واشنطن - أنقرة: عودة الحرارة عن طريق كابول

02 يوليو 2021
تتواجد القوات التركية في أفغانستان ضمن "الأطلسي" (هارون صاوون/الأناضول)
+ الخط -

القمة التي جمعت الرئيس الأميركي جو بايدن مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، في 14 يونيو/حزيران الماضي، على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في بروكسل، خالفت التوقعات التي سبقتها من حيث الأجواء والنتائج، وفتحت طريقاً لتعاون جديد، بعد الجمود والترقب الحذر الذي ساد في الأشهر الأخيرة بعد رحيل الإدارة الأميركية السابقة. وبدأت أنقرة باستقبال وفود أميركية، سياسية وأمنية وعسكرية، بعضها لشأن ثنائي، وآخر يتعلق بالتطورات في سورية. وكان آخرها وفد عسكري أميركي رفيع المستوى زار العاصمة التركية قبل نحو أسبوع، وبحث في مسألة وضع الترتيبات النهائية لعملية تأمين مطار العاصمة الأفغانية كابول.

فتحت قمة بروكسل طريقاً للتواصل بين أنقرة وواشنطن
 

وتقضي الخطة المطروحة بأن تتولى المهمة في صورة رئيسية قوات تركية، تساندها قوات باكستانية ومجرية. لكن قيادة المهمة وتنفيذها على الأرض ستكون منوطة بتركيا لأسباب مختلفة، منها العلاقات الخاصة التي تربط أنقرة بأطراف النزاع الأفغاني، الحكومة، وحركة "طالبان"، والأحزاب السياسية والتشكيلات القبلية. وكانت أجواء العلاقات الثنائية بين واشنطن وأنقرة غير صافية لحظة وصول بايدن إلى البيت الأبيض. ويعود السبب في ذلك إلى تراكمات قديمة تعود إلى فترة الرئيس الأسبق باراك أوباما، والتي كان بايدن يتولى فيها موقع نائب الرئيس. ومن بين القضايا التي أثارت ردة فعل في أنقرة وصف بايدن، خلال حملته الانتخابية، أردوغان علناً بـ"المستبد"، وإعلانه عن مسار أكثر صرامة حياله. أما أردوغان فقد قال عن بايدن إن "يديه ملطختان بالدماء"، على خلفية الصراع في الشرق الأوسط. 
ويواجه كل من الرئيسين معارضة داخلية قوية تدفعه نحو المواجهة الممتدة، والتي تتمثل في المشاعر المناهضة لتركيا بين الديمقراطيين التقدميين في الكونغرس، والمشاعر المناهضة لأميركا بين ناخبي أردوغان، والتي يعود أحد أسبابها إلى القضية الأرمنية التي توقف أمامها بايدن خلال حملته الانتخابية. كان الجفاء والبرودة في العلاقات الثنائية مهيمنين قبل قمة الرئيسين، وإحدى العلامات الواضحة على ذلك أن الاتصال بينهما تأخر حتى إبريل/نيسان، أي بعد ثلاثة أشهر من تولي بايدن مهامه. 

ووسط هذه التوترات كانت تركيا تستعد لسنوات صعبة مع الإدارة الجديدة، في ظل تقديرات أن تتطور أكثر الخلافات التي تم ترحيلها من عهود سابقة. وما يساهم في ذلك أن طبيعة العلاقات تختلف بين أردوغان والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، عنها بين أردوغان وبايدن. ففي وقت كانت تعالج الخلافات بطرق مباشرة بين ترامب وأردوغان، فإنها معقدة ومركبة بين أردوغان وبايدن. وكانت التقديرات ترجح أن بايدن سيبدأ عهده بفتح حرب علنية مع الرئيس التركي، وغذى من ذلك السلوك البارد من طرف الإدارة الجديدة. ورغم حصول بعض الاتصالات البروتوكولية، فإن الغموض بقي سيد الموقف، حتى عقدت قمة بروكسل، التي بددت غيوم الشكوك وفتحت طريقاً للتواصل بين أنقرة وواشنطن، وأتاحت المجال أمام ورش عمل مشتركة لاختبار الملفات واحداً واحداً. 
ويمكن تحديد أولويات أميركا بالترتيب: الأطلسي، وروسيا، وإيران، وإسرائيل، بينما أولويات أنقرة: المسألة الكردية، والملف السوري، وروسيا، والأطلسي، وإيران. وشكلت مسألة شراء أنقرة نظام صواريخ "إس 400" في 2019 العقدة الأساسية التي جمدت بعض اتفاقات التعاون العسكري الثنائي، إذ اشترطت واشنطن، لتفعيل الاتفاقات العسكرية، إلغاء الصفقة، في حين تمسكت أنقرة بها. وعندما حصلت على النظام الصاروخي قبل عامين لم تقم بتفعيله، كي لا تقطع شعرة معاوية مع واشنطن، وأجرت عليه اختبارات، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في وقت كانت أميركا منشغلة بالانتخابات الرئاسية. 

يستبعد قيام "طالبان" بأعمال عدائية ضد القوات التركية
 

وما يجري حالياً من لقاءات واتصالات ثنائية بعد قمة بايدن أردوغان هو وضع قواعد جديدة، والبداية من التعاون في مسألة ترتيب الانسحاب من أفغانستان، والذي يكتمل القسط الأساسي منه في 11 سبتمبر/أيلول المقبل. وحسب ما هو معروف، فإن المهمة المطروحة على القوات التركية ليست جديدة عليها، فهي موجودة أصلاً من ضمن قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، وتعدادها هو 500 جندي، ولكن مهامها كانت تقتصر على تدريب وتجهيز الكوادر الحكومية، وحركة "طالبان" على علم بذلك، ولم تعترض عليه كما حصل الآن مع المهمة المرتقبة لحماية مطار كابول الدولي. 
وعلى الرغم من قول كبير مفاوضي "طالبان" سهيل شاهين، أخيراً، "لا نريد أي قوة أجنبية بما في ذلك تركيا"، إلا أنه من المستبعد أن تقوم الحركة بأعمال عدائية ضد القوات التركية، بسبب العلاقات الجيدة التي تربط بينهما، إذ سبق لتركيا أن لعبت دوراً في المفاوضات الأفغانية في الدوحة، ودعت إلى تنظيم مؤتمر في إسطنبول بين 24 إبريل و4 مايو/أيار الماضي بين الحكومة وممثلي حركة "طالبان" وبقية الأطراف الأفغانية، بتنظيم مشترك من قبل تركيا وقطر والأمم المتحدة، وذلك بهدف تسريع وإتمام المفاوضات المستمرة بين الأفغانيين في الدوحة، في سبيل التوصل إلى حل دائم في أفغانستان، والاتفاق على خريطة طريق من أجل الحل السياسي، ووقف إطلاق النار. ورأى زعيم الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار، وقتها، أن "تركيا أنسب دولة لاستضافة مباحثات السلام الأفغانية، لأنها تلتزم الحياد، ولا علاقة لها بالأحداث الجارية في أفغانستان". وكشف أن الولايات المتحدة كانت ترغب في نقل مفاوضات السلام الأفغانية من الدوحة إلى إحدى الدول الأوروبية، إلا أن قناعة بلاده في أداء تركيا دوراً فاعلاً في المباحثات، وإصرارها على اختيارها لهذا السبب، أدى إلى إقرار عقدها في إسطنبول. 
وفي وقت كانت تجري فيه الاستعدادات في إسطنبول لعقد المؤتمر، أعلن المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك عن تأجيل المؤتمر، لكن مصادر مطلعة أفادت بأن شروط "طالبان" أفشلت عقد المؤتمر، إذ إنها تحفظت على مشاركة زعماء الأحزاب الأفغانية والشخصيات الوازنة، وأن تكون الملفات، التي سيتم تناولها في المؤتمر، واضحة، مثل تشكيل حكومة مؤقتة، وانسحاب القوات الأجنبية، وتسليم السلطة إلى شخصية تحظى بقبول الجميع. عدم الرضا على الدور التركي لا يقتصر على "طالبان"، بل إنه ينسحب على الحكومة الأفغانية. وهذا ما عكسته صحيفة "إصلاح" الأفغانية، التي علقت في افتتاحية لها أخيراً، بالقول: "سوف يثير نقل مسؤولية أمن مطار كابول إلى القوات التركية فعلياً الشكوك وغياب اليقين بشأن قدرات القوات الأمنية والدفاعية الأفغانية، وسوف يخلف آثاراً سلبية على معنويات هذه القوات وثقتها بنفسها. قد يخلق قرار كهذا مناخا من انعدام الثقة بين حكومة أفغانستان وشعبها، ويشوه صورة الحكومة ومكانتها". 
وما لا يتحدث عنه أحد هو السيناريو المحتمل بعد الانسحاب "الأطلسي"، تبعاً للتقدم الذي تحرزه قوات "طالبان" ضد قوات الحكومة الأفغانية. ونشرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، منذ أيام، تقريراً منسوباً إلى المخابرات الأميركية توقعت فيه سقوط الحكم بيد "طالبان" بعد ستة أشهر من انسحاب "الأطلسي". ورغم عدم حسم مسألة أمن مطار كابول حتى الآن، فإن أميركا تولي دور تركيا في أفغانستان أهمية استثنائية. وعدا عن علاقاتها الجيدة مع أطراف النزاع الأفغاني، فهي تمتلك ثاني أكبر جيش مشارك في حلف شمال الأطلسي، بعد الجيش الأميركي، وتعتبر من حلفاء الولايات المتحدة المهمين في المنطقة. لكن ملفات، مثل منظومة صواريخ "إس 400" المضادة للطائرات، والخلافات حول الأكراد والأرمن والتوترات في شرق البحر الأبيض المتوسط، تنتظر عودة الحرارة إلى العلاقات بين البلدين.