هل يجري قيس سعيد تعديلاً حكومياً لامتصاص غضب الشارع؟

03 سبتمبر 2022
تزايدت دعوات أنصار الرئيس قيس سعيد لإجراء تعديل وزاري (Getty)
+ الخط -

تزايدت دعوات أنصار الرئيس قيس سعيد لإجراء تعديل وزاري لامتصاص الغضب الشعبي بسبب تصاعد تكاليف المعيشة، وإخفاق الحكومة في تجاوز الهزات الاجتماعية والاقتصادية، فيما يبحث سعيد عن تهدئة المناخ الشعبي استعداداً للانتخابات المقبلة.

ودعا حراك 25 يوليو المناصر لسعيد، منذ أيام، إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني تضم عسكريين، مطالباً بمحاسبة كل من تورط في الأضرار الاقتصادية التي تشكو منها البلاد.

إلى ذلك، قال وزير الداخلية توفيق شرف الدين، خلال لقاء إعلامي، الخميس، إنه لا يسعى إلى منصب رئيس الحكومة، مؤكداً قوله "أنا لست أهلاً لتقلد منصب رئيس الحكومة، ولا أرغب فيه إطلاقاً، وأرى أن رئيسة الحكومة امرأة ناجحة، وأتمنى لها كل النجاح".

وبدا الرئيس التونسي غير راضٍ عن أداء وزرائه فيما يخص إدارة ملفات مكافحة الاحتكار والمضاربة والتضخم، وتكررت دعواته أخيراً للوزراء لبذل جهود أكبر، بعد تصاعد غضب المواطنين من نقص المواد الأساسية واستشراء الغلاء والفساد. 

وفي 24 أغسطس/ آب الماضي، استقبل سعيد وزيرة التجارة فضيلة الرابحي، وبعد أقل من أسبوع، في 30 أغسطس، التقاها مجدداً، ليصب غضبه على مَن يهددون قوت التونسيين، داعياً إلى ضرورة تكامل كل أجهزة الدولة في مواجهة ذلك.

ولم يخف سعيد استياءه العميق في حضور وزير التعليم فتحي السلاوتي، بسبب تسرّب أخطاء في الكتب المدرسية، داعياً إلى ضرورة تحميل المسؤولية لمَن تسبب فيها.

ويلاحظ مراقبون وجود جفاء في علاقة سعيد بوزيرة العدل ليلى جفال، التي لم يستقبلها منذ أسابيع في قصره، بسبب ما يفسره البعض بتوريطها للرئيس وإخفاقها في إدارة الصراع مع القضاة المعزولين، بسبب عدم إعدادها للملفات، وإقحام أسماء في قائمة الإعفاءات. 

ويرى مراقبون أن هناك مؤشرات عديدة لإجراء تعديل حكومي مرتقب، خصوصاً أن الجهاز الحكومي في نظام سعيد يمثل شماعة لتعليق الإخفاقات الاقتصادية والاجتماعية.

وعرفت تونس منذ بداية ولاية سعيد في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 صراعات بين المحيطين به، تزايدت بتواتر الاستقالات والإقالات في القصر الرئاسي، لتكشف التسريبات والتجاذبات بين مديرة الديوان الرئاسي السابقة نادية عكاشة، وأعضاء في الحكومة وأفراد من عائلة الرئيس عن حجم هذا الصراع.

صراع أجنحة

وأظهرت تسجيلات وتسريبات صوتية منسوبة لعكاشة في يناير/كانون الثاني الماضي، عن وجود 3 أجنحة متنازعة، منها جناح تنتمي إليه عكاشة، وجناح عائلة الرئيس ومساندون له من داخل الحكومة على غرار شرف الدين ووزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي، وجناح آخر ثالث من أنصاره القدامى، يضم قيادات حملته الانتخابية، وعلى رأسهم مديرة الحملة السابقة سنية الشربطي، زوجة محافظ العاصمة تونس، بحسب المكالمات المنسوبة إليها. 

ويُطرح في كواليس الساحة السياسية وبين أنصار الرئيس، كل من الزاهي وشرف الدين بقوة لخلافة بودن، نظراً لقربهما من الرئيس من جهة ولرضا العائلة عن دورهما في المشهد السياسي.

واعتبر المحلل السياسي، ماجد البرهومي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "تغيير الحكومة وتعيين حكومة جديدة أمر ممكن في هذه الظروف، وهذه التغييرات لا ارتباط لها بالكفاءة أو بالنجاح في المهمة بل إنها قد تحصل فجأة وقد تحصل نتيجة موازين قوى أو صراعات داخل أجنحة الحكم أو تحت إملاءات خارجية، حيث يُتوقع كل شيء من الرئيس سعيد في غياب قاعدة أو معايير مضبوطة وأعراف واضحة للدولة على أساسها يجري تغيير الحكومات". 

وقال البرهومي: ''موقفي الشخصي من أداء رئيس الحكومة نجلاء بودن مقبول عموماً وليس سيئاً، في حدود المهام والصلاحيات الموكلة لها، والمحددة في ظل النظام الرئاسي الذي نعيش فيه، فمطلوب منها أن تكون وزيرة أولى تكنوقراط تمثل الدولة في الخارج متى طُلب منها، والسهر على تنفيذ السياسات العامة التي يرسمها الرئيس".

وأضاف البرهومي "في مقابل ذلك، فإن أداء الوزراء الاقتصاديين دون المستوى، قد يعود إلى نقص في الكفاءة وعدم تطبيق التعليمات"، مشيراً إلى أن "هناك صناعة وطنية بصدد الاستهداف والتدمير من الخارج، بل إن هناك دولاً مجاورة قريبة وصديقة تتمنى أن تتحول تونس إلى سوق لبضاعته وصناعته، وتبحث عن تفكك السوق التونسية".

وشدد البرهومي على أن "هناك فشلاً ذريعاً على مستوى السياسات الاقتصادية العامة، وسعيد يتحمل المسؤولية كاملة بعد سنة من الحكم الفردي في نظام رئاسي بكامل الصلاحيات، ولم ير التونسيون إجراءات عملية وإصلاحات جوهرية، فمثلاً لم يحدث أي تغيير لمقاومة الاقتصاد الريعي الذي تتحكم فيه أطراف معينة ومافيات تحتكر العديد من المواد، ففي السابق كان حزب النهضة ونداء تونس يتحملان هذه المسؤولية، واليوم رئيس الجمهورية هو المسؤول". 

وبيّن البرهومي أنه "من المتوقع أن يلقي سعيد المسؤولية على الوزراء ويتبرأ من المسؤولية ويحملها للحكومة التي تنفذ تعليماته وسياساته العامة، وقد حذّرنا من ذلك في نص الدستور وفي النظام السياسي الجديد، الذي لا يحمّل الرئيس المسؤولية الحقيقية أمام المرؤوس". 

وعن صراع أجنحة الحكم، بيّن البرهومي، أن "هناك تدافعاً بين المجموعات المحيطة بالحكم، فهناك من يعملون ضد نجلاء بودن ويضعون كل العراقيل أمامها حتى تستقيل، ويطالبون بتغييرها لأنها لم تستجب لطلباتهم مثلاً، أو أنهم في مجموعة تدعم طرفاً آخر".

وشدد المحلل على أن "من ينتقد عشرية الخراب وفترة الاستبداد وزمن التدخلات عليه أن يقدم نموذجاً أفضل للتونسيين، ويقطع مع ممارسات الفترة السابقة، ولكن للأسف ما زلنا نرى الممارسات نفسها تتكرر في تعيين الموالين في مناصب المحافظين لمجرد قيادة حملة انتخابية وهو ما حدث خلال العشرية الماضية التي كان هو نفسه ينتقدها بقوة".

المساهمون