لوّحت إدارة الرئيس الاميركي جو بايدن، في وقت سابق، بفرض عقوبات على طرفي النزاع في السودان، الجيش و"قوات الدعم السريع"، في محاولة منها للضغط عليهما فيما يبدو، لوقف الاقتتال والجلوس إلى طاولة التفاوض.
ولم يتضح بعد ما إذا كانت العقوبات ستطاول قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان، وقائد "قوات الدعم السريع" محمد حمدان دقلو (حميدتي)، خصوصاً بعد تأكيدات المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، الذي قال في تصريحات صحافية، الخميس، إنّه لا توجد عقوبات شخصية يمكن أنّ تطاول القائدين في الوقت الحالي، مبيناً أنّ "الأمر التنفيذي للرئيس بايدن يتيح لوزارة الخزانة دراسة الوضع بشأن فرض عقوبات متعلقة بالنزاع في السودان، ولم نفرض عقوبات بعد على الجنرالين البرهان وحميدتي، لكن قرار الرئيس الأميركي يمنح الصلاحية والمرونة لفعل ذلك متى قررت الإدارة فرضها بالفعل"، على حد قوله.
وذكر المتحدث أنّ "القرار هو للتمهيد لفرضها في حال عدم وقف إطلاق النار بشكل دائم، وتشكيل سلطة مدنية"، وأكد أنّ "تجنب العقوبات يقتضي نزع السلاح ووقف القتال والجلوس للتفاوض، والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية، وكذا تشكيل حكومة مدنية".
وتعيد العقوبات الأميركية والتلويح بها إلى الأذهان قصة السودان مع العقوبات في عهد الرئيس المعزول عمر البشير، الذي واجه أول عقوبة في يومه الأول من الحكم، في يونيو/ حزيران من عام 1989، بوقف المساعدات المالية عن السودان بموجب الدستور الأميركي الذي يمنع مساعدة أي نظام جاء للحكم عبر انقلاب عسكري، وفي عام 1993، وضعت واشنطن السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، وفي سنة 1997، فرضت عليه عقوبات اقتصادية، وكذا عقوبات أخرى، بسبب ما تراه انتهاكاً في مجال الحريات الدينية وحقوق الإنسان بصورة عامة.
وقبل سقوط نظام البشير بعامين، بدأت الإدارة في رفع العقوبات الاقتصادية، وبعد سقوطه في عام 2019، شطبت اسمه من الدول الراعية للإرهاب، وأعلنت عن ترفيع تمثيلها الدبلوماسي إلى درجة السفير، وقدمت مساعدات مالية وعينية لمواجهة التحديات الاقتصادية، وأجاز المشرعون الأميركيون قانوناً لمعاقبة الشخصيات التي تقوّض الانتقال الديمقراطي في السودان، وذلك خلال فترة الحكومة المدنية برئاسة عبد الله حمدوك (2019-2021)، مع بروز مؤشرات قوية لنية الجيش الانقلاب على الحكومة المدنية.
وبعد انقلاب قائد الجيش المدعوم من قائد "قوات الدعم السريع"، عادت واشنطن للتلويح بالعقوبات مرة أخرى، لكنها تباطأت بوجود بوادر انفراج سياسي لحل الأزمة السياسية بين المدنيين والعسكريين، عبر تسوية سياسية ترعاها الولايات المتحدة عبر لجنة رباعية تضم بجانبها كلا من المملكة المتحدة والسعودية والإمارات، وهي العملية التي قطعت طريقها، في منتصف الشهر الماضي، المواجهات بين الجيش و"الدعم السريع".
ومنذ اندلاع الحرب، تدخلت الولايات المتحدة ومعها السعودية بمبادرة لوقف الحرب والعودة إلى التفاوض، تبدأ بهدنة وافق عليها الطرفان، وبدأ تطبيقها لإجلاء رعايا الدول لمدة 3 أيام، وجرى تجديدها أكثر من مرة، لكن من دون التزام بها، حيث تستمر العمليات العسكرية في العديد من المناطق بالتركيز على قيادة الجيش والقصر الرئاسي ومقر الإذاعة والتلفزيون، وعدد من مقار الجيش، وتطورت المبادرة في اليومين الماضيين بوجود ممثلي الجيش و"الدعم السريع" في مدينة جدة السعودية لبحث إمكانية الاتفاق على وقف إطلاق النار كمرحلة أولى.
ويبدو أنّ واشنطن تريد التلويح بعصا العقوبات لمزيد من الضغط لإنجاح المبادرة نفسها.
في هذا السياق، قال مستشار "قوات الدعم السريع"، أحمد عابدين، إنّ دخول الولايات المتحدة الأميركية في الشأن السوداني "لا يتعلق فقط بالتلويح بالعقوبات، فهي على علم ومقربة من المشهد كله (..) وبالتالي، فإنّ التلويح بفرض عقوبات عجل بذهاب الوفدين إلى جدة".
وأضاف عابدين أنّ الولايات المتحدة الأميركية "تملك تفاصيل كاملة عما يجري، وتدرك أنّ اتساع رقعة الحرب وطول أمدها سيكلفها رؤية "أقدام الدب الروسي"، وكذلك تدرك هي وحلفاؤها الخليجيون ومصر أنّ اتساع رقعة المعركة كفيل بجلب "داعش" والمتشددين الذين سيجدون ترحيباً وحاضنة ذات خبرة وتدريباً حتى داخل الجيش السوداني"، وفق قوله.
وأكد المتحدث أنّ "التلويح بالعقوبات سيستمر للضغط من أجل توقيع اتفاق يفضي إلى نهاية هذا الصراع واستئناف العملية السياسية".
وقال الناشط السياسي حاتم إلياس، لـ"العربي الجديد"، إنّ "هناك سرعة أميركية في اتخاذ القرار الأخير، إذ إن واشنطن لم تترك الصراع يتطور أكثر، على عكس قراراتها في مناطق أخرى، كما أنّ الأمر التنفيذي لبايدن جعل من الحرب في السودان قضية أمن قومي، ربما لما لمسه من تدخل روسي ولشركة (فاغنر)".
وأكد الناشط أنّ "كل ذلك دليل على جدية واشنطن في فرض العقوبات التي يمكن أنّ تصل في أي لحظة إلى كل من البرهان وحميدتي، من خلال استغلال أدواتها وتحريك المحكمة الجنائية الدولية لفتح ملفات الرجلين"، مبيناً أنّ "الولايات المتحدة تمتلك كثيراً من الملفات، من الحرب الأهلية في دارفور، وصولاً إلى جريمة فضّ اعتصام محيط قيادة الجيش في سنة 2019".
من جهته، يقول القيادي في قوى "إعلان الحرية والتغيير" عروة الصادق، في حديثه مع "العربي الجديد"، إنّ "ما يميز العقوبات الأميركية حال صدورها نهائياً أنها ذات طبيعية شخصية تطاول جنرالات الحرب ومؤسساتهم التجارية، وتعمل على حظرهم من السفر وتجميد حساباتهم البنكية، من دون أنّ تصل إلى قطاعات الاتصال والدفاع والإنتاج، ولو حدث ذلك، يمكن أنّ يعيد السودان إلى تجربة حقبة المخلوع عمر البشير".
وحثّ الصادق الطرفين على "التعاطي بمرونة مع العقوبات الأميركية والقبول بوقف إطلاق النار، الذي يسمح بإجلاء الجرحى وفتح ممرات إنسانية آمنة، ويسمح بتوصيل المساعدات الغذائية للمتضررين"، محذراً من "استخدام سلاح العقوبات بصورة عنيفة أو متشددة تدفع الجنرالات إلى التعنت والإصرار على مواقفهم الرافضة للحلول السلمية، وهو ما يزيد حدة التوتر ويوسع رقعة الحرب".
لكن أستاذ العلوم السياسية السوداني الرشيد محمد إبراهيم يرى أنّ "فرض أي عقوبات أو التلويح بها لن يكون مجدياً في إنهاء القتال، ولن تكون له أي فعالية في المشهد السياسي والعسكري ككل".
وأوضح إبراهيم، لـ"لعربي الجديد"، أنّ "العقوبات الأميركية لم تنجح من قبل أيام نظام البشير، ولم تنجح في دول أخرى مثل ليبيا وإيران وغيرهما، ولن يكون لها تأثير عسكري، لأن السلاح المستخدم في المواجهات الحالية، مثل الطائرات والمدرعات والأسلحة الشخصية، غير مصنّعة في الغرب، ولن تكون العقوبات مؤثرة، لأن السودان ليست لديه ارتباطات مباشرة مع الغرب، ولا حتى تأثير سياسي، لأن الصين وروسيا جاهزتان لتعزيز وجودهما الاستراتيجي، خصوصاً في البحر الأحمر، إذا اتخذ الجانب الأميركي موقفاً من السودان عبر العقوبات".
وأكد أستاذ العلوم السياسية أنّ "الرئيس الأميركي ليس جاداً في فرض عقوبات، لكنه فقط يخاطب الرأي العام الداخلي لخطب ودّ الأميركيين استباقاً للانتخابات المقبلة". كما استبعد إبراهيم أنّ يؤثر التهديد بفرض العقوبات على التفاوض الذي بدأ في السعودية، خصوصاً أنّ موضوع التفاوض محصور في هدنة إنسانية ملتزم بها.