واشنطن عشية تسلّم رئيسي: خطاب متشدد وموقف احتوائي

04 اغسطس 2021
تبقى الأمور مرهونة إلى حدّ ما بالوجهة التي سيتخذها العهد الجديد في إيران (Getty)
+ الخط -

استهل وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إطلالته الصحافية، الاثنين، بإدانة ضرب حاملة النفط الإسرائيلية قبالة الشواطئ العمانية يوم الخميس الماضي، واتهم إيران بأنها تقف خلف العملية "بعد أن وجدنا أنها مسؤولة عنها"، كما قال.

لقاؤه مع الصحافة كان مخصصاً لموضوع آخر، لكنه أعطى الأولوية للحادثة لاغتنام فرصتها من أجل بعث رسائل حمّالة أوجه إلى طهران، عشية تنصيب الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي يوم غدٍ الخميس.

في الظاهر، تعمّد الوزير تشديد نبرته حيال إيران وممارساتها. لكن في الموقف، أرسل إشارات تنمّ عن رغبة في احتواء التوتر معها في هذه اللحظة الدقيقة، أو على الأقل ضبطه ضمن حدود يمكن التحكم بها، بحيث تكفل عدم تصعيده، رغم أنه توعّد بالرد على التصرف الإيراني. فالإدارة الأميركية ما زالت حريصة على عدم نسف الجسور في مفاوضات فيينا، رغم جمودها وشبه انسدادها منذ أواخر يونيو/حزيران الماضي.

المتحدث الرسمي في وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس؛ أكد، الثلاثاء، مجدداً هذا التوجه. كرّر أنه بالرغم من تردي العلاقة مع طهران، فإنّ إدارة جو بايدن "جاهزة لاستئناف مفاوضات فيينا، حين تقرر إيران العودة إليها". وهي تبرر هذه الأولوية من باب القناعة بأنّ "مصلحة أميركا تقتضي ذلك" كما قال، مردداً الموقف المتّبع منذ البداية. 

وأضاف برايس ما يفيد بأنّ الإدارة ليست الآن بصدد رسم حدود للسلوك الإيراني، قد يترتب عن تجاوزها من قبل طهران مغادرة الطاولة في فيينا. وذكّر بأن هدف الإدارة الأساسي "ألّا تملك إيران في نهاية المطاف السلاح النووي"، وأن الدبلوماسية هي القناة الأفضل والأنجع لتحقيق هذا الغرض.

وقد أثارت هذه المقاربة المفتوحة تشكيك بعض الأوساط بمدى فعاليتها، خصوصاً بعد أن ترنحت المفاوضات وبدت المبادرة وكأنها صارت بيد طهران. بالإضافة إلى ذلك، بدا أن التعثّر سبّب بعض الإرباك للإدارة نفسها، لناحية كيفية التعامل مع تداعياته. فالمتحدث برايس لم يكن لديه موقف مما ذكرته التقارير في الساعات الأخيرة عن إشكالات غير واضحة واجهتها عدة حاملات نفط في بحر العرب. ابتعد عن النفي أو التأكيد من زاوية "أنّ من المبكر التعليق عليها، وهي ما زالت تتوالى"، وأن واشنطن "تتبادل المعلومات حولها مع بلدان المنطقة".

تضع الإدارة "أعمال إيران اللامسؤولة ومخاطرها على الملاحة البحرية"، في خانة "الهجوم"، لا العدوان، وتصنيف كهذا يترك فسحة أوسع لسياسة الاحتواء. لم يتحدث بلينكن عن أدلة دامغة، واكتفى بالقول: "إننا عرفنا" مصدر المسيّرة التي قصفت الناقلة. ويُرجّح أن الاتهام مبنيّ على "مراقبة ورصد الإشارات الصادرة عن مركز التحكم والقيادة للطائرة المسيّرة الإيرانية" التي قامت بالعملية. وثمّة من لا يستبعد أن يكون مصدرها التشغيلي حوثياً "يحاكي النمط الإيراني".

واستوقف البعض أنّ الإدارة توعّدت برد "مناسب وجماعي" يجري التشاور بشأنه بين "واشنطن وإسرائيل وبريطانيا ورومانيا". هذه الصيغة الحذرة، وخاصة مفردة "جماعي"، ترجّح رغبة أميركية في ألّا يكون الرد على الضربة من العيار الثقيل، إذ إن رداً من هذا الصنف من المستبعد أن يكون لرومانيا دور فيه، كذلك فإنّ من غير المستبعد وجود ضغط أميركي على إسرائيل لتبتعد عن ردّ من هذا النوع في الوقت الحاضر. علماً أن ثمّة أصوات محافظة في واشنطن تضغط باتجاه القيام برد لا يقلّ عن "تدمير مركز التحكم الذي انطلقت منه المسيّرة"، وهي مطالَبة لا تبدو إدارة بايدن في صدد الإصغاء إليها، حتى الآن.

وسط هذا المناخ، تبقى الأمور مرهونة، إلى حدّ ما، بالوجهة التي سيتخذها العهد الجديد في إيران. فالتوقعات تتحدث عن المزيد من التشدد إذا لم يكن التصعيد. وثمة من يعتبر العمليات المسيّرة والاستهدافات الأخيرة في العراق وعلى الحدود مع سورية، بمثابة مقدمات للقادم في هذا الاتجاه. وهنا يبرز السؤال المحرج للإدارة: ماذا ستفعل بالمفاوضات النووية ومراهنتها عليها؟

المساهمون