بدأ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن جولة جديدة في الشرق الأوسط، تهدف إلى التوصل لهدنة في الحرب بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، بينما يتواصل القتال في جنوبي قطاع غزة. وتشمل الجولة السعودية، ومصر، وقطر، وإسرائيل، إضافة إلى الضفة الغربية، وهي الخامسة التي يقوم بها منذ هجمات 7 أكتوبر/ تشرين الأول. وتستهدف الجولة مواصلة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن المتبقين لدى "حماس"، والتوصل إلى هدنة إنسانية تسمح بإيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في غزة.
ويُتوقع أن يناقش بلينكن مقترح هدنة وُضع خلال اجتماع عقده مسؤولون أميركيون وإسرائيليون ومصريون وقطريون في باريس الشهر الماضي. وينصّ مقترح الهدنة الجديد على وقف القتال لمدة ستة أسابيع مبدئياً، بينما تفرج "حماس" عن المحتجزين لديها مقابل أسرى فلسطينيين.
تفاصيل الرؤية المصرية حول غزة
مصرياً، قالت مصادر خاصة، لـ"العربي الجديد"، إن "المسؤولين المصريين سيعرضون على الوزير الأميركي خلال وجوده في القاهرة، تفاصيل الرؤية المصرية الخاصة بالوضع في قطاع غزة والتصورات الخاصة بإنهاء الأزمة، كما سيتم استعراض رؤيتهم حول العمليات العسكرية التي يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي في محور فيلادلفيا، على الحدود مع سيناء المصرية".
وتطرح زيارة وزير الخارجية الأميركي تساؤلا بشأن قدرته على تحقيق اختراق في موقفي الطرفين المتحاربين تجاه اتفاق الهدنة الجديد.
القيادي في حركة "حماس" عبد الرحمن شديد قال في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن تأخر رد الحركة على مقترح باريس، "يأتي في إطار استكمال المشاورات الداخلية والوطنية من أجل الوصول لأفضل صيغة تضمن تحقيق حقوق شعبنا الفلسطيني، لا سيما بعد كل هذه البطولات والصمود والتضحيات التي قدمها شعبنا ومقاومته الباسلة". وأكد أن "الإطار المقترح يغفل مطالب أساسية لشعبنا لا يمكن تجاوزها، وهو ما يستغرق مزيداً من الوقت لإنضاج المشاورات بشأن مراحل الإطار وتفاصيلها".
قيادي في "حماس": الإطار المقترح لتصور باريس يغفل مطالب أساسية لشعبنا لا يمكن تجاوزها
استبعاد رضوخ الاحتلال لضغوط بلينكن
وحول إمكانية تحقيق بلينكن اختراقاً في مواقف الأطراف المختلفة، قلل نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية مختار الغباشي من إمكانية تحقيقه اختراقاً في الموقف الإسرائيلي، مرجحاً أن "يحدث ذلك عند العالم العربي". وقال الغباشي لـ"العربي الجديد"، إن "إمكانية أن يضغط بلينكن على إسرائيل لكي ترضخ لمطالب المجتمع الدولي، والحكم المستعجل الصادر عن محكمة العدل الدولية والاستغاثات التي تخرج من كثير من دول العالم بضرورة وقف إطلاق النار، ضعيفة". وأضاف: "دائماً وأبداً زيارات بلينكن تحمل في طياتها زيادة وتيرة إطلاق النار، فكل الزيارات الأربع السابقة، وبعد مغادرته تل أبيب بدقائق، تبدأ إسرائيل في إطلاق النار بشكل غير مسبوق، وهذه خطورة زيارات بلينكن".
وشدد الغباشي على أن "المسألة ليست هينة، والمطلوب بإلحاح - منعاً لانفجار الموقف - أن نصل إلى وقف إطلاق النار، لأنه يهدئ الساحة اللبنانية، والوضع في البحر الأحمر والمضايق، ويهدئ المليشيات التي فتحت الولايات المتحدة المواجهة معها في العراق وسورية". وأضاف أن "من يعطل التوصل لاتفاق بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي هو بنيامين نتنياهو، فهو يقول بأدب لا للمبادرة الفرنسية، ويتحدث عن الخروج من خانيونس إلى رفح، وهذا معناه زيادة التوتر الإقليمي بخلق توتر جديد مع مصر"، مضيفاً أن "نتنياهو لا يزال مصراً على مواصلة القتال، لأنه يرى في ذلك إنقاذاً لنفسه وحكومته".
من جهته، قال الكاتب والمحلل في الشؤون الأوروبية والدولية حسام شاكر، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "يصعب الحديث عن إمكانية وجود نقطة التقاء بين المطالب الإسرائيلية ومطالب المقاومة الفلسطينية، ولا بد أن نلاحظ أن مطالب المقاومة واضحة بثوابتها، بينما الجانب الإسرائيلي لديه افتراق وتناقضات داخلية". ولفت إلى أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو "يرفع لاءات، فيما معسكر السياسة والحرب والأطياف الحكومية المتعددة تصدر مواقف متناقضة، منها مدى أولوية إخراج الأسرى من قطاع غزة، وعلى هذا الأساس يصعب الحديث عن قدرة حكومة نتنياهو على بلورة موقف متفق عليه في المشهد السياسي".
شاكر: مطالب المقاومة واضحة بثوابتها، بينما الجانب الإسرائيلي لديه تناقضات داخلية
وتابع: "من جانب المقاومة، هناك خطوط عريضة غير مقبولة، ولكن بالإضافة إلى ذلك، توجد مشكلة في صناعة قرار الصفقة - إن جاز التعبير - من الجانب الإسرائيلي، لأن أي قرار قد يتخذ قد يؤدي إلى تصدعات داخلية في الحكومة، خصوصاً إذا ما تعلق الأمر بتنازلات قد تراها أطياف في الحكومة الإسرائيلية، من قبيل الوزير بتسلئيل سموتريتش، في هذه الصفقة، وبالتالي قد تؤدي إلى تهديد مستقبل التركيبة الحكومية الحالية".
من جهته، قال نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية عمرو هاشم ربيع، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن تعثر المفاوضات يرجع إلى قلق لدى الطرفين، قائلاً إن "إسرائيل يقلقها الشعار التي رفعته في بداية الحرب وعدم تحققه حتى الآن، فهي كمن صعد إلى الشجرة ولا يستطيع النزول، ويقلقها أيضاً المجتمع الدولي وانحسار التأييد الذي كان موجوداً لديها وتراجع الآن، وأيضاً انهيار الحكومة ومعارضة الداخل الإسرائيلي، وكل ذلك مصادر قلق للاحتلال".
وأضاف ربيع: "أما الطرف الفلسطيني، فما يقلقه هو ضرورة وجود ثمن لكل هذه التضحيات، ويجب أن يكون ثمناً يتناسب مع حجم الخسائر، وأن يؤلم إسرائيل، كما تقلقه مسألة الشعبية بعد عملية التجويع والحصار البشع الذي فرضه الاحتلال الصهيوني، ولذا فإن المقاومة تحتاج إلى ثمن كبير لكي ينتهي الموضوع".