وفاة ناشط تزيد القلق من استخدام "الحبس المؤقت" ضد المعارضين في الجزائر

30 ابريل 2022
استخدام مفرط للحبس المؤقت في الجزائر(رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -

يتزايد القلق في الجزائر، أخيراً، من لجوء السلطات القضائية إلى اعتماد الحبس المؤقت بحق الناشطين والمعارضين للسلطة، قبل محاكمتهم، خصوصاً في أعقاب وفاة ناشط داخل السجن بعد شهرين من اعتقاله دون محاكمة، فيما نال ناشطون البراءة بعد قضائهم أشهراً في الحبس المؤقت.

وتوجّه انتقادات حادة للسلطات والقضاء بوجه الخصوص، حول ما يعتبره الحقوقيون والسياسيون، إفراطاً في استخدام غير مبرر للحبس المؤقت بحق الناشطين والمعارضين، على الرغم من أنه استثناء قضائي يتم فرضه في حالات محددة، بدلاً من أن يتحول إيداع المتهمين الحبس المؤقت إلى قاعدة قضائية.

وحسب النصوص القانونية، فإنه يفترض أن يتم إقرار الحبس المؤقت قبل المحاكمة، حصراً للمتهمين الذين لا تتوفر بشأنهم الضمانات الكاملة للمثول أمام المحكمة في حال إبقائهم في حالة سراح، أو في القضايا ذات الصبغة الجنائية، بخلاف قضايا الرأي والتعبير التي لا تستدعي وضع المتهمين رهن الحبس المؤقت لأشهر قبل محاكمتهم، على غرار عدد من الناشطين في الحراك الشعبي، بعضهم قضى تسعة أشهر في الحبس المؤقت، بينما برأتهم المحكمة لاحقاً.  

الحبس المؤقت استثناء

أوضح المحامي جمال خذيري، لـ"العربي الجديد"، أن "الحبس المؤقت هو الاستثناء في التعامل مع المشتبه فيهم أو المتهمين لحين محاكمتهم، وليس قاعدة، وهو محل سلطة تقديرية لقاضي التحقيق، في القضايا التي يقدر أن الموقوف قد يشكل خطراً على نفسه أو على المجتمع في حال إبقائه طليقاً، أو أن وضعه قيد الإفراج قد يمنحه فرصة لتغيير أو إخفاء تفاصيل تخص القضية وغيرها".

وأضاف أنه "عدا ذلك هناك آليات أخرى يمكن أن يلجأ إليها قاضي التحقيق كالرقابة القضائية مثلاً بدلاً من الحبس المؤقت".  

ويشير خذيري في هذا السياق، إلى المادة 123 من قانون الإجراءات الجزائية من القانون الجزائري التي تؤكد أن المتهم، الأصل فيه البراءة طالما لم يصدر بحقه حكم، بمعنى أن يترك حرا، واستثناء، إذا كانت هناك وقائع خطيرة.

ويؤكد خذيري أن وضع النظام الرقابة القضائية هو لحماية المتهم أو منعه من تغيير الأدلة أو التأثير على الضحايا أو الهروب، غير أن القانون وضع أيضاً استثناء على هذا الاستثناء وجاء نظام الحبس المؤقت في وقائع أخرى تكون أكثر خطورة.

ترهيب الناشطين

وتذهب بعض التفسيرات السياسية إلى أن الاستخدام المفرط للحبس المؤقت في حق الناشطين خاصة، يعد محاولة من قبل السلطة، لترهيب الناشطين ومنعهم من القيام بأية أنشطة أو التعبير عن مواقف سياسية.

وكانت المادة 100 من القانون القديم تمنع وضع المتهمين في القضايا السياسية رهن الحبس المؤقت، قبل أن يتم تعديلها لغرض يتيح استخدام الحبس المؤقت كآلية في حق الناشطين السياسيين.

وتجدر الإشارة إلى أن وضع تقييد حرية الناشطين الموقوفين لمدة أشهر، قد يتسبب للكثيرين في مشكلات مهنية مع المؤسسات التي يعملون فيها أو الجامعات التي يدرسون فيها، ويضيع على بعضهم إنجاز أعمالهم والتزاماتهم الاجتماعية، إذ خسر بعض الموقوفين مناصبهم بسبب ذلك.

إفراط لافت في الحبس المؤقت

وقال عضو هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي المحامي عبد الرحمن صالح، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "هناك إفراطاً لافتاً في استخدام الحبس المؤقت في الجزائر بشكل يخالف روح القانون حتى في قضايا القانون العام".

وذكر أنه "في العام الماضي كانت البيانات الرسمية تشير إلى أن نصف المحبوسين في سجن الحراش، أحد أبرز السجون في العاصمة الجزائرية، هم مسجونون كحبس مؤقت وغير محكوم عليهم بعد".

ولفت إلى أن "الناشطين السياسيين، أغلبية ملفاتهم فارغة ولا تتضمن أدلة كافية تدينهم عن التهم الموجهة اليهم، والسلطة تدرك أنه في حال محاكمتهم فورياً، فإنهم سينالون البراءة وأحكاما مخففة".

من هنا، أكد أن "السلطة تلجأ إلى معاقبتهم بشكل مسبق عبر تركهم في الحبس المؤقت عمداً لفترة أربعة أو ثمانية أشهر قبل محاكمتهم".

وأفاد بأنه "قبل أيام شاهدنا كيف أن هناك من الموقوفين مثلاً فيما يعرف بقضية مسيرة التصعيد، من قضوا تسعة أشهر في الحبس المؤقت، ثم قضى مجلس قضاء الجزائر ببراءتهم، وهذا يبين أن الحبس المؤقت يصبح جريمة في حق الناس".

حركة مجتمع السلم تدين الحبس المؤقت

وفي السياق، عبر قادة أحزاب سياسية عن رفضهم لاستخدام الحبس المؤقت، خاصة في قضايا الرأي والتعبير.

ودان رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري، قبل أيام، استمرار متابعة الناشطين في قضايا الرأي، وإبقائهم في السجن المؤقت، وذلك خلال تعقيبه على حادثة وفاة معتقل الرأي حكيم دبازي وهو قيد الحبس المؤقت بسبب آرائه السياسية.

بدوره، اعتبر السكرتير الأول لجبهة القوى الاشتراكية، يوسف أوشيش في ندوة حول الحريات عقدت، ليل أمس، أن "اللجوء التعسفي والمتكرر لإجراء الحبس المؤقت، خاصة في قضايا الرأي، وجعله قاعدة قضائية عوض أن يكون استثناءً دون أي سند قانوني يعد انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان".

ودعا إلى أن "يتوقف على الفور"، قائلاً إن "مثل هذه الانتهاكات الخطيرة من شأنها أن تنسف المظاهر الهشة للثقة الشعبية وتغذي التطرف في أوساط المجتمع، الأمر الذي لن يكون في صالح أحد". 
 

المساهمون