انتهى الاجتماع الثلاثي الذي انعقد صباح الأحد في القاهرة، بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، إلى الاتفاق على تشكيل حكومة موحّدة تشرف على الانتخابات، وتقدم الخدمات الضرورية للمواطنين، وعلى تشكيل لجنة فنية لمراجعة القوانين الانتخابية التي أنجزتها لجنة "6+6" المشتركة من مجلسي النواب والأعلى للدولة.
وانعقد الاجتماع الثلاثي في القاهرة بدعوة من أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط، الذي وصف الاجتماع، خلال مؤتمر صحافي مع القادة الليبيين الثلاثة، بأنه إنجاز كبير، وشدد على ضرورة البناء على مخرجاته.
ووفقا لبيان الاجتماع الثلاثي، فقد اتفق القادة الثلاثة على ضرورة "توحيد المناصب السيادية بما يضمن تفعيل دورها وتجاوز آثار الانقسامات الحاصلة فيها"، وعلى عقد جولة ثانية "بشكل عاجل"، لإتمام هذا الاتفاق ووضعه حيز التنفيذ.
وفي وقت ذكر بيان الاجتماع الثلاثي أن القادة الثلاثة "شددوا على سيادة ليبيا واستقلالها ووحدة أراضيها ورفض أي تدخلات خارجية سلبية في العملية السياسية"، طالبوا البعثة الأممية والمجتمع الدولي بضرورة "دعم مخرجات هذا الاجتماع".
ولم يصدر حتى الآن أي تعليق رسمي من جانب الأطراف الليبية، خاصة رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، وقائد مليشيات شرق ليبيا خليفة حفتر، المعنيين أيضا بمبادرة طاولة الحوار الخماسية التي دعا إليها المبعوث الأممي عبد الله باتيلي، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إلى جانب المنفي وصالح وتكالة.
وأكد مصدر حكومي من طرابلس لـ"العربي الجديد"، أن الدبيبة لم يبد رضاه بشكل كامل حيال مخرجات اللقاء الثلاثي، خاصة الاتفاق على تشكيل حكومة موحدة دون الاتفاق على آلية تشكيلها.
وتوافقت معلومات مصادر مقربة من رئاسات المجالس الثلاثة، النواب والدولة والرئاسي، على أن الاجتماع الثلاثي وإن جاء برعاية الجامعة العربية وبمبادرة منها، غير أن مصر تقف وراءه لتقارب رؤيتها الخاصة بشأن دمج حكومتي البلاد، الوحدة الوطنية ومجلس النواب، والتي سبق وأن ناقشتها القاهرة مع المنفي، مطلع فبراير/ شباط الماضي أثناء زيارته للقاهرة.
وكشفت المصادر لـ"العربي الجديد" تفاصيل الاجتماع الذي دام قرابة ساعتين، وناقش مقترحاً بتقريب المسافة بين عقيلة صالح وتكالة بشأن النقاط الخلافية، فيما يكون للمنفي دور الإشراف على تنفيذ ما يتفق عليه.
الاجتماع الثلاثي: حكومة مصغّرة
ووفقا للمصادر، فإن عقيلة وافق على مطالب تكالة الخاصة بضرورة مراجعة قوانين لجنة "6+6" الانتخابية، فيما وافق تكالة على مطلب تشكيل حكومة موحدة في البلاد، لكن عقيلة أضاف مطلباً آخر يتعلق بتوحيد المناصب السيادية، وتحديد منصبي محافظ البنك المركزي وديوان المحاسبة، وأن يكون اختيار شاغليها بترشيح من مجلس النواب وبموافقة مجلس الدولة، وشدد صالح على أن يكون تعيين شاغلي المناصب السيادية قبل تشكيل الحكومة الموحدة.
وأشارت المصادر إلى أن الجدل الأكبر دار حول شكل الحكومة الموحدة، لكنه انتهى إلى الاتفاق على تشكيل حكومة مصغرة خدمية فقط، ويتم اختيار أعضائها من الوزارات السيادية من الحكومتين.
وقال أحد المصادر، وهو مصدر مقرب من المجلس الرئاسي، إنه تم إرجاء طريقة اختيار وزراء الحكومة المصغرة المدمجة من الحكومتين إلى الاجتماع المقبل والمرجح أن يكون في النصف الثاني من شهر رمضان، مشيراً إلى أن اختيار أعضاء اللجنة الفنية الخاصة بمراجعة القوانين الانتخابية وتسمية شاغلي المناصب السيادية تم تأجيل النقاش حولها إلى الاجتماع المقبل.
باتيلي واجتماع تونس
وفي وقت لم يصدر أي تعليق من جانب البعثة الأممية حيال البيان الثلاثي، التقى باتيلي بالتزامن مع الاجتماع الثلاثي في القاهرة، بالدبيبة، لمناقشة جملة من الملفات السياسية والاقتصادية، وناقش معه "السبل والوسائل الكفيلة بدفع العملية السياسية إلى الأمام من خلال التوصل إلى تسوية سياسية"، بحسب تدوينة كتبها على حسابه في منصة إكس.
وعبر التدوينة، جدد باتيلي دعوته "لجميع القادة الليبيين إلى أن يكونوا عند مستوى التحدي الذي يواجه بلادهم وأن يتفقوا على حكومة موحدة لقيادة البلاد نحو الانتخابات".
وعقب اجتماعه بالدبيبة، التقى باتيلي وفداً مشتركاً من أعضاء مجلسي النواب الدولة ممن شاركوا في لقاء تونس الذي جمع عدداً من أعضاء المجلسين الأربعاء قبل الماضي، وناقش معهم التوافق الذي جرى في تونس "وتفاصيل الخطوات التالية التي ينوي أعضاء المجلسين القيام بها". وفقا لبيان للبعثة الأممية ليل الأحد.
ونقل بيان البعثة تأكيد باتيلي لوفد المجلسين على ضرورة "التوصل إلى اتفاق أوسع لتشكيل حكومة موحدة من شأنها أن تسير بليبيا إلى الأمام على درب إجراء انتخابات وطنية شفافة وشاملة في أقرب وقت ممكن".
وكان باتيلي قد اعترض بشكل ضمني على مخرجات لقاء أعضاء مجلسي النواب والدولة في تونس، مؤكداً أنه لا يلبي الطموحات بسبب تحفظات بعض الأطراف عليه، وأنه لن يكون بديلاً عن حوار أوسع بمشاركة أكبر وجدول أعمال أكثر شمولاً.
وانتهى اجتماع تونس إلى الاتفاق على "تشكيل حكومة وطنية جديدة"، وضرورة الالتزام بالقوانين الانتخابية الصادرة عن مجلس النواب في أكتوبر الماضي، على الرغم من رفضها من جانب المجلس الأعلى للدولة بسبب إدخال تعديلات عليها بمخالفة نصوص الإعلان الدستوري الذي تشكلت وفقها اللجنة ونص على إلزامية ونهائية مخرجاتها، مطالباً بضرورة اعتماد النسخة التي أصدرتها اللجنة في يونيو/ حزيران الماضي.
وبعدما كانت النقاط الخلافية في القوانين الانتخابية تدور حول ترشح العسكريين وحملة الجنسيات الأجنبية للانتخابات، أضيفت نقطة إشكالية تتعلق بمطالب مجلس النواب بضرورة تشكيل حكومة جديدة للإشراف على الانتخابات بديلاً عن حكومتي البلاد، حكومة الوحدة الوطنية وحكومة مجلس النواب، وسط رفض الدبيبة تسليم الحكم لسلطة منتخبة.
ومع إعلان باتيلي عن مبادرته الخاصة لقاء القادة الخمسة، اشترط صالح حصر الحوار الخماسي في تشكيل حكومة للإشراف على الانتخابات، مصراً على صحة إصدار القوانين الانتخابية، فيما اشترط تكالة ضرورة أن يكون مناقشة القوانين الانتخابية بنداً أساسياً في الحوار.
وإضافة للخلاف حول بنود الطاولة الخماسية، رفض صالح مشاركة الدبيبة في الحوار باعتبار مجلس النواب سحب الثقة من حكومته، فيما اقترح حفتر إضافة رئيس حكومة مجلس النواب، أسامة حماد، لعضوية طاولة الحوار مقابل مشاركة الدبيبة.
"عود على بدء"
ويعتبر أستاذ القانون الدستوري أحمد العاقل أن مخرجات الاجتماع الثلاثي في القاهرة "عود على بدء، فاللجنة الفنية للنظر في القوانين الانتخابية يشكّل فتحها للتعديل مجدداً خطوة تفتح المجال للمزيد من الاعتراضات والتعديلات، وسيجد الساعون للمماطلة طريقاً لتجديد النقاط الخلافية القديمة حول مزدوجي الجنسية والعسكريين"، مشيراً إلى أن تشكيل لجنة لمراجعة القوانين الانتخابية "يعني ضرباً لأساسها الدستوري الذي نص على إلزامية ونهائية مخرجات لجنة 6+6".
ويقول لـ"العربي الجديد" إن المتابعين "انشدّوا لبند الاتفاق على تشكيل حكومة موحدة، لكن الأهم هو مراجعة القوانين الانتخابية فهي الطريق بالنسبة لكل المماطلين من أجل البقاء ولعرقلة إجراء الانتخابات، فمسلسل التعديلات لن ينتهي".
وأضاف: "بيان القاهرة لم يحمل جديداً سوى تغيير الصيغ كما يحدث كل مرة. والذي جرى أن الساعين للبقاء اتفقوا على تشكيل وجه جديد لترسيخ سلطتهم"، مضيفاً: "بشأن توحيد الحكومتين، لا سبيل غيره في خضم رفض الجميع المغادرة، وما سيحدث أن المجال أمام الصفقات سيفتح الاتفاقات السابقة لتقاسم الوزارات السيادية، لأن كل من في السلطة متفقون على شيء واحد وهو التمديد والمماطلة، وبالتالي الحكومة الموحدة ستبقى لوقت طويل وعلى الجميع أن يسعى لكسب موقع فيها".
لكن العاقل في ذات الوقت يلفت إلى أن صمت البعثة الأممية والسفارات الأجنبية بطرابلس المعنية بالملف الليبي، نحو واشنطن والاتحاد الأوروبي، يعني أن مشروع الاتفاق في القاهرة يخدم مصالح أطراف إقليمية فقط، ولن يحظ بدعم البعثة والأطراف الفاعلة الأخرى "وسيبقى الاتفاق بين أطرافه ورقة للعرقلة فقط".