هل يمحو السلام ما قبله؟

05 نوفمبر 2020
انتهت اجتماعات غدامس بلا إشارة للجانب الإنساني (فرانس برس)
+ الخط -

انتهت اجتماعات غدامس الليبية، كما انتهت اجتماعات جنيف قبلها، بين المجتمعين أنفسهم، من دون الإشارة في البيانات أو الاتفاقات إلى الجانب الإنساني المترتب على الحرب والاقتتال. وباستثناء التأكيد على تبادل الجثث والأسرى وتشكيل فرق لنزع الألغام، لم يتحدث طرفا الصراع الليبي عن مسؤولية اللواء المتقاعد خليفة حفتر عن كل ما حدث في البلاد سياسياً وعسكرياً، ولسان حال المجتمعين والبعثة الأممية ومن وراءها أن السلام يمحو ما قبله.

لم تشهد ليبيا انقساماً سياسياً إلا بعد بروز نجم حفتر العسكري، إذ "جيّر" مجلس النواب مواجهة سياسية لصالحه، ما دعا الطرف الآخر لإحياء البرلمان السابق وإفراز حكومة عنه. أما عسكرياً فالمنطلق بنغازي، وبعد أربع سنوات من الحرب، وعبر آلاف الأميال وصلت إلى طرابلس. وفي كل ذلك كان المجتمع الدولي يغضّ طرفه عن اللواء المتقاعد، وعن أطنان الأسلحة التي تصله جهاراً نهاراً، ولم تكن البعثة الأممية وقتها إلا جانباً للإحصاء فقط، إحصاء القتلى والجثث والمهجرين، الذين بلغ عددهم 130 ألف مهجر، و238 قتيلاً في صفوف المدنيين منهم 44 طفلاً.

وحتى اتفاق الليبيين في الصخيرات لم يرق لحفتر، وعرقله بقوة السلاح وببرلمانه في طبرق، من دون أن تهدده السفارة الأميركية كما هددت الذين يعرقلون اتفاق اليوم "بأنّهم ما زالوا عُرضة لخطر العقوبات". كذلك يبدو أن البعثة الأممية لم تعلم بألاعيبه ومناوراته التي اكتشفتها الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا بالإنابة ستيفاني وليامز اليوم فقط، لتقول بلسان واثق "جميع هذه المحاولات لن تفلح"، وكانت تتحدث من غدامس وهي المدينة التي كانت تعدها البعثة، العام الماضي، لاحتضان الملتقى الذي تحضّر اليوم لعقده في تونس، فما الذي تغير في حفتر وحلفائه؟

بابتهاج كبير قالت وليامز، عقب انتهاء اجتماعات غدامس، إنها رأت "عصارة عمل اللجنة العسكرية المشتركة على الأرض في ليبيا، فقد عادت كل المنشآت النفطية للعمل وارتفع الإنتاج لـ800 ألف برميل في اليوم". ألهذه النتيجة فقط اجتمع العسكريون؟ وهل نُشرت أعلام السلام في ليبيا من محطات إنتاج وتصدير النفط؟ وماذا عن مقابر ترهونة الجماعية والهجمات العشوائية على الأحياء المدنية التي شاركت فيها طائرات الإمارات ومرتزقة "فاغنر"، وعمليات التغييب القسري والاعتقالات التعسفية والقتل غير المشروع ومجازر شارع الزيت في بنغازي وقاعدة براك الشاطئ في سبها؟ هل حقاً "يجبّ السلام ما قبله" وتذهب كل هذه الحقوق أدراج الرياح؟