هل يتكرر السيناريو الأفغاني في منطقة الساحل الأفريقي؟

28 اغسطس 2021
رهان على الطوارق والأزواد لضرب "القاعدة في مالي (فرانس برس)
+ الخط -

حفّزت سيطرة حركة "طالبان" على أفغانستان، إثر دخولها إلى العاصمة كابول في 15 أغسطس/ آب الماضي، حركات متطرفة عدة في العالم، وسط مخاوف من محاولات بعض التنظيمات، خصوصاً في منطقة الساحل الأفريفي على الأقل، على استنساخ هذه التجربة، مستفيدة من هشاشة الوضع في البلدان التي توجد فيها.

وإذا كانت مثل هذه الحركات ضعيفة في بعض الأقاليم، مثل الشرق الأوسط حالياً، إلا أن نشاطها في جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى، خصوصاً في الساحل الأفريقي، يمنحها قوة دافعة للتصعيد ضد الجيوش المحلية، المُنهكة أصلاً لأسباب متعددة. في مالي تحديداً، لم يتأخر زعيم تنظيم "نصرة الإسلام والمسلمين"، التابع لتنظيم "القاعدة" إياد أغ غالي، في تهنئة "طالبان" في كلمة مصوّرة، ثم صوّب على الوجود العسكري الفرنسي في بلاده، معتبراً أن "فرنسا قررت الانسحاب من مالي، وإنهاء عمليتها (برخان) بعد الفشل في تحقيق أهدافها، لتكتفي بعد سنوات من العناء برتبة التعاون تحت مسمى التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب". ويُظهر غالي، مؤسس حركة "أنصار الدين"، الملقّبة بـ"طالبان الأزواد"، جرأة بفعل التراجع الفرنسي، ساعياً إلى استنساخ سيناريو "طالبان". وما يشجعه لتكرار ذات التجربة ضعف النظام في مالي، التي شهدت 3 انقلابات منذ 2012، وقرار فرنسا الأخير إنهاء عملية "برخان" العسكرية التي أطلقتها في عام 2014، والانسحاب الكامل من مدن: تيساليت، وكيدال، وتومبوكتو، شمالي البلاد مطلع 2022، وفقاً لإعلان الرئيس إيمانويل ماكرون في 10 يونيو/ حزيران الماضي.


هنأ غالي "طالبان" متعهّداً باستنساخ تجربتهم في مالي

وسيلقي الانسحاب الفرنسي من شمال مالي بالثقل الأمني بالدرجة الأولى على القوات الأممية المقدّر عددها بنحو 15 ألف عنصر، وعلى الجيش المالي الموجود بأقل كثافة في هذه المناطق، وأيضاً على الجزائر التي تحاذي هذه المنطقة من الشمال، وسبق أن تعرضت لهجوم كبير في 2013، انطلاقاً منها. مع العلم أن الجزائر استبقت الانسحاب الفرنسي، بعد إدراجها بنداً في الدستور الصادر في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، يسمح للجيش بالتحرك خارج البلاد. وتنصّ المادة 91 من الدستور على: "يقرر (رئيس الجمهورية) إرسال وحدات من الجيش الوطني الشعبي إلى خارج الوطن، بعد مصادقة البرلمان بأغلبية ثلثي أعضاء كل غرفة". والغرفة الأولى هي المجلس الشعبي الوطني (مجلس النواب)، والغرفة الثانية هي مجلس الأمة (مجلس الشيوخ) الذي يعيّن الرئيس ثلثي أعضائه. وهو ما يطرح تحدّيات جديدة للجزائر، التي يرتبط جنوبها بشمال مالي، حيث تنشط الجماعات المسلّحة، بحدود بطول 1359 كيلومتراً.

وتعاني مالي حالياً من أزمات مماثلة لما حصل في أفغانستان قبل سيطرة "طالبان". الوضع الأمني هشّ، والهجمات المسلّحة تتصاعد، والسلطة منبثقة من ثلاثة انقلابات في العقد الأخير وغير مستقرة، والدعم الدولي يتراجع، فضلاً عن الانعكاسات السلبية للاحتباس الحراري، وما يخلّفه من جفاف وفيضانات مفاجئة وحروب قبلية بين الرعاة والمزارعين. ويهدّد كل ذلك بانهيار الدولة. ولا تستبعد بعض التقديرات أن يتمكن تنظيم "القاعدة" من إعلان "إمارة إسلامية" في شمال مالي، حتى قبل اكتمال الانسحاب الفرنسي من المنطقة مطلع عام 2022. في المقابل، تبرز "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، التي تبنّت في 27 يوليو/ تموز الماضي، ثماني عمليات مسلحة ضد القوات الأممية والجيش المالي والقوات الفرنسية في ذات الشهر. وتضم "الجماعة" أربعة تنظيمات مسلحة، تتمثل في: "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، و"كتيبة المرابطين" المنشقة عنها، و"جماعة تحرير ماسينا"، و"جماعة أنصار الدين". ولا يقتصر الأمر على هذا التحالف، فتنظيم "داعش ـ فرع الصحراء الكبرى"، في منطقة غاو، القريبة من الحدود مع النيجر، يشنّ أعتى الهجمات في المنطقة.

وإذا كانت مالي أساسية في ملف الساحل الأفريقي، فإن دولتين أخريين، على حدودها، تعانيان من نفوذ الجماعات المسلحة، وهما النيجر وبوركينا فاسو، وتلتقي الدول الثلاث في مثلث حدودي مشترك، يشهد تصعيداً كبيراً. ففي الشهر الحالي، تحولت منطقة الحدود إلى بركان مشتعل، سقط فيه ما لا يقل عن 250 قتيلاً، بينهم أطفال ونساء. في 18 أغسطس، خلّف هجوم شنّه نحو 400 مسلح مجهولين على قافلة شمالي بوركينا فاسو، أكثر من 120 قتيلاً، بينهم 65 مدنياً وعسكرياً، و58 من المهاجمين، بحسب مصادر محلية وإعلامية. أما في مالي فقُتل 51 مدنياً على الأقل في هجوم مسلح على ثلاث قرى بمنطقة غاو قرب الحدود من النيجر، في 8 أغسطس. وفي النيجر، قُتل 37 مدنياً، بينهم 14 طفلاً، في هجوم على منطقة تيلابيري بالحدود الثلاثة، في 16 أغسطس. وفي 21 من أغسطس جدد المسلحون هجومهم على نفس المنطقة، وقتلوا 17 مدنياً على الأقل.

وتعمل جيوش مالي والنيجر وبوركينا فاسو معاً في هذا الملف، مدعومين من 1200 جندي من تشاد، فضلاً عن موريتانيا المنخرطة معهم في تحالف دول الساحل الخمس (موريتانيا وبوركينا فاسو ومالي وتشاد والنيجر). ويساند هذه الجيوش 5100 جندي فرنسي، و15 ألف جندي أممي، والمئات من القوات الخاصة الأوروبية ضمن عملية "تاكوبا"، ومئات آخرين من القوات الأميركية المنتشرين في دول الساحل. لكن جميع هذه الحشود العسكرية لم تتمكن جميعها من وقف حمام الدماء في المثلث الحدودي.


يمكن لمجموعات الطوارق والأزواد مواجهة التنظيمات المتشددة

 

ومن شأن هذه التطورات أن تطرح احتمالاً آخر لمواجهة التنظيمات المسلّحة. ويتعلق الأمر بالطوارق، فباستثناء جناح آغ غالي، فإن الحركات المسلحة للطوارق (أمازيغ) والأزواد (عرب) في شمال مالي بإمكانها إجهاض مشروع تنظيم القاعدة لإعلان "إمارة إسلامية". وسيناريو سقوط مالي والنيجر وتشاد بيد التنظيمات، سيؤدي عملياً إلى أمرين. الأول، تهديد الحدود الجنوبية لليبيا والجزائر، وصولاً إلى مشارف البحر المتوسط. والأمر الثاني، تهديد دول جنوب الصحراء الأفريقية، مع ما قد ينجم عنها من تهجير وإبادات وجرائم.

هنا يبرز دور الجزائر مجدداً، لجهة منع قيام تحالف جديد بين حركات الطوارق والأزواد من جهة وبين تنظيم "القاعدة" من جهة أخرى، كما حدث في 2012، بالنظر إلى معرفتها الجيدة بقبائل المنطقة. وهذا ما تدركه الأمم المتحدة جيداً لمنع سقوط شمالي مالي في يد "القاعدة" أو "داعش" بعد انسحاب الجيش الفرنسي من المنطقة.

وشدّد رئيس "بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي" (مينسما) الدبلوماسي الموريتاني القاسم وان، على أن تطبيق اتفاق السلم والمصالحة المنبثق عن مسار الجزائر عام 2015، "بات أمراً حتمياً من أجل ضمان استقرار دائم في مالي". لكن ما لم يقله وان، هو أن تلكؤ باماكو في تنفيذ بعض بنود اتفاق الجزائر، قد يدفع الطوارق إلى التمرد مجدداً، وربما التحالف مع الجماعات المسلحة بغرض الانفصال عن مالي. غير أن هذا السيناريو مستبعد، بالنظر إلى أن الجماعات المسلحة سبق أن تملصت من تفاهماتها مع حركات التمرد التابعة للطوارق والأزواد بعد طرد الجيش المالي من مدن الشمال في 2012، واستولت لوحدها على كامل المنطقة.

(العربي الجديد، الأناضول)

المساهمون