برز في المعركة العسكرية التي جرت بين أذربيجان وأرمينيا في ناغورنو كاراباخ، والتي توقفت قبل أيام باتفاق، برعاية تركية وروسية، ويقضي ببقاء القوات الآذرية في جميع المناطق التي سيطرت عليها في الإقليم، دور الطائرات المسيرة في العمليات القتالية الحديثة.
ودفع هذا الأمر بالكثير من المحللين لاعتبار أن التفوق الذي حققته أذربيجان في المعركة يعود إلى امتلاكها نماذج من المسيرات التركية المتطورة للمراقبة، وأخرى مسلحة لتنفيذ عمليات قصف، ما أدى إلى خروج سلاح الدبابات من المعركة بشكل فعلي، وقلل من أهمية مشاركتها، لكونها شكلت أهدافاً مكشوفة وواضحة، يسهل على المسيرات استهدافها.
اعتمدت أذربيجان على الطائرات المسيرة التركية لحسم الحرب لمصلحتها في كارباخ
ونشرت القوات الأذربيجانية فيديوهات تكشف نجاح تلك الطائرات في عملية استهداف الدبابات والمدرعات. ووصف محللون عسكريون ما حصل في الإقليم بأنه أول معركة كسبها طرف عبر الطائرات المسيرة، وهو ما يؤدي لانتقال المعارك العسكرية إلى مرحلة جديدة، تكون فيها المسيرات عنصراً استراتيجياً بحروب المستقبل، خصوصاً أنه لا توجد حتى الآن وسائل دفاعية كافية لصدها.
وكان للطائرات المسيرة التركية دور في معركة ناغورنو كاراباخ الأخيرة، حيث اعتمدت عليها أذربيجان لحسم الحرب لمصلحتها. ونجحت أنقرة، في السنوات الأخيرة، في قطاع إنتاج الطائرات المسيرة قليلة التكلفة، ما سهل عمليات القوات التركية في سورية، ضد تنظيم "داعش" و"وحدات الحماية" الكردية، وضد قوات النظام قبل أشهر. كما أن هذا الأمر مكنها من استهداف قوات وقيادات حزب "العمال الكردستاني" داخل تركيا وفي جبال قنديل شمال العراق. وساهمت المسيرات التي قدمتها تركيا إلى حكومة الوفاق الوطني الليبية في طرابلس في تحرير مدن استراتيجية مهمة في الغرب الليبي، وفك الحصار عن العاصمة، ووصول المعركة إلى حدود مدينة سرت.
وتمتاز الطائرات التركية بانخفاض تكاليف إنتاجها وتقنياتها العالية، وغياب العنصر البشري في أي خسائر قد تتعرض لها حال سقوطها أو تدميرها، على عكس سقوط المقاتلات التقليدية، وما قد ينتج عنها من مقتل وأسر طياريها.
وعندما عمدت كندا، التي تزود تركيا بأنواع من الكاميرات المثبتة على هذه الطائرات، إلى تعليق صادرات الأسلحة إلى أنقرة مع انطلاق معركة ناغورنو كاراباخ، جراء تزويد تركيا أذربيجان بهذه الطائرات، استطاعت أنقرة خلال فترة قصيرة إنتاج كاميرات موازية، عبر شركة "أسيلسان" للصناعات العسكرية. وتمتلك تركيا حالياً عدة أنواع من المسيرات، فهناك المخصصة للاستطلاع والمعروفة بـ"IHA"، وتلك المسلحة والمعروفة بـ"SIHA". وتقوم شركة "بايكار"، المملوكة من قبل عائلة سلجوق بيرقدار، صهر الرئيس رجب طيب أردوغان، بإجراء التجارب النهائية للنسخة الجديدة من الطائرات المسيرة المعروفة بـ"TIHA". والأخيرة ستكون ذات ميزات جديدة، عبر امتلاكها قابلية الاشتباك، وزيادة الحمولة من الأسلحة.
وعن أهمية المسيرات في معركة ناغورنو كاراباخ، ودورها في الحروب المستقبلية، قال المحلل العسكري العراقي صبحي ناظم توفيق، لـ"العربي الجديد"، إن "معركة إقليم كاراباخ لم ترق إلى مستوى الحرب، بل معارك محلية ليس فيها حركة كبيرة. وهذه أولى المعارك في العالم بين قوتين مسلحتين نظاميتين، تمثلهما أذربيجان وأرمينيا، استخدمت فيها الطائرات المسيرة. واقتصر دور المسيرات التركية، وتلك الأميركية والإسرائيلية، سابقاً على توجيه ضربات، في اليمن والعراق وأفغانستان والصومال وسورية مثلاً. وأول استخدام للمسيرات التركية في سورية لم يكن ضد جيش حقيقي منظم، وهو ما ينطبق على ليبيا أيضاً. الجيش النظامي الوحيد الذي واجهها هو الأرميني".
هذه أولى المعارك بين قوتين مسلحتين نظاميتين، تمثلهما أذربيجان وأرمينيا، استخدمت فيها الطائرات المسيرة
وعن دور المسيرات التركية في حسم المعارك، قال توفيق "أي معركة لا تحسم إلا بالمشاة، بدعم من الدبابات والمدفعية والهندسة والأسلحة الأخرى. المسيرات لا تحسم المعركة. إن دور القوى الجوية هو إسناد القوى البرية التي تقوم بالهجوم ومسك الأرض والدفاع عنها. المسيرات ألحقت أذى كبيراً بقوات أرمينيا، وأحبطت معنويات الجنود وساهمت بتقدم القوات الأذربيجانية في مناطق واسعة. وقد اضطرت أرمينيا، بعد الأضرار التي لحقت بها، إلى القبول بوقف إطلاق النار والرضوخ لشروط أذربيجان". وأضاف "في الوقت الراهن يمكن اعتبار المسيرات رقماً صعباً، طالما ليس هناك، حتى الآن، طائرات مقاتلة تشتبك معها، أو يتم استهدافها بالمقذوفات أو عبر صواريخ جو - جو، أو توفر أسلحة أرضية فعالة لمقاومة المسيرات ومعالجتها واستهدافها وإسقاطها، أو إرباكها، قبل وصولها إلى أهدافها. هذا الموقف لن يطول كثيراً، فالتكنولوجيا العسكرية قادرة على تطوير الإمكانات" لمواجهة الطائرات المسيرة.
ولفت توفيق إلى أنه "لا يجب النظر للمسيرات على أنها السلاح المتفوق بالمعارك، وما حصل في كاراباخ لا يمكن اعتماده كمبدأ في معارك أخرى". لكنه أشار إلى أن "المسيرات التركية تتميز بصغر حجمها، بحيث يصعب على الرادارات كشفها. كما أن لديها قابلية للطيران على مستوى منخفض، والسيطرة عليها من مواقع آمنة. كما أن تجهيزها بمحركات عادية يوفر لها الأمان، إذ إنها لا تصدر كتلة حرارية يمكن للصواريخ ملاحقتها عبرها. بالإضافة إلى أن تنوع الأسلحة والمعدات التي تحملها، وقابليتها للعمل ليلاً ونهاراً، تمثل مشكلة دفاعية".