هل دفع شبح "يناير 1992" الجيش الجزائري لرفض حل البرلمان؟

20 فبراير 2021
صالح قوجيل أبرز المرشحين لتولي منصب رئيس مجلس الأمة (فرانس برس)
+ الخط -

بدأ مجلس الأمة، الغرفة العليا للبرلمان في الجزائر، عقد اجتماعات تمهيدية استعداداً لتنظيم جلسة لانتخاب رئيس للمجلس، بعد 20 شهراً من شغور هذا المنصب، الذي يعد الثاني في سلم هرم الدولة. 

وتأتي خطوة انتخاب رئيس للبرلمان في سياق الإسراع إلى سد أي حالة فراغ دستوري قد توجد فيها البلاد، في حالة طوارئ محتملة تؤدي إلى شغور منصب رئيس الجمهورية.

وقرر مكتب مجلس الأمة عقد اجتماع طارئ يوم غد الأحد لتحديد موعد عاجل لجلسة انتخاب رئيس مجلس الأمة، والذي يشغله بالنيابة صالح قوجيل منذ شهر إبريل/نيسان 2019، تاريخ تقديم الرئيس السابق للمجلس عبد القادر بن صالح لرئاسة الدولة استقالته من منصبه في الثاني  من إبريل/نيسان 2019، عقب استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة على خلفية مظاهرات الحراك الشعبي الرافض لاستمراره في الحكم.  

ويُتوقع أن يتم تحديد الخميس المقبل موعدا لانتخاب رئيس لمجلس الأمة. ويبقى الرئيس الحالي بالنيابة صالح قوجيل، وهو من قدماء ثورة التحرير ووزير النقل السابق في بداية الثمانينيات، أبرز المرشحين للظفر  برئاسة المجلس الذي يسيطر عليه في الوقت الحالي حزبا جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وثلث معين من قبل رئيس الجمهورية. 

وأكدت مصادر مطلعة، لـ"العربي الجديد"، أن دواعي الإسراع في انتخاب رئيس لمجلس الأمة ترتبط بموقف قادة الجيش الذين تحفظوا على قرار حل البرلمان، ونصحوا بأن تتم الدعوة إلى انتخابات مسبقة، من دون حل البرلمان، وهو التحفظ الذي جرى على أساسه تسريب معلومات لصحف ومواقع (قبل خطاب الرئيس)، تفيد بأن الرئيس تبون قد يتراجع عن حل البرلمان حتى إجراء الانتخابات النيابية المسبقة وانتخاب برلمان جديد، بعدما كان أبلغ قادة أحزاب، التقوه السبت والأحد الماضيين، عزمه على ذلك.

وذكرت نفس المصادر أن تباين المواقف بين قرار الرئيس حل البرلمان وقادة الجيش، أخّر خطاب الرئيس من مساء الأربعاء إلى مساء الخميس، لكن الرئيس تبون أصر في النهاية على موقفه. 

ويبني قادة الجيش موقفهم على مشكلة دستورية عويصة، ووضع محتمل (ولو ضعيف) قد يكون خارجاً عن نطاق الإرادة البشرية، وعلى تخوف من احتمال أن يعرض قرار حل البرلمان البلاد إلى حالة "فراغ دستوري" وشغور في منصب رئيس الجمهورية، في حال حصل طارئ غير متوقع للرئيس تبون في الفترة التي تسبق إجراء الانتخابات وتنصيب البرلمان الجديد، تكون شبيهة بالحالة التي وجدت عليها البلاد في 12 يناير/كانون الثاني 1992، عند استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد. 

وكان بن جديد استقال في 1992 عشية توقيف المسار الانتخابي، بسبب ما وصفه الجيش باستحالة مواصلة الانتخابات النيابية، إذ كان الشاذلي قد حل البرلمان قبل ذلك بثمانية أيام في الرابع من يناير/كانون الثاني، بينما كان مقرراً دستورياً أن يتم نقل السلطة في حال استقالته إلى رئيس البرلمان، ما دفع الجيش إلى تشكيل مجلس أعلى للدولة.

الجدير بالذكر أن رئيس مجلس الأمة هو الذي تنتقل إليه السلطة دستورياً في حالة الشغور الرئاسي، والذي لن يؤدي انتخابه الخميس المقبل إلى حل كامل المشكلة الدستورية.

ويعتبر الدستور مجلس الشعب الوطني ضمن المؤسسات الضرورية التي تقر دستورياً شغور منصب رئيس الجمهورية في أي حالة من الحالات (وفاة أو استقالة أو مرض )، كما تسهم في ترتيبات نقل السلطة المؤقتة إلى رئيس مجلس الأمة. 

 وتنص المادة 94 من الدستور على أنه "إذا استحال على رئيـس الجمهوريّة أن يمارس مهامه بسبب مرض خطيـر ومزمن، فإن المحكمة الدستورية تجتمع بقوة القانون وبدون أجل، وبعد أن تتثبّت من حقيقة هذا المانع. 

 وطبقاً للمادة، فإن"المحكمة الدستورية تقترح بأغلبية ثلاثة أرباع (4/3) أعضائها على البرلمان التّصريح بثبوت المانع. ويُعلِن البرلمان، المنعقد بغرفتيه (مجلس الأمة والمجلس الشعبي الوطني) والمجتمعتين معاً، ثبوت المانع لرئيس الجمهوريّة بأغلبيّة ثلثي (3/2) أعضائه، ويكلف بتولي رئاسة الدولة بالنيابة مدة أقصاها خمسة وأربعون (45) يوماً رئيس مجلس الأمة ". 

وإضافة إلى تخوف قادة الجيش من أي وضع طارئ لشغور منصب رئيس الجمهورية في الفترة الطويلة التي تسبق انتخاب برلمان جديد، فإن هناك تخوف من احتمال آخر قد يضع البلاد في وضع فراغ دستوري، بسبب غياب المحكمة الدستورية التي لم تنشأ بعد، والتي ينص الدستور أيضاً على أن رئيسها هو من يتولى مهام رئيس الدولة في حال حصول مانع لرئيس مجلس الأمة من شغل المنصب.

وتؤشر هذه المعطيات إلى تحوط قادة الجيش من أية ظروف طارئة تضع البلاد في وضع طارئ، ورفض تحمل المؤسسة العسكرية لأي عبء سياسي محتمل، وحرصاً على توفير الأدوات الدستورية الكاملة لنقل وإدارة السلطة تحت أي ظرف كان. 

المساهمون