فتح الانقلاب العسكري في الغابون، والذي نفذه ضباط في الجيش فجر الأربعاء الماضي، الباب أمام تساؤلات عدة حول ما إذا كانت الإطاحة بحليف للمغرب من طينة (الرئيس الغابوني المحتجز) علي بونغو ستؤثر على مستقبل العلاقات بين البلدين، وتهدد مصالح الرباط.
وتربط الرباط وليبرفيل علاقات توصف بالوثيقة والعميقة، ما جعل منها نموذجاً فعالاً للتعاون جنوب – جنوب، وللتعاون الأفريقي بصفة عامة. وهذه العلاقات استمرت منذ عهد والد الرئيس المطاح به عمر بونغو، الذي كان صديقاً للملك الراحل الحسن الثاني، وأورثا هذه العلاقة إلى خليفتيهما، الملك محمد السادس والرئيس علي بونغو.
المغرب - الغابون: علاقات عائلية وخاصة
وفي إشارات دالة على طبيعة تلك العلاقات التي ارتقت إلى العائلية بين العائلتين الحاكمتين في البلدين، جرت العادة أن يقضي العاهل المغربي فترات من عطلته في الغابون، كما قام بزيارات صداقة وعمل عدة، كانت آخرها في فبراير/ شباط الماضي، وهي الزيارة التي كانت مناسبة لاستعراض "وضع الشراكة الثنائية في جميع المجالات"، ولتأكيد أهمية العلاقات العميقة والغنية والمتينة المتجذرة بين المغرب والغابون، وأهمية "أواصر الأخوة والتضامن القوية القائمة بين شعبي البلدين". فيما كان لافتاً إشراف الملك المغربي بحضور الرئيس الغابوني على تسليم هبة تتكون من ألفي طن من الأسمدة، تندرج "في إطار العناية التي تخص بها المملكة المغربية الفلاحين الغابونيين، ولا سيما في ظل السياق الحالي الذي يتميز بالأزمة الغذائية العالمية وصعوبات التزود بالأسمدة".
العلاقات المميزة بين البلدين استمرت منذ عهد عمر بونغو، الذي كان صديقاً للملك الراحل الحسن الثاني
في المقابل، حرص الرئيس الغابوني المطاح به منذ توليه مقاليد السلطة في عام 2009 على زيارة المغرب سواء في زيارات عائلية خاصة أو لقاءات رسمية. بل إنه قضى في عام 2018 فترة العلاج وفترة النقاهة في المغرب بعد إصابته بجلطة دماغية في المملكة العربية السعودية.
وكان لاتخاذ العلاقات بين الملك محمد السادس وعلي بونغو طابعاً شخصياً وعائلياً تأثير إيجابي في العديد من المجالات، مثل السياسة والصحة والتجارة، فيما يبدو لافتاً حجم الاستثمارات المغربية الضخمة في الغابون بمجالات متنوعة جداً، منها الإسمنت، والأسمدة الزراعية، والبناء والأشغال العمومية، والمناجم، والمصارف والتأمينات.
حياد مغربي مدروس بعد الانقلاب
ولئن كان انقلاب 30 أغسطس/ آب 2023 قد شكّل صدمة جديدة للدول الأفريقية، جراء ما له من تداعيات وتبعات، كان لافتاً التزام المغرب موقف الحياد، حيث أكد في أول تعليق رسمي، أنه يتابع عن كثب تطور الوضع في الغابون ويؤكد أهمية الحفاظ على استقرار هذا البلد وطمأنينة سكانه، موضحاً أن "المغرب يثق في حكمة الأمة الغابونية وقواها الحية ومؤسساتها الوطنية، للسير قدماً نحو أفق يتيح العمل من أجل المصلحة العليا للبلد، وصون المكتسبات التي تحققت والاستجابة لتطلعات الشعب الغابوني الشقيق".
في السياق، رأى رئيس "المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الإستراتيجية" نبيل الأندلوسي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن وزارة الخارجية المغربية حاولت من خلال البيان الصادر عنها البقاء على الحياد مع تأكيد أهمية الحفاظ على استقرار الغابون ومصالحه العليا وتطلعات الشعب الغابوني، من دون أي إشارة إلى الانقلاب أو إبداء أي موقف بشأنه. وجاء ذلك، برأيه، تمثلاً بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادتها، وحفاظاً على مصالح المغرب الاستراتيجية في علاقتها بهذه الدولة، وهو نوع من التعامل البراغماتي الذي تفرضه الظروف، في انتظار أن تتضح الأمور أكثر.
نبيل الأندلوسي: تعامل المغرب مع الانقلاب ببراغماتية في انتظار أن تتضح الأمور أكثر
وذهب الأندلوسي إلى أنه في حال نجاح الانقلاب، فإن المغرب سيكون قد فَقَد أحد أهم حلفائه وأصدقائه الأفارقة، اعتباراً للعلاقات المتميزة التي كانت تربط بين البلدين، والتي توطدت ما بين الأسرتين الحاكمتين منذ عهد عمر بونغو والملك الحسن الثاني.
ولفت رئيس "المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية" إلى أنه من السابق لأوانه معرفة توجهات الحاكمين الجدد، إذا نجح انقلابهم، بشأن علاقتهم مع المملكة المغربية، وهل سيستمرون في بناء علاقات جيدة مع المغرب أم لا، اعتباراً لكون هذا الأمر تتداخل فيه عدة معطيات غير واضحة حتى الآن. وبرأيه، فإن الأرجح هو تحصين المكتسبات بين البلدين مهما كانت طبيعة النظام الحاكم في الغابون، استحضاراً لكون المصالح هي المحدد في غالب الأحيان، معتبراً أن مصالح البلدين عميقة ومتجذرة ويستفيد منها الطرفان.
ورأى الأندلوسي أن اشتغال أحد القادة الانقلابيين، وهو العقيد بريس كلوتير أوليغي أنغيما، قائد الحرس الجمهوري منذ 2020 (عيّنه الانقلابيون رئيساً انتقالياً للغابون) بسفارة الغابون في المغرب كملحق عسكري، وتخرجه من الأكاديمية العسكرية في مكناس، يجعله على معرفة عن قرب بالمغرب والسياسة الخارجية المغربية، موضحاً أن انطباعاته حول هذه الأخيرة سيكون لها تأثير في رسم مستقبل العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
بوبكر أونغير: المعيار الذي يقيس به المغرب علاقاته الدولية هو الموقف من قضية الصحراء المغربية
من جهته، رأى الباحث في تاريخ العلاقات الدولية والمتخصص في الشأن الأفريقي بوبكر أونغير أن بيان وزارة الخارجية المغربية بخصوص الانقلاب كان واضحاً بخصوص احترام إرادة وذكاء الشعب الغابوني الذي يعرف ما يصلح له، وله حق تقدير مصالح بلاده، موضحاً أن المغرب على هذا الأساس، وفي إطار احترام إرادة الشعوب وسيادة البلدان، يرى أن ما يحدث في الغابون وغيرها أمور داخلية يجب أن تحل بالآليات الداخلية.
ولفت أونغير في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن المغرب مستعد للمشاركة في أي أمر من شأنه تيسير انتقال سلس وسلمي وديمقراطي في جميع الدول الأفريقية إذا ما طلب منه من طرف دول وشعوب المنطقة.
ولفت أونغير إلى أن المغرب لا يتخوف بتاتاً على مصالحه من الانقلاب في الغابون، لأن ما يربط الشعبين من أواصر التعاون والتآخي يتجاوز المصالح والسياقات السياسية الطارئة التي لا تؤثر على ما هو استراتيجي. وأوضح أن البلدين تربطهما اتفاقيات اقتصادية واتفاقيات تجارية لا يمكن أن يتم التراجع عنها من طرف النظام الغابوني الجديد، فهذه الاتفاقيات بنيت على نظرة تأخذ بعين الاعتبار مصالح البلدين والشعبين.
وفي تقدير أونغير، فإن المغرب تربطه علاقات مع أطياف ومكونات الشعب الغابوني وعلاقاته مع القادة الجدد جيدة وممتازة وقديمة، وبالتالي فطبيعة العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين البلدين لن تتأثر كثيراً بهذا التغيير الجديد. كما أن البوصلة أو المعيار الذي يقيس به المغرب علاقاته الدولية هو الموقف من قضية الصحراء المغربية، ما سيجعل موقف المغرب مما وقع في الغابون دقيقاً ومتوازناً وذكياً، لأن أي موقف غير ذلك قد تستغله أطراف دولية وإقليمية للإضرار بمصالحه، وفق اعتباره.