في ضوء توتر غير معلن، أصاب العلاقات المصرية الأميركية أخيراً، وسببه تسلم القاهرة مقاتلات "سوخوي 35" من موسكو، إضافة إلى "تجميد" اعترافها بكوسوفو "دولة مستقلة"، يزور وفد عسكري مصري، الولايات المتحدة، في مهمة رسمية تتعلق بالتسليح.
وعلمت "العربي الجديد"، أن وفداً عسكرياً مصرياً رفيع المستوى، يزور حالياً الولايات المتحدة، ويلتقي مسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، وممثلين عن شركات السلاح الأميركية، والتي من بينها "لوكهيد مارتن"، في مهمة "لوجستية"، هدفها ترتيب نقل المعدات العسكرية وقطع الغيار التي تحتاجها القوات المسلحة المصرية من الولايات المتحدة ودول أخرى، والتي يحصل عليها الجيش المصري بموجب قانون المساعدات الأميركية.
وقال عسكري مصري بارز، فضل عدم نشر اسمه، إن الوفد العسكري المصري الذي يزور الولايات المتحدة يضم "قادة من مختلف أفرع القوات المسلحة، وهذه الزيارة تتم بشكل دوري، ضمن بروتوكول المعونة العسكرية الأميركية السنوية المقدمة إلى مصر".
المساعدات العسكرية الأميركية لمصر: تقليد ثابت
وتقدم الولايات المتحدة حوالي 1.3 مليار دولار من المساعدات الخارجية العسكرية إلى مصر سنوياً، وهو مبلغ ثابت تتلقاه مصر منذ توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1978، حيث أعلن الرئيس الأميركي في ذلك الوقت جيمي كارتر، تقديم معونة اقتصادية وأخرى عسكرية سنوية لكل من مصر وإسرائيل، تحولت منذ عام 1982 إلى منح لا ترد بواقع 3 مليارات دولار لإسرائيل، و2.1 مليار دولار لمصر، منها 815 مليون دولار معونة اقتصادية، و1.3 مليار دولار معونة عسكرية.
تقدم الولايات المتحدة حوالي 1.3 مليار دولار من المساعدات الخارجية العسكرية إلى مصر سنوياً
وتأتي زيارة الوفد العسكري المصري في وقت اضطربت العلاقات المصرية الأميركية، بعد اتخاذ القاهرة خطوات متقدمة تجاه روسيا، وصلت ذروتها في تسلم مصر 4 مقاتلات روسية من طراز "سوخوي 35" متعددة المهام، "بشكل غير معلن"، وفق دبلوماسي مصري رفيع المستوى تحدث في وقت سابق لـ"العربي الجديد" طالباً عدم ذكر اسمه.
وأضاف المصدر أن هناك "وجهاً إضافياً لأسباب الاستياء الأميركي من القاهرة، وهو الإعلان الذي جاء من قبل البرلمان الصربي، عقب لقاء رئيسه (انتهت ولايته حالياً)، إيفيتسا داتشيتش، بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال زيارة الأخير إلى بلغراد (يوليو/تموز الماضي) بأن مصر جمّدت الاعتراف باستقلال إقليم كوسوفو المعلن من طرف واحد، وهو ما تسبب بغضب أميركي، كون تلك الخطوة اعتبرت دعماً للمعسكر الروسي".
من جهة أخرى، تأتي زيارة الوفد العسكري المصري إلى الولايات المتحدة في وقت تشهد فيه أروقة السياسة الداخلية الأميركية اختلافاً في وجهات النظر بين إدارة الرئيس جو بايدن والكونغرس حول المساعدة العسكرية التي تقدمها واشنطن إلى مصر.
الكونغرس يضغط بشروط حقوق الإنسان
وفي السنوات الأخيرة، وضع الكونغرس قاعدة تقضي بضرورة أن يكون جزء من هذا التمويل، حوالي 300 مليون دولار، مشروطاً بتنفيذ الحكومة المصرية بعض الشروط المتعلقة بحقوق الإنسان الأساسية. لكن القسم 7019 من مشروع قانون مخصصات الكونغرس، المكون من 716 صفحة، يسمح للرئيس الأميركي بالتنازل عن هذه القاعدة لأسباب تتعلق بالأمن القومي. وفي كل عام تقريباً، يستخدم الرئيس هذا التنازل للحفاظ على استمرارية هذا التقليد.
وتتزايد الأصوات من جماعات حقوق الإنسان والمشرعين الأميركيين، لا سيما في الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي، من الذين يريدون من بايدن أن يوجه رسالة إلى مصر مفادها أن الولايات المتحدة لن تقبل الوضع الراهن بإرسال نفس القدر من المساعدة العسكرية، في ضوء سجل مصر السيئ في مجال حقوق الإنسان.
وقال سيث بيندر، المدير في مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط لوسائل إعلام أميركية، إن "حالة حقوق الإنسان في مصر مروعة تماماً كما كانت قبل تولي بايدن السلطة، ولا تزال حتى الآن"، مضيفاً أن "السيسي من أكثر الديكتاتوريين وحشية في العالم".
وبحسب مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، فـ"على الجانب الآخر من المدافعين عن حقوق الإنسان الذين يطالبون بحجب المعونة عن مصر، هناك صقور المشرعين، إلى جانب مجموعة من خبراء الشرق الأوسط الذين يشغلون مناصب رئيسية في إدارة بايدن، والذين يعتقدون أن مصر لا تزال حليفاً مهماً في الشرق الأوسط، حتى في ضوء حكم السيسي الاستبدادي المتزايد والقمع الوحشي للمعارضين السياسيين".
ويتحجج هؤلاء المسؤولون، بحسب المجلة في تقرير حديث لها نشر يوم الخميس الماضي، بأن مصر "تتعاون مع واشنطن في مكافحة الإرهاب، وتساعد المنطقة في الحفاظ على توازن مستقر مع إسرائيل، وكان آخرها عندما ساعدت القاهرة في التوسط لوقف إطلاق النار هذا الشهر بين إسرائيل وحركة الجهاد الفلسطينية، بعد تصاعد العنف في غزة".
يرى مسؤولون أميركيون أن قطع المساعدات العسكرية عن مصر قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تسميم العلاقات الأميركية المصرية
ويرى المسؤولون في هذا المعسكر أن قطع المساعدات العسكرية عن مصر "قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تسميم العلاقات الأميركية المصرية، ودفع القاهرة إلى الاقتراب من الخصوم الجيوسياسيين مثل روسيا والصين، وفي النهاية قد لا يفعل ذلك شيئاً يذكر لتغيير سجل السيسي في مجال حقوق الإنسان".
وكتبت المجلة الأميركية، أنه "مع تدهور العلاقات المصرية الأميركية عقب صعود السيسي الوحشي، بدأت مصر، ثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم، في إحياء العلاقات مع روسيا. وتوصل الجانبان إلى اتفاقيات تعاون لترقية الأسطول المصري القديم من الطائرات المقاتلة إلى طائرات ميغ -29 أم، كما بدأ التعاون في مجال الطاقة النووية، ما أثار قلق واشنطن".
وأضافت "فورين بوليسي"، أنه "حتى المسؤولين الأميركيين اشتكوا في الماضي من أن نظراءهم المصريين سمحوا للجيش الروسي، دون إذن أميركي، بتفتيش الطائرات الأميركية التي تطير بشكل دوري إلى مصر".
وتحاول الولايات المتحدة المضي قدماً في بيع طائرات مقاتلة من طراز "أف 15" إلى مصر، ويقول خبراء إن واشنطن "يجب أن تفعل كل ما في وسعها لمنع القاهرة من التودد إلى موسكو أكثر من ذلك".
وقال ديفيد شينكر، المساعد السابق لوزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى في إدارة ترامب، وهو الآن زميل أول في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: "تعتبر القاهرة مبلغ 1.3 مليار دولار، أموالها، وأن حجب أي جزء منها يعتبر إهانة".
وقالت "فورين بوليسي"، إن "الجدل الذي يختمر بين الفصائل المختلفة في وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي، وكذلك الكابيتول هيل (مقر الكونغرس)، يعكس توتراً مستمراً داخل إدارة بايدن حول ما إذا كان يجب، وكيفية إعطاء الأولوية لحقوق الإنسان، في مواجهة الأولويات الجيوسياسية الملحة الأخرى".
وفي العام الماضي، حاولت إدارة بايدن، الموازنة بين موقف كل فريق عبر التحكم في 300 مليون دولار من التمويل العسكري المشروط لمصر وقطع جزء منها، حيث حجبت 130 مليون دولار عن مصر بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان.
وهذا العام، وافقت أيضاً على مبيعات أسلحة منفصلة بقيمة 2.5 مليار دولار إلى مصر. وبرّرت إدارة بايدن حجبها 130 مليون دولار فقط، بأنها لا تستطيع الانحراف عن خطط الإنفاق السنوية سوى بنسبة معينة. وبحسب "فورين بوليسي"، فإن الإدارة تخطط لفعل الأمر نفسه هذا العام، لكن معارضين في الكونغرس يستعدون للمواجهة، للتفوق على إدارة بايدن بتفسيرها القانوني لمقدار المساعدات التي يجب قطعها.