هل يُسقط انقسام مجلس الدولة الليبي تكليف باشاغا رئيسا للحكومة؟

16 فبراير 2022
اعتبر المشري قرار تكليف باشاغا رئيساً للحكومة "إجراءً غير سليم" (حازم تركية/الأناضول)
+ الخط -

يواجه التقارب والاتفاق بين مجلس النواب الليبي والمجلس الأعلى للدولة حول خارطة طريق المرحلة المقبلة ملامح انهيار، بعد أن برزت على السطح بوادر انقسام حاد في مواقف أعضاء المجلس الأعلى للدولة من خارطة الطريق، خصوصاً قراري مجلس النواب بشأن تغيير الحكومة، والتعديل الدستوري.

وقرّر مجلس النواب، الخميس الماضي، تكليف فتحي باشاغا رئيساً لحكومة جديدة، وتضمين التعديل الدستوري في الإعلان الدستوري (دستور مؤقت) بالتوافق مع المجلس الأعلى للدولة، غير أن عدداً من أعضاء مجلس الدولة عبّروا عن رفضهم للقرارين، وأكدوا أنه لم يجرِ التصويت عليهما في جلسة عامة وعلنية بمجلس الدولة.

وخلال إعلانه قرار تكليف باشاغا رئيساً للحكومة، أكد رئيس مجلس النواب عقيلة صالح وصول رسالة تزكية لباشاغا من مجلس الدولة، مشيراً إلى أن التعديل الدستوري جرى الاتفاق عليه مع مجلس الدولة قبل تضمينه في الإعلان الدستوري.

بيانان متناقضان لأعضاء في مجلس الدولة

ورغم التصريحات الفردية لأعضاء مجلس الدولة الرافضة والمؤيدة لقراري مجلس النواب، والتي تداولتها وسائل الإعلام بشكل واسع المدة الماضية، إلا أن 54 عضواً بمجلس الدولة أصدروا بياناً مشتركاً، مساء أمس الثلاثاء، عبّروا فيه عن رفضهم للقرارين.

وأوضح البيان المشترك أن إجراء مجلس النواب بشأن سحب الثقة من الحكومة مخالف للإعلان الدستوري والاتفاق السياسي، "مما يجعله باطلاً"، وهو إجراء "لا يشمل رئيس الحكومة باعتبار أن تكليفه لم يكن من مجلس النواب".

وحول التعديل الدستوري، أوضح البيان أن ما صدر عن مجلس النواب "يُعدّ إجراءً غير مكتمل إلى حين نقاشه والتصويت عليه في جلسة رسمية"، مشيراً إلى أن تمريره من مجلس الدولة يتطلب توفر "نصاب الثلثين من الأعضاء".

ولفت إلى أن "بعض مواد التعديل الدستور المقترح جاءت مليئة بالفجوات والغموض، منها المتعلقة باللجنة المشكلة من المجلسين لوضع القاعدة الدستورية، وعدم تحديد توقيت لتغيير مجلس المفوضية، والغموض في المواد محل التعديل في مشروع الدستور، مما يزيد من الخلاف ويجعل المدد المذكورة غير محددة ولا قابلة للتنفيذ".

وعلّق البيان المشترك أيضاً على طريقة تضمين مجلس النواب للتعديل الدستوري في الإعلان الدستوري، واعتبر أنها جاءت مخالفة للاتفاق السياسي الذي ينص على ضرورة موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب، و"ليس بالأغلبية كما صرح بذلك رئيس مجلس النواب في الجلسة المنقولة على الهواء".

وفي خطوة لافتة قد تشير إلى طرح رؤية جديدة حول الانتخابات، طالب أعضاء البيان زملاءهم بمجلس الدولة ومجلس النواب بضرورة التوافق لـ"تهيئة الظروف لإجراء انتخابات برلمانية خلال مدة لا تتجاوز نهاية شهر يوليو/تموز المقبل، وتكون من مهام البرلمان القادم استكمال المسار الدستوري، وتكليف حكومة، وتوحيد المؤسسات".

وبالتزامن، تداولت وسائل إعلام محلية بياناً حمل 75 اسماً من أسماء أعضاء مجلس الدولة، أعلنوا فيه تأييدهم لقراري مجلس النواب بشأن تغيير الحكومة، وتضمين التعديل الدستوري في الإعلان الدستوري، وأكدوا أن ما صدر عن مجلس النواب، خلال جلسة الخميس الماضي، "يُعدّ تفاهمات رسمية تم نقاشها والتصويت عليها بجلسة رسمية بالمجلس الأعلى للدولة".

وذكر بيان الأعضاء الـ75، أن التعديل الدستوري الذي ضمّنه مجلس النواب في الإعلان الدستوري أُقرّ من لجنتي خارطة الطريق بالمجلسين بـ"بصيغته النهائية قبل تصويت مجلس النواب"، مطالباً مجلس الدولة بضرورة عقد جلسة للتصويت عليه، على اعتبار أن مجلس النواب صوّت على ما تم التوافق عليه بين لجنتي خارطة الطريق بمجلسي النواب والدولة، وبنفس الصياغة.

وأكد البيان أن آلية اختيار رئيس الحكومة الجديد "وُضعت بالاتفاق بين المجلسين بأن يحصل المرشح على ثلاثين تزكية من أعضاء مجلس الدولة، وأربعين من أعضاء البرلمان، وهذا ما تحقق فعلاً"، موضحاً أن فتحي باشاغا، رئيس الحكومة المكلف من البرلمان، حصل على أكثر من خمسين تزكية من أعضاء مجلس الدولة، "وبالتالي، فإن دور مجلس الدولة قد انتهى في ما يتعلق بتغيير السلطة التنفيذية".

وفي غضون ذلك، وفيما نفى عدد من أعضاء مجلس الدولة ممن وردت أسماؤهم في بيان الـ75 عضواً انضمامهم له، أكدت عضو المجلس الأعلى للدولة نعيمة الحامي، صحة بيان الـ54 عضواً، وقالت، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "هذا البيان هو الصحيح، أما البيان الذي يحمل توقيع 75 عضواً فهو مزور، وتتحمل رئاسة المجلس مسؤوليته".

وحول إمكانية انعقاد جلسة للمجلس، أكدت أن رئاسة مجلس الدولة لم تحدّد موعداً حتى الآن، دون أن تبين أسباب عدم انعقاده للأعضاء.

وعقب تأكيد عدد من أعضاء مجلس الدولة انضمامهم لبيان الـ54، ونفي آخرين انضمامهم لبيان الـ75، وسط أحاديث عن إمكانية تزوير البيان الأخير، أصدرت رئاسة مجلس الدولة بياناً مقتضباً حمل تصريحاً جديداً لرئيس المجلس خالد المشري، قال فيه إن "إصدار مجلس النواب قرار تكليف رئيس للحكومة، قبل عقد جلسة رسمية للمجلس الأعلى للدولة، والبت في هذا الشأن، إجراء غير سليم".

واعتبر المشري، في البيان المقتضب الذي نشرته صفحة المكتب الإعلامي للمجلس الأعلى على "فيسبوك" ليل أمس الثلاثاء، أن إصدار مجلس النواب قراراً بتكليف رئيس جديد للحكومة قبل انعقاد جلسة رسمية لمجلس الدولة "لا يساعد في بناء جسور الثقة بين المجلسين"، في نقيض لتصريحات سابقة، خلال مؤتمر صحافي له السبت الماضي، دافع فيها عن قرار مجلس النواب بشأن تعيين باشاغا رئيساً للحكومة.

وفي السياق، نفت الحامي أن يكون بيان الـ54 عضواً يتمسك ببقاء الوضع الحالي، وقالت: "نحن نهدف إلى تأسيس صحيح لدولة مدنية، وأن يكون أساس مساري خارطة الطريق الدستوري والتنفيذي سليماً قانونياً"، مؤكدة أن مجلس الدولة "غير معني ببقاء الحكومة أو عدمه".

وحول بيان المشري، ليل أمس الثلاثاء، أكدت الحامي أن "المشري أدرك أن الرأي الذي حمله بيان الـ54 عضواً هو الرأي الصحيح لمجلس الدولة، ولذا استجاب لمطلب عقد جلسة رسمية لإقرار القرارين".

من جانبه، أكد المتحدث الرسمي باسم مجلس الدولة محمد عبد الناصر، أن مجلس الدولة لم يصدر عنه موقف رسمي من قرارات مجلس النواب، مشيراً إلى أن الموقف النهائي سيصدر في جلسة رسمية تقّرر عقدها الأسبوع المقبل.

وفيما أشار عبد الناصر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى وجود انقسام في مواقف أعضاء مجلس الدولة حيال قرارات مجلس النواب، إلا أنه نفى علمه بوجود أسماء انضمت إلى أحد البيانين الصادرين عن أعضاء مجلس الدولة، بالأمس، ثم نفي أصحابها ذلك.

لكن هذا الانقسام لن يؤثر في نفاذ قرارات مجلس النواب، بحسب تأكيد عضو مجلس النواب جبريل وحيدة، الذي يؤكد أن "مجلس النواب أصدر قراراته بالتوافق مع لجنة كلفها مجلس الدولة، وقدمت إلى طبرق للتوافق حول التعديل الدستوري"، ويضيف: "كذلك تغيير الحكومة، فقد زكّى عدد كبير من أعضاء مجلس الدولة باشاغا رئيسا للحكومة".

وفيما يشير وحيدة إلى وجود تيارات داخل مجلس الدولة بعضها يرفض تغيير الحكومة، ويمارس ضغطه لـ"التشويش على قرارات مجلس النواب"، أكد رهان مجلس النواب على رئيس الحكومة الجديدة، قائلاً: "إما أن يتمكن باشاغا من ممارسة عمله داخل طرابلس وينفذ قرارات مجلس النواب، وإما ان يذهب لممارسة عمله من مدينة أخرى ويَحدث انقسام حكومي".