أعلنت الولايات المتحدة، أول من أمس الأربعاء، استئناف الجيش الأميركي تحليق المسيّرات والطائرات الحربية المأهولة، من قاعدتيه العسكريتين في النيجر، بعد أكثر من شهر ونصف الشهر على الانقلاب العسكري في هذا البلد، الذي أطاح، في 26 يوليو/تموز الماضي، بحكم الرئيس المنتخب محمد بازوم.
وبينما لم تصنّف واشنطن العملية العسكرية لإطاحة بازوم، بالانقلاب، حتى اليوم، وسعت إلى التوسط لحل الأزمة بالطرق الدبلوماسية، فضلاً عن تعاملها مع تهديد المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بالتدخل عسكرياً في النيجر، ببرودة وحذر، فإنه ليس معلوماً بعد ما إذا كان استئنافها لنشاطها الاستخباري والعسكري في هذا البلد، يصب في خانة سياسة "شراء الوقت"، لحين البحث عن قواعد أخرى لها في المنطقة، أم إشارة إلى ضرورة قبول المجتمع الدولي بالانقلاب، والتعامل معه في إطار تبادل المصالح الاستراتيجية.
ويتمركز حوالي 1100 جندي أميركي في النيجر، الدولة الواقعة في غرب أفريقيا، وتحديداً في منطقة الساحل الأفريقي، حيث يتمدد تنظيما "القاعدة" و"داعش"، لاسيما مع انسحاب القوات الفرنسية من مالي المجاورة، التي طاولتها مع بوركينا فاسو أيضاً، انقلابات عسكرية أضرّت بالجهود الغربية والأممية في إطار محاربة الإرهاب.
وجعلت الولايات المتحدة، منذ سنوات، من النيجر، موقعها الإقليمي الرئيسي للقيام بدوريات واسعة النطاق بواسطة طائرات من دون طيار مسلّحة وغيرها من عمليات مكافحة الإرهاب ضد الحركات المتطرفة. وتتمركز القوات الأميركية في النيجر في قاعدتين: القاعدة 101 قرب العاصمة نيامي، والقاعدة 201 قرب مدينة أغاديز، والتي بنتها الولايات المتحدة بتكلفة 110 ملايين دولار، وهي التي تؤوي المسيّرات الأميركية. وتبعد نيامي عن أغاديز 920 كيلومتراً.
استؤنف نشاط المسيّرات والطلعات الجوية بعد تفاوض مع العسكر
ومنذ انقلاب يوليو، ظلّت القوات الأميركية المنتشرة في النيجر محصورة داخل قواعدها العسكرية، وأكدت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) حينها، أن الجيش الأميركي أوقف طلعاته الجوية وتسيير مسيّراته من النيجر، بعدما أغلق المجلس العسكري الانقلابي الأجواء والمطارات.
استئناف المهمات الأميركية في النيجر
لكن قائد القوات الجوية الأميركية في أوروبا وأفريقيا، الجنرال جايمس هيكر، أكد، أول من أمس، أن الجيش الأميركي استأنف مهماته في إطار محاربة الإرهاب، في النيجر، بما يشمل تحليق المسيّرات والطائرات المأهولة من القاعدتين الأميركيتين في هذا البلد. وأوضح هيكر أن بعض مهام الاستخبارات والمراقبة تمّ استئنافها خلال الأسابيع الماضية إثر مفاوضات مع الطغمة العسكرية. وأضاف: "لفترة، لم نكن نقوم بأي مهمة من قواعدنا. لقد أغلقوا تقريباً كل المطارات. ولكن من خلال العملية الدبلوماسية، نحن نقوم بالمهام اليوم، ولن أقول كل المهام التي كنا نقوم بها من قبل 100 بالمائة، ولكن نحن نقوم بنسبة كبيرة منها".
وأكد هيكر، الذي كان يتحدث للصحافيين خلال مؤتمر جمعية القوى الجوية والفضائية السنوي في ماريلاند، أن الجيش الأميركي استأنف في النيجر طلعات جوية مأهولة، ونشاط المسيّرات. ولفت إلى أنه بسبب المسافة الكبيرة بين القاعدتين، في نيامي وأغاديز، فإن بعض المهام "لا تحصل على قدر كبير من البيانات، لأنك لا تحلق في السماء لفترة طويلة" بسبب كمية الوقود اللازمة للخروج والعودة.
بدوره، أكد المتحدث باسم البنتاغون، البريغادير جنرال بات رايدر، أول من أمس، أن بلاده عادت لتقوم بمهام جوية مرة أخرى من النيجر، لكنه شدّد على أنها تقتصر على حماية القوات الأميركية، من دون تقديم توضيحات إضافية.
ويأتي ذلك فيما كان البنتاغون، أعلن في 8 سبتمبر/أيلول الحالي، أنه شرع في إعادة تموضع بعض قواته في النيجر، موضحاً أن الخطوة مجرد إجراء "احترازي". وفي هذا الإطار، لفت البنتاغون إلى أن جزءاً من القوات سيتم نقله من قاعدة نيامي إلى أغاديز، مشدداً عدم وجود أي تهديد لهذه القوات.
انقلاب النيجر... غموض أميركي مستمر
وظلّت الولايات المتحدة حريصة على إظهار الغموض في موقفها من الانقلاب العسكري في النيجر، رغم تشديدها على أهمية الالتزام بالدستور وحماية مكتسبات الديمقراطية في هذا البلد، لكنها لم تصنف إطاحة بازوم بالانقلاب. وبدا الموقف الأميركي، بعض الشيء، متمايزاً عن فرنسا، التي يتهمها المجلس العسكري بالتحضير لعمل عسكري في النيجر، وبدعم دول "إيكواس" عسكرياً، علماً أن المجموعة لوّحت بالتدخل عسكرياً لإعادة بازوم إلى السلطة.
متحدث باسم البنتاغون: تقتصر المهام الجديدة على حماية القوات الأميركية
وأرسلت واشنطن، إلى نيامي، نائبة وزير الخارجية فيكتوريا نولاند، في 8 أغسطس الماضي، للتفاوض، لكنها وصفت محادثاتها في النيجر، بالصعبة، علماً أنها لم تلتق بازوم، ولا رئيس المجلس العسكري عبد الرحمن تياني. وأعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن بلاده ستوقف "مؤقتاً" بعض برامج المساعدات الخارجية التي تستفيد منها نيامي، وأعلنت الوزارة لاحقاً أن واشنطن تفضل الحل الدبلوماسي للأزمة. وكانت السفارة الأميركية في نيامي قد أعلنت في عام 2021، أن وزارتي الدفاع والخارجية زودتا النيجر بأكثر من 500 مليون دولار من المعدات والتدريب منذ 2012.
واعتمدت واشنطن الحذر في تعاملها مع الانقلاب، وربما كسب الوقت، إذ خرجت تقارير عدة تتحدث عن أن البنتاغون يبحث مع دول أفريقية عدة نقل قواته المتمركزة في النيجر إليها، من دون تأكيده أو نفيه لذلك. لكن حجم الاستثمار الذي قامت به واشنطن في النيجر، لجهة تدريب القوات النيجرية، يجعلها حريصة على وزن تصريحاتها وإعلاناتها، لاسيما وسط الخشية من ملء روسيا الفراغ الأميركي بحال الانسحاب، علماً أن متابعين يرون أن الضغط الفرنسي، ورغبة واشنطن في عدم إظهار خلاف كبير مع باريس في مسألة النيجر، سيدفع خارجيتها لتصنيف إطاحة بازوم بالانقلاب في نهاية المطاف، وهو ما يجعلها اليوم تتأنى في الخطوة حتى إيجاد حلّ لمستقبل عملياتها العسكرية والاستخبارية في المنطقة. بينما ترى وجهة نظر أخرى أن واشنطن تعتقد أن القبول بالانقلاب محتم، لاسيما مع مرور الوقت، وأن الحل الدبلوماسي قد يكون ممكناً عبر الخروج بصيغة يرضى فيها الانقلابيون بمسار مدني سريع لإنهاء الأزمة.
وأكد هيكر، أول من أمس، أن القوات الأميركية لا تشعر بالخطر في النيجر حالياً، و"لا تزال لديها الإمكانية إذا ما اتخذت الأمور مساراً سيئاً، لإخلاء مواطنين أميركيين وأصدقاء آخرين"، لافتاً إلى أن بلاده تتحدث مع دول أخرى في المنطقة "في حال كانت بحاجة إلى إقامة قاعدة بديلة لعمليات المسيّرات".
في غضون ذلك، يواصل العسكريون الممسكون بالسلطة في النيجر تحدي دول "إيكواس". وجاء أول من أمس دور بنين التي اتهمها عسكريو النيجر بـ"التفكير في عدوان" على بلادهم، معلنين إلغاء اتفاقية التعاون العسكري المبرمة بين البلدين في 2022.
إلى ذلك، أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية آن كلير لوجاندر، أمس الخميس، أنه تم إطلاق سراح الفرنسي ستيفان جوليان الذي أوقفته قوات الأمن النيجرية في 8 سبتمبر بدون إعطاء المزيد من التفاصيل. وكانت الخارجية أعلنت الثلاثاء الماضي توقيف جوليان ودعت إلى "الإفراج الفوري" عنه، من غير أن توضح ظروف توقيفه. مع العلم أن جوليان هو ممثل لمصالح المغتربين الفرنسيين لدى السفارة والقنصليات الفرنسية في النيجر.
(العربي الجديد، رويترز، فرانس برس، أسوشييتد برس)