فيما تصاعدت حدة الخلاف بين مصر وليبيا في أعقاب قرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ترسيم الحدود البحرية الغربية، بشكل أحادي، دخلت أطراف عربية، وأخرى غربية على خط الأزمة، في محاولة لوقف مزيد من التصعيد أو نقل الأزمة إلى الأمم المتحدة أو محكمة العدل الدولية، في مسعى متواصل لعدم إثارة أي أزمات في منطقة شرق المتوسط بعد ما أبدت كافة الجهات الرسمية في ليبيا رفضها للقرار المصري.
وعلمت "العربي الجديد" أن الأطراف العربية والأوروبية، التي دخلت على خط الأزمة بين مصر وليبيا أخيراً، بهدف الوساطة، تبني تحركاتها على التوصل إلى حل يقود إلى توافق، وترسيم الحدود بشكل رسمي بين الجانبين، لتهدئة الأوضاع في منطقة شرق المتوسط، التي باتت مستقبل الطاقة، وتعول عليها أوروبا كثيراً في إمدادات الغاز في أعقاب الأزمة التي تواجهها أوروبا بسبب العقوبات على روسيا بفعل غزوها أوكرانيا، التي تعطل هذه الإمدادات، وتحول دون وصولها بوتيرتها التي كانت معتادة.
وساطات لنزع فتيل أزمة ترسيم الحدود
وكشف مصدر دبلوماسي غربي في القاهرة، أن اتصالات إيطالية مع مصر جرت أخيراً، بهدف الوساطة مع ليبيا، من أجل نزع فتيل أزمة ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.
وأوضح الدبلوماسي الغربي، الذي تحدث لـ" العربي الجديد" مفضلاً عدم ذكر اسمه، أن "التدخل الإيطالي، يأتي في إطار مساعي روما للحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار الأمني في ليبيا، في ظل موجات الهجرة غير النظامية التي تواجهها روما انطلاقاً من السواحل الليبية، بعد أن لوحظ تزايد الأعداد خلال الشهرين الأخيرين من العام الماضي".
دبلوماسي غربي: إيطاليا تدخلت لحل الأزمة بسبب الهجرة غير النظامية من ليبيا
وتابع الدبلوماسي الغربي أن هناك بعداً ثانياً لمساعي الوساطة الإيطالية بين القاهرة وطرابلس، يكمن في تأمين إمدادات الغاز القادمة من المتوسط في ظل أزمة الطاقة التي تواجهها أوروبا بشكل عام. كما كشف أن هناك بعداً ثالثاً، متمثلاً في كون شركة "إيني" الإيطالية، تعد اللاعب الأكبر في عمليات الاستكشاف عن الغاز بمنطقة المتوسط، في مصر وليبيا.
والخميس الماضي شدّدت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، على أن الاستقرار في ليبيا يمثل قضية حاسمة لبلادها، مضيفة أن إيطاليا تسهم في النقاش الدائر حول القاعدة الدستورية لتجديد شرعية السلطات الليبية والتصدي لتدفق الهجرة غير القانونية إلى أوروبا.
وأشارت ميلوني إلى أن نقاشاتها مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، ووزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، وكذلك مع الرئيس الأميركي جو بايدن، تمحورت حول هذا الموضوع، مؤكدة أن إيطاليا يمكنها أن تؤدي دوراً رائداً في البحر المتوسط وتحافظ على علاقتها مع الجميع خصوصاً الصين وروسيا وتركيا، كما يمكن أن تكون بوابة أوروبا للطاقة المنتجة من أفريقيا.
وإضافة إلى الوساطة الإيطالية، فإن هناك مساعي للوساطة يقوم بها الرئيس التونسي قيس سعيّد الذي تربطه علاقات جيدة بالمسؤولين في مصر، وكذلك بحكومة الوحدة الوطنية التي يترأسها الدبيبة في ليبيا، والمجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي.
وعلمت "العربي الجديد" أن القاهرة لا تزال متمسكة بموقفها الرافض للتعامل مع حكومة الوحدة الوطنية باعتبارها الممثل لليبيا، كونها حكومة منتهية الصلاحية، وفقاً للرؤية المصرية، وهو السبب الرئيسي الذي حال دون دخول القاهرة في مفاوضات مع ليبيا بهدف ترسيم الحدود البحرية المشتركة.
ووفقاً للمعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد"، فإن الجانب التونسي طرح تصوراً يقوم على أن تكون مفاوضات ترسيم الحدود بين المسؤولين في مصر، والمجلس الرئاسي، فيتولى مسؤولية المفاوضات أحد نواب رئيس المجلس، الذي تربطه علاقات جيدة بمصر.
وبحسب المعلومات فإن هناك مشاورات داخل دوائر مصرية معنية بالعلاقات مع ليبيا، تبحث كافة الطروحات والوساطات، في ظل مخاوف من تزايد التلويح من جانب مسؤولين ونواب ليبيين بملف العمالة المصرية في ليبيا، كأحد الملفات التي قد تكون محل رد على الخطوة المصرية.
وفي المعلومات أيضاً، فإن خطوة ترسيم الحدود "الأحادية"، كانت بالأساس ذات أبعاد اقتصادية، من أجل طمأنة الشركات الأجنبية الراغبة في التنقيب عن النفط والغاز في منطقة المتوسط وبالتحديد المنطقة المتاخمة للحدود مع ليبيا، وفي الوقت ذاته، فقد وضح أن القرار المصري ابتعد تماماً عن خط الحدود البحرية الموقعة بين ليبيا وتركيا أخيراً.
تونس طرحت تصوراً لإجراء مفاوضات مصرية ليبية
ويشار في هذا السياق إلى أن القاهرة طرحت أخيراً مزايدة عالمية للبحث عن الغاز والنفط في ست مناطق بالبحر المتوسط، راعت خلالها الابتعاد أيضاً عن خط الحدود الذي حددته الحكومة الليبية بنفسها بقدر كاف من الجانب المصري، وذلك في إشارة ودلالة ورسالة واضحة، للمسؤولين في ليبيا بفتح الباب مستقبلاً للتفاوض بشأن الترسيم المشترك للحدود حينما توجد حكومة مستقرة، حسب تفسير دبلوماسي مصري سابق.
ترسيم مصر حدودها البحرية مع ليبيا
وأصدرت مصر قراراً رئاسياً في 11 ديسمبر/كانون الأول الماضي يحدد من طرف واحد حدودها البحرية الغربية والمشتركة مع ليبيا. ونشرت الجريدة الرسمية قرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي حمل رقم 595 لسنة 2022، بشأن تحديد الحدود البحرية الغربية لمصر في البحر المتوسط.
وتضمن القرار في مادته الأولى أن تبدأ الحدود البحرية الإقليمية لمصر من نقطة الحدود البرية المصرية الليبية، كما نص على إخطار الأمم المتحدة بالتعديل.
وتبع ذلك القرار بأيام قليلة، طرح مصر مزايدة عالمية جديدة للبحث عن الغاز الطبيعي والزيت الخام في 12 منطقة بالبحر المتوسط ودلتا النيل، بواقع 6 مناطق بحرية ومثلها برية.
وأوضح وزير البترول والثروة المعدنية المصري طارق الملا، أن المزايدة الجديدة التي تطرحها الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس" لعام 2022، تأتي امتداداً لاستراتيجية عمل الوزارة التي بدأتها في عام 2016 لزيادة جذب الاستثمارات للبحث عن الغاز والبترول في المناطق الواعدة في مصر، وفي مقدمتها البحر المتوسط استثماراً لما تمتلكه من احتمالات مهمة.
من جانبه، قال مسؤول ليبي محسوب على معسكر الغرب، التابع له حكومة الدبيبة، إن الحكومة القائمة بطرابلس تحظى باعتراف دولي وأممي، ويمكنها اتخاذ كافة الخطوات الرسمية التي تحفظ لليبيا حقوقها، في إشارة إلى رفع الأزمة إلى الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، بموجب المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة، مضيفاً أن ليبيا حريصة على حل الأزمة في إطار يحفظ العلاقات بين الشعبين الليبي والمصري.