة التشريعات القضائية حتى قبل عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، كانت قد قادت إلى تراجع الليكود، بسبب الصدع الذي أحدثته التعديلات القضائية.
وقد يأخذ الليكود بعين الاعتبار أيضاً إمكانية انسحاب الوزراء من حزب "هماحنيه همملختي" (المعسكر الرسمي) بزعامة الوزير في مجلس الحرب بني غانتس، من حكومة الطوارئ، في حال عاد إلى خطة التعديلات القضائية في زمن الحرب، ما سيعني فقدان نتنياهو دعماً سعى إليه في هذه الحرب، من أجل إجماع أوسع بين الإسرائيليين عليها، وهو ما قد يفقده بخروج غانتس.
ونقلت "يديعوت أحرونوت" عن مصادر سياسية إسرائيلية قولها يوم أمس إن المحكمة العليا أزالت فعلياً، عن جدول الأعمال، في إسرائيل أحد أصعب المسائل التي غذت الخلافات بين الإسرائيليين في السنوات الأخيرة.
وكان الناطق بلسان جيش الاحتلال الإسرائيلي دنيال هغاري، قد تطرق بدوره إلى الموضوع، في إطار رده على أسئلة الصحافيين خلال الإحاطة الصحافية الليلة الماضية، معتبراً أن الانقسام في الشارع الإسرائيلي كان أحد أسباب عملية "طوفان الأقصى".
من جانبها، اعتبرت تال شيلو، الصحافية ومحللة الشؤون السياسية في موقع "والاه" أن قرار المحكمة العليا أمس أعاد إسرائيل إلى الواقع الذي ساد حتى 6 أكتوبر، "وأعاد إلى حياتهم لعدة ساعات الصدع العميق والمؤلم الذي فرّق الدولة وعمّق الانقسام فيها في العام الأخير"، أي منذ تشكيل الحكومة الحالية، ومباشرتها بخطة التعديلات القضائية.
واعتبرت شيلو أن ردات الفعل كانت ستكون أكثر حدة لولا الحرب.
وذكرت أن قيام المحكمة العليا يوم أمس، ولأول مرة، بإلغاء قانون أساس سنّه الكنيست (الأمر الذي وصفته أقطاب في الحكومة بأنه "الانقلاب الثاني"، بعد وصف القانون نفسه بأنه الانقلاب الأول لدى تشريعه)، لا تتحمله المحكمة وحدها، وإنما أيضاً الحكومة ومن يقف على رأسها.