أوقف رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، في وقت متأخر من مساء الأحد، وزيرة خارجية الحكومة نجلاء المنقوش عن العمل، وأحالها إلى التحقيق على خلفية لقائها بنظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين في العاصمة الإيطالية روما.
ونص قرار الدبيبة، الذي صدر في الجريدة الرسمية الليبية، على لجنة للتحقيق مع المنقوش، برئاسة وزيرة العدل حليمة البوسيفي، وعضوية كل من وزير الحكم المحلي بدر الدين التومي، والمكتب القانوني برئاسة الحكومة، موصيا بأن تحيل نتائج أعمالها "في أجل أقصاه ثلاثة أيام".
رواية الخارجية الليبية للقاء المنقوش وكوهين
وكانت وزارة الخارجية الليبية قد أقرت في وقت من يوم الأحد بلقاء المنقوش بوزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين في روما، مشيرة إلى أنه "لقاء عارض وغير رسمي"، ولم يتضمن أي مشاورات أو مباحثات حول التطبيع مع إسرائيل.
جاء بيان الوزارة بعد صمت دام لساعات إزاء بيان وزارة الخارجية الإسرائيلية بشأن اللقاء، وقالت خارجية حكومة الوحدة في بيان لها إنها تؤكد "التزامها الكامل بالثوابت الوطنية تجاه قضايا الأمتين العربية والإسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وتشدد على تمسكها بالقدس عاصمة أبدية لفلسطين، وهذا موقف راسخ لا تراجع عنه".
وأوضحت الوزارة أن المنقوش "رفضت عقد أي لقاءات مع أي طرفٍ ممثلٍ للكيان الإسرائيلي وما زالت ثابتة على ذلك الموقف بشكل قاطع، ووفقا لنهج حكومة الوحدة الوطنية الليبية والمواقف الراسخة في وجدان الشعب الليبي"، ووصفت لقاء روما بأنه "لقاء عارض غير رسمي وغير مُعَد مسبقا، أثناء لقاء مع وزير الخارجية الإيطالي".
كما نفت الوزارة في بيانها أن يكون اللقاء قد تضمن "أي مباحثات أو اتفاقات أو مشاورات، بل أكدت فيه الوزيرة ثوابت ليبيا تجاه القضية الفلسطينية بشكلٍ جَلي وغير قابل للتأويل واللبس".
وأضافت "وعليه تنفي الوزارة جملة وتفصيلاً ما ورد من استغلال من قبل الصحافة العبرية والدولية، ومحاولتهم إعطاء الحادثة طابع اللقاء أو المحادثات أو حتى الترتيب أو مجرد التفكير في عقد مثل هكذا لقاءات".
واعتبرت أن "بيانات الإدانة والرفض المتكررة والصادرة عن وزارة الخارجية والتعاون الدولي الرافضة للاستيطان الإسرائيلي، والاعتداءات المتكررة على المخيمات الفلسطينية والمسجد الأقصى هي تعبير واضح عن موقف دولة ليبيا والوزيرة الثابت من هذه القضايا وعبرت عنه الخارجية الليبية بشكل دائم".
وختمت الوزارة بيانها بتجديد رفضها "التام والمطلق التطبيع مع الكيان الصهيوني، وتؤكد مرة أخرى أن موقفها ثابت تجاه القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني الشقيق".
ليبيا طلبت من إسرائيل محو البيان
في السياق، أفادت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، اليوم الاثنين، أن ليبيا طلبت محو البيان الذي نشرته وزارة الخارجية الإسرائيلية عبر حساباتها، حول اللقاء.
وأوضحت الصحيفة في موقعها الإلكتروني أن "البيان الرسمي بشأن لقاء كوهين والمنقوش، صدر بعد ظهر أمس الأحد ونُشر خلال فترة قصيرة عبر الحسابات الرسمية لوزارة الخارجية الإسرائيلية، بما فيها الحسابات باللغة العربية في مواقع التواصل الاجتماعي".
وأضافت الصحيفة: "جاء المؤشر الأول على أن البيان يشكّل مشكلة بالنسبة للحكومة الليبية، بعد نحو ساعة، حين اضطرت الخارجية الإسرائيلية لمحو البيان باللغة العربية بعد طلب عاجل من قبل الجانب الليبي، وقد تم محو البيان العربي من حسابات الوزارة، لكن بعد فوات الأوان".
وعُمم البيان على وسائل الاعلام الإسرائيلية، أمس الأحد، من قبل الخارجية الإسرائيلية بتعليمات من الوزير كوهين، وانتشر على نحو واسع في وسائل اعلام عربية.
غضب شعبي ورسمي من لقاء المنقوش وكوهين
وكانت الأوساط الليبية، الرسمية والشعبية، قد تلقت تقارير لقاء وزيرة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية نجلاء المنقوش بوزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين في روما بردات فعل غاضبة ورافضة.
رئاسة مجلس النواب الليبي دعت إلى عقد جلسة طارئة، يوم الاثنين المقبل، لمناقشة لقاء المنقوش بنظيرها الإسرائيلي، مطالبة المجلس الرئاسي بإقالتها والتحقيق معها.
وفيما وصفت رئاسة المجلس في بيان لها، الأحد ليلا، لقاء المنقوش بنظيرها الإسرائيلي بــ"الجريمة المرتكبة بحق الشعب الليبي وثوابته الوطنية"، اعتبرت أنه "انتهاك خطير وعمل يجرمه القانون الليبي".
وطالبت رئاسة المجلس، في بيانها، المجلس الرئاسي بإقالة نجلاء المنقوش، بوصف المجلس الرئاسي مسؤولاً عن السياسات الخارجية، كما طالبت النائب العام بفتح تحقيق عاجل معها.
من جانبه، عبر المجلس الأعلى للدولة عن رفضه "بشدة هذا العمل الذي قامت به وزيرة الخارجية بحكومة الوحدة الوطنية وندين كل القائمين عليه، وندعو لضرورة إيقافهم عن ممارسة أعمالهم".
واعتبر المجلس في بيان له، ليل الأحد، اللقاء "خطوة تخالف قواعد مقاطعة العدو الصهيوني وتنتهك قرارات ومواقف عربية وإسلامية"، كما أنه إساءة خطرة "لتاريخ طويل من نضال الشعب الليبي الداعم والمساند للقضية الفلسطينية العادلة".
وحمّل المجلس "المسؤولية القانونية والأخلاقية والتاريخية لكل من قام بها العمل أو شارك فيه أو أشاد به"، داعيا جهات الاختصاص في الدولة لـ"اتخاذ ما يلزم من إجراءات وعلى نحو عاجل إزاء محاسبة المعنيين بما يكفل عدم ترتب أي نتائج على ذلك اللقاء وبما يحول دون تكراره".
وكان المجلس الرئاسي قد طالب رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة بتوضيحات بشأن ما تناقلته وسائل إعلام دولية، حول لقاء المنقوش مع وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين في روما.
وأوضحت المتحدثة باسم المجلس الرئاسي نجوى وهيبة، لوكالة الأنباء الليبية الرسمية، أن هذا الطلب جاء في رسالة وجهها المجلس الرئاسي إلى الدبيبة، مؤكدة أن ما يجري تداوله في وسائل الإعلام بشأن لقاء المنقوش "مع ممثل الكيان الإسرائيلي في روما، وما ورد بشأن إمكانية التعاون والتنسيق الثنائي، لا يعبر عن السياسة الخارجية للدولة الليبية، ولا يمثل الثوابت الوطنية الليبية، ويعد خرقاً للقوانين الليبية التي تجرّم التطبيع مع الكيان الصهيوني".
وأفادت وهيبة، في تصريحها للوكالة، بأن "متابعة ملف السياسة الخارجية والإشراف عليه أوكلت إلى رئاسة المجلس الرئاسي، بناء على مخرجات ملتقى الحوار السياسي الليبي الموقع بجنيف، في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2020"، مشيرة إلى تشديد المجلس في رسالته الموجهة للدبيبة "على ضرورة اتخاذ الإجراءات الرادعة كافة، وفقاً للقوانين والتشريعات النافذة، حال حدوث اللقاء المشار إليه".
من جانبه، أفاد مقرر المجلس الأعلى للدولة بلقاسم دبرز، في تصريح لـ"العربي الجديد"، بأن رئاسة مجلس الدولة تحضر لبيان "قوي وشديد اللهجة" يعبر عن رأي المجلس الرافض للقاء المنقوش بالوزير الإسرائيلي، مشيراً إلى أن رئاسة المجلس تتشاور حول إمكانية مطالبة الحكومة بإقالة المنقوش وإحالتها للمحاكمة في حال ثبوت اللقاء.
كما أدان رئيس الفريق الممثل لمجلس النواب في لجنة 6+6، المكلفة بإعداد القوانين الانتخابية جلال الشويهدي اللقاء واعتبره إساءة للشعب الليبي والقضية الفلسطينية، وقال في تصريحات صحافية: "ما قامت به وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش جريمة يعاقب عليها القانون، لأن هناك قانوناً يُجرم أي تواصل أو اتصال مع هذا الكيان الصهيوني".
وحمل الشويهدي الدبيبة المسؤولية، وقال: "الحكومة بالتأكيد على دراية بهذا اللقاء".
وأصدر حزب التغيير الليبي بياناً عبر فيه "عن صدمته الشديدة" إزاء اللقاء، وطالب حكومة الدبيبة "بتحديد موقفها أمام الليبيين من هذه الخطوة غير المقبولة، وتقديم الاعتذار للشعب الليبي".
ومن جانبه، أدان حزب العدالة والبناء اللقاء، وطالب الدبيبة "بالإقالة الفورية لوزيرة الخارجية من منصبها لإقدامها على هذا اللقاء المشبوه"، وقال في بيان له "نعبّر للحكومة بأن هذه الخطوة المسيئة لمشاعر جميع الليبيين تقتضي إيضاحاً وافياً، ونشر ذلك في وسائل الإعلام الرسمية".
وأكد الحزب أن "هذه الخطوة الخطيرة التي جرت تمثل خطاً أحمر يجب عدم المساس به، وأن دفاع الشعب الفلسطيني عن أرضه وحقوقه وكفاحه ضد الاحتلال حقّ دولي وثابت وطني تتبناه كل الاتجاهات السياسية الليبية".
واحتشد العشرات من الليبيين في بعض أحياء العاصمة طرابلس ومدن الزاوية والخمس ومسلاته، غرب البلاد، للتنديد بلقاء المنقوش بالوزير الإسرائيلي.
وفيما اعتبر عدد من المحتجين بمدينة الزاوية أن لقاء المنقوش بالوزير الإسرائيلي "دليل على سعي الحكومة للتطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل"، طالبوا بـ"تدخل المجلس الأعلى للقضاء لوقف الحكومة ومحاسبتها التي لا تمثل الليبيين".
ونظّم عدد من المدن والمناطق الليبية احتجاجات رافضة للقاء المنقوش بالوزير الإسرائيلي.