في إجابته عن سؤال، الإثنين، عمّا إذا كان المنسق الأوروبي إنريكي مورا يحمل معه أي عرض أميركي جديد إلى طهران التي يزورها هذا الأسبوع، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس إن الإدارة "تنسق عن قرب مع الأوروبيين، ومورا ينقل الرسائل ذهاباً وإياباً"، مضيفاً: "ندعم جهوده للوصول بهذه المفاوضات إلى خاتمة ناجحة... وأملنا في أن نحقق ذلك بسرعة".
في العادة، كانت الخارجية تقول إن "الكرة في ملعب إيران"، والإدارة تنتظر جوابها. وكانت ترفق كلامها بتحذير من تضاؤل فسحة الوقت الذي "لم يبقَ منه سوى أسابيع، لا يعود بعدها للاتفاق أي فائدة". هذه اللغة اختفت بعد عقدة الحرس الثوري، التي استعصى فكّها حتى الآن، والتي أدّت إلى انسداد المفاوضات.
في هذه الأثناء، كانت الإدارة تواجه تزايد الضغوط من كلّ صوب، منها ضغط تحديد السقف الزمني لمفاوضات بدت وكأنها مفتوحة على الزمن، خلافاً لوعودها بعدم السماح لها بـ"الجرجرة". ومن جهة ثانية، كان عليها مواجهة ضغوط الكونغرس المتزايدة هي الأخرى، عشية انتخابات نصفية صعبة للحزب الديمقراطي.
في مطلع الشهر الجاري، صوّت مجلس الشيوخ بأكثرية 62 على اقتراح غير ملزم، يعارض رفع الحرس الثوري الإيراني من لائحة العقوبات، والمربك فيه أن 16 عضواً من بين هؤلاء هم ديمقراطيون، ومن بينهم رئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس السناتور بوب مينينديز. في المقابل، هناك فريق من الحزب الديمقراطي في الكونغرس، يدفع باتجاه رفع الاسم من اللائحة "لأن الاتفاق النووي أهم"، لاسيما أن الحرس الثوري باقٍ في كل حال تحت العقوبات، كما يقول السناتور كريس مورفي. ومن ناحية ثالثة، كان على البيت الأبيض مواجهة ضغط الوقت، إذ لو بقيت إيران مستمرة في تخصيب اليورانيوم بالدرجة الحالية (60 بالمائة)، فإنها تصبح على قاب قوسين أو أدنى من تصنيع القنبلة بحلول الخريف المقبل، بحسب تقديرات الخبراء.
في ضوء ذلك، صار على الإدارة التحرك في هذا أو ذاك الاتجاه. تمسكها بالخيار الدبلوماسي "الأفضل والذي يخدم مصلحتنا"، بات المطلوب ترجمته أو التخلي عنه. تمسّك الإدارة منذ البداية بهذا الخيار، بل إصرارها عليه، مع تضاؤل فسحة المناورة أمامها، أعطى المبادرة لإيران للتشدد واستدرار ما أمكن من التنازلات. ثم جاءت حرب أوكرانيا لتصبح معها الإدارة مستعجلة أكثر لطي الملف النووي بحسبانها أن العودة إلى اتفاق 2015 من شانها أن تشكل "بوابة العبور إلى شرق أوسط متوازن"، يسمح لها بالتفرغ لروسيا الآن، والصين لاحقاً.
وسط هذه الأجواء والحسابات، يأتي العرض الجديد الذي لمّحت إليه الخارجية بشيء من التفاؤل المبطّن، والمفترض أن يكون في إطار حلحلة عقدة الحرس الثوري، واستطراداً تعويم الاتفاق. وهذا احتمال بدا أن المنطقة تنتظره أو ترجّحه منذ فترة. انعكس ذلك في التحركات، والزيارات، ومحاولات بناء الجسور بين بعض خصوم الأمس الإقليميين، وبما يبدو أقرب إلى عملية تموضع جديد، وسعي إلى اتخاذ الترتيبات اللازمة لملاقاة المستجدات المتوقعة.
وكانت أبرز تعبيراته في زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى المملكة العربية السعودية وقبلها إلى الإمارات، واللقاء الخماسي في النجف، ثم استئناف الحوار السعودي - الإيراني في بغداد، وما أحرزه من "تقدّم" في الجولة الأخيرة. حراك وضعه الخبير في شؤون المنطقة من مركز وودرو ويلسون للدراسات في واشنطن ديفيد اوتاواي، في خانة "ربيع الانفراج" في الشرق الأوسط، لو انتهت مفاوضات فيينا إلى اتفاق لا يقتصر فقط على الموضوع النووي كما وعدت الإدارة، وإن كان هناك من يشكك في جدّيتها بخصوص كبح الدور الإيراني في المنطقة. الأولوية لديها للنووي، والباقي توابع.