تتضارب الآراء القانونية حول إمكانية ترؤس عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، روحي فتوح، منصب الرئيس المؤقت للسلطة الفلسطينية ضمن ترتيبات "اليوم التالي" لما بعد الرئيس محمود عباس.
وعزز قرار الرئيس محمود عباس أبو مازن اختيار فتوح لتولي رئاسة المجلس الوطني الفلسطيني، والذي وافق عليه المجلس المركزي بعدما اجتمع في السادس من فبراير/شباط الجاري، سيناريو أن يكون فتوح هو الرئيس المؤقت المقبل للسلطة لحين إتمام الترتيبات النهائية لتولي منصب الرئاسة الفلسطينية.
وقرر الرئيس محمود عباس ترشيح روحي فتوح (73 عاماً) رئيساً للمجلس الوطني قبل أسابيع، ليستكمل إجراءات تعيينه خلال اجتماع المجلس المركزي في السادس من فبراير/شباط الجاري، والذي قاطعته أربعة فصائل من منظمة التحرير الفلسطينية إضافة لحركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" وشخصيات فتحاوية ومستقلة، واعتبرت القوائم الانتخابية والحراكات الشعبية أن المجلس المركزي غير شرعي.
وتولى فتوح الرئاسة الفلسطينية بعد استشهاد الرئيس ياسر عرفات في نوفمبر/تشرين الثاني 2004 لمدة 60 يوماً، بصفته رئيساً للمجلس التشريعي، فيما كان عباس أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حينها، إلى أن تمت الانتخابات الرئاسية واستلم محمود عباس (أبو مازن) الرئاسة الفلسطينية.
وارتبط اسم فتوح بفضيحة "تهريب ألفي هاتف خلوي" عام 2008، في سيارته الدبلوماسية من الأردن إلى الضفة الغربية، حيث تسبب ذلك بقيام اللجنة المركزية لحركة "فتح" بإعفائه من منصبه مستشاراً للرئيس أبو مازن لحين البت في القضية، والتي أسفر التحقيق فيها عن تبرئته وإدانة سائقه.
وتنص المادة (37 من القانون الأساسي الفلسطيني) على أنه "إذا شغر مركز رئيس السلطة الوطنية في أي من الحالات السابقة يتولى رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقتاً لمدة لا تزيد عن ستين يوماً، تجرى خلالها انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد وفقاً لقانون الانتخابات الفلسطيني".
لكن حل المجلس التشريعي الفلسطيني بناء على "قرار تفسيري" للمحكمة الدستورية العليا في ديسمبر/كانون الأول 2018، قطع الطريق على رئيس المجلس التشريعي الدكتور عزيز دويك من حركة "حماس" لتولي المنصب ولو بشكل مؤقت.
وتشكلت المحكمة الدستورية العليا في 2016، بموجب قرار رئاسي، وقام الرئيس عباس بتعيين قضاتها، واعتبرتها المؤسسات الحقوقية والقانونية الفلسطينية محكمة سياسية.
ويُنظر لفتوح، وهو من قطاع غزة، على أنه رجل لا يزاحم أعضاء اللجنة المركزية في "فتح" الطامحين إلى منصب الرئاسة، ولا ينافسهم على سباق التسلّح على الأرض الذي يقوم به بعضهم، استعداداً لليوم التالي لمرحلة ما بعد "أبو مازن".
وحول مدى قانونية تولي رئيس المجلس الوطني رئاسة السلطة الفلسطينية في حال شغور منصب الرئيس؛ يجيب دكتور القانون رشاد توام في حديث مع "العربي الجديد" قائلاً: "إن القانون الأساسي (دستور السلطة) لا يقدم جواباً أو حلاً صريحاً ومباشراً؛ فهو لم يتنبأ بحالة شغور رئاسة السلطة في ظل حل المجلس التشريعي أو تعطله (ربما لكونه لم يُجز الحل أصلاً ولم يتوقع التعطل). وذلك على خلاف دساتير العديد من الدول التي تحتاط بوضع بديل ثانٍ، كإسنادها مؤقتاً لرئيس الوزراء أو رئيس المحكمة الدستورية. كذلك فإن القانون الأساسي لم ينص على أحكام خاصة بانتخاب/ تعيين نائب لرئيس السلطة".
ويرى توام أن "هناك العديد من السيناريوهات القانونية لذلك، ومنها على سبيل المثال إحلال المجلس المركزي مكان المجلس التشريعي".
ويوضح توام أنه قد تساعد المحكمة الدستورية العليا، من خلال تقديم قرار تفسيري، بإناطة اختصاصات المجلس التشريعي للمجلس المركزي حتى إجراء انتخابات برلمانية جديدة. وفي هذه الحالة يكون رئيس المجلس المركزي (ذاته رئيس المجلس الوطني)، روحي فتوح حسب مخرجات الاجتماع المنعقد حالياً، الرئيس المؤقت للسلطة، إلى حين انتخاب رئيس جديد للسلطة.
ويتابع توام أن "قراءة بعض قرارات المحكمة الدستورية تدعم احتمالية ذهابها بهكذا اتجاه، كتقريرها بأن إعلان الاستقلال (الصادر عن المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية) أعلى من القانون الأساسي (الصادر عن المجلس التشريعي للسلطة)، وتقريرها أيضاً بدستورية التشريعات الجزائية الثورية لمنظمة التحرير الفلسطينية لعام 1979 ومشروعية تطبيقها، رغم ما عليها من انتقادات. كما أن المجلس المركزي -بناء على سوابق- مرشح بقوة ليلعب أدوارًا تتجاوز طبيعته واختصاصاته؛ فهو على سبيل المثال من عين الرئيسين عرفات (1989) وعباس (2008)؛ وهو أيضاً من أصدر قرار إنشاء السلطة الفلسطينية وعيّن رئيسها قبل انتخابه شعبياً (1993)، ومدد ولايتي الرئيس والمجلس التشريعي، مع المشارفة على نهايتهما قانونياً (1999 و2009)".
لكن خبيراً قانونياً آخر، وهو الدكتور عصام عابدين، يرى، في حديث لـ"العربي الجديد"، "أن الممارسة العملية لهذه السوابق لا يعني أنها قانونية، وذلك وفق تشريعات منظمة التحرير نفسها، إذ لا يمكن اعتبار أي سابقة انتهكت القانون بأنها قانونية والبناء على هذه الانتهاكات".
ويقول عابدين: "ما يحكم وجود رئيس مؤقت بعد غياب الرئيس هو القانون الأساسي، وعملية الخلط بين منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية والقانون الأساسي، يراد منها الهروب من المساءلة".
ويؤكد عابدين أن "المطلوب من الرئيس أبو مازن حالياً أن يعيد ترميم النظام السياسي الفلسطيني، ولا يوجد ما يمنع من الدعوة للانتخابات التشريعية والرئاسية الآن".
ويرى عابدين أنه "لا يوجد ما يمنع أن تكون هناك فترة شاغرة دون رئيس مؤقت، كما حصل مثلا مع الرئيسين اللبنانيين ميشال سليمان 2014 وإيميل لحود 2007 عندما انتهت مدة ولاية كل واحد منهما، وغادرا القصر الرئاسي قبل تنصيب رئيس جديد، ليبقى منصب الرئيس شاغراً مرتين في لبنان".
ويتابع عابدين: "لا توجد أي احتمالية قانونية أن يتولى روحي فتوح رئاسة السلطة الفلسطينية بشكل مؤقت، لأن هذا يعتبر انتهاكا صارخا للدستور وعدوانا على القانون الأساسي، ولا توجد أي آلية لتولي الرئاسة، إلا من خلال الانتخابات الرئاسية، حسب المادة 36 من القانون الأساسي".
لكن في حال وفاة الرئيس والحاجة لبضعة شهور لترتيب الانتخابات، يقول عابدين: "بعد كل هذا العدوان الشامل على الدستور من قبل السلطة التنفيذية يأتي هذا السؤال ماذا يجب أن نفعل؟"، والإجابة واحدة: "لا يوجد مخرج إلا بانتخابات".