تشهد الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة هدوءاً حذراً وسط استنفارٍ لعناصر الجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة المؤقتة العاملة في لبنان (يونيفيل)، تحسباً لأي تصعيدٍ بعد الأحداثٍ الأمنية التي سُجِّلت خلال الساعات الماضية، وذلك بالتزامن مع استمرار عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها "كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة "حماس" منذ صباح أمس السبت.
واستهدف "حزب الله"، صباح اليوم الأحد، 3 مواقع للاحتلال الإسرائيلي في منطقة مزارع شبعا المحتلة "على طريق تحرير ما بقي من أرضنا اللبنانية المحتلة، وتضامناً مع المقاومة الفلسطينية المظفرة والشعب الفلسطيني المجاهد والصابر"، على ما جاء في بيانه.
وأشار حزب الله إلى أن "المواقع هي الرادار، زبدين، ورويسات العلم، حيث استُهدِفَت بأعدادٍ كبيرة من القذائف المدفعية والصاروخية الموجَّهة، وأصيبت المواقع إصابات مباشرة".
وردّ جيش الاحتلال الإسرائيلي بقصفِ بنى تحتية تابعة لـ"حزب الله" في مزارع شبعا، عبر طائرة مسيّرة، بحسب بيانه، بما في ذلك الخيمة التي كان أقامها الحزب قبل فترةٍ، وأحدثت توترات عدة بين الجانبين، علماً أن الحزب عاد ونصب خيمة جديدة في الموقع نفسه بدلاً من تلك التي دُمِّرت.
هذه الأحداث دفعت إلى طرح تساؤلات عدة تندرج في إطار احتمالية نشوب مواجهة عسكرية بين "حزب الله" وجيش الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً مع استمرار عملية "طوفان الأقصى".
ورغم أن أوساطا لبنانية استبعدت أن تُفتح الجبهة الجنوبية اللبنانية مع فلسطين المحتلة، أو أن يكون بنيّة الحزب الدخول بمعركة مع الإسرائيليين، ولا سيما أنه اختار قصف مواقع إسرائيلية في نقاطٍ لبنانية محتلة، وليس داخل فلسطين المحتلة، إلا أن تصريحات القيادي الكبير في حزب الله اللبناني هاشم صفي الدين "بأننا لسنا على الحياد"، وأن "قصف المواقع الإسرائيلية في شبعا رسالة يجب أن يتمعن بها الإسرائيليون جيداً"، و"على نتنياهو أن يعرف أن هذه المعركة ليست معركة أهل غزة والضفة فحسب"، تبقي كل السيناريوات مفتوحة.
وقال رئيس المجلس التنفيذي لـ"حزب الله" هاشم صفي الدين، اليوم الأحد، موجها حديثه للفصائل الفلسطينية إن "سلاحنا وصواريخنا معكم"، متابعاً حديثه في مناسبة أقامها الحزب في بيروت تضامنا مع الفلسطينيين: "نقول لهؤلاء: الأمة معكم. قلوبنا معكم، عقولنا معكم، أرواحنا معكم. تاريخنا وبنادقنا وصواريخنا معكم".
رسالة تضامن ورد فعل
في المقابل، يقول عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" (تمثل حزب الله في البرلمان)، النائب حسين جشي، لـ"العربي الجديد"، إن "ما حصل اليوم يُفهَم بتوقيته أنه رسالة تضامن مع الإخوة المقاومين والمجاهدين الفلسطينيين، لكنه أيضاً ردّ فعل على احتلال العدو الإسرائيلي لأراضٍ لبنانية، وهذا أمرٌ طبيعيٌّ بأداء المقاومة، من هنا كان اختيار الحزب قصف أراض لبنانية محتلة لتأكيد حقنا بتحرير أرضنا".
ويلفت جشي إلى "أننا كمقاومة دائماً ما نكون في موقع الدفاع، ومنع الاعتداءات الإسرائيلية، إذ نحن معنيّون بتحرير أرضنا، ومسؤولون عن ذلك، وبالتالي، فإن أي تطوّر هو مرتبطٌ بأداء الإسرائيلي وحماقته".
بداية انهيار
من جهته، يقول عضو "كتلة التنمية والتحرير" (يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري)، النائب أشرف بيضون، لـ"العربي الجديد"، إنّ "حال الترقب والحذر تبقى مستمرة من دون شك، ولا يمكن التكهّن بما قد يحدث، وما إذا كان المشهد انتهى اليوم أم لا، لكن واضح أن الإسرائيلي يعدّ للألف قبل القيام بأي مغامرة عسكرية باتجاه لبنان، فهو يعلم أن أي خطوة غير مدروسة من قبله ستكون مكلفة وباهظة عليه بكافة المستويات، ويعي ردة الفعل عليها".
ويلفت بيضون إلى أن "من حقنا المقدّس الدفاع عن أرضنا ولن نسكت عن احتلال أيِّ شبرٍ منها، وإذا الإسرائيلي لم يفهم بأي لغة لإعادة الأراضي المحتلة إلا لغة المقاومة، فلتكن لغة المقاومة لتحرير أرضنا، وما حصل اليوم ليس إلا بمثابة دفاع مقدس ومشروع لاسترداد ما تبقى من الأراضي اللبنانية المحتلة".
ويرى بيضون أن "العدو الإسرائيلي في حالة تخبّطٍ وإرباكٍ داخلية، ولم يتمكن حتى الساعة من لملمة ما حدث"، مشيراً إلى أن "عملية "طوفان الأقصى" هي بداية انهيار لهذا الكيان الصهيوني المغتصب".
بدوره، يشير الخبير في الشؤون العسكرية العميد المتقاعد هشام جابر، في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أن "ما حصل غير مسبوقٍ في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وقد جرى اختيار التوقيت بدقة، إذ إنّ العملية تزامنت مع يوم الكيبور (عيد الغفران اليهودي)، وذكرى حرب أكتوبر 1973، ونشهد للمرة الأولى عملية عسكرية متكاملة واستثنائية".
وبينما يرى جابر أنه "لا يمكن لأحدٍ أن يتوقع ما إذا كانت حرباً ستحصل أم لا.. كرة النار قد تتدحرج بأي وقتٍ، لكن المؤشرات كلّها تقول إن الجبهة الجنوبية لن تُفتح، وهذه العملية ليست سهلة، فإسرائيل غير قادرة على فتح المعركة وليست مستعدة لذلك، كما أنّ "حزب الله" ليس أيضاً بوارد فتحها، أما ما حصل من قصف مدفعي وردٍّ إسرائيلي في منطقة مزارع شبعا وكفرشوبا فكان منتظراً ومتوقعاً، وفي إطار ما سبق أن حصل أكثر من مرة في الفترات الماضية".
ويقول جابر إن "الحالة التي يمكن أن تفتح فيها المعركة العسكرية إذا بدأت إسرائيل حربها على الجنوب اللبناني، وعندها سيكون الرد من جانب "حزب الله"، وغير ذلك فإن الأمور مستبعدٌ أن تتطوّر، وستبقى محصورة بقصف من هنا وردّ من هناك".
أما الدبلوماسي اللبناني، السفير السابق هشام حمدان، فيقول لـ"العربي الجديد"، إن ""حزب الله" أوعى من أن يفتح جبهة لبنان، وهو يعي تماماً أن ما يجري في فلسطين المحتلة أكبر من عملية تكتيكية، بل عملية حسم، والدخول في مثل هذه المعركة لن يخدمه أو يأتي بمصلحة له"، معتبراً أن "العمليات التي تكون في خدمة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة هي من خلال جبهة الجولان وليس لبنان".
ويرى حمدان أن "استهداف "حزب الله" لمزارع شبعا يعني استهداف منطقة لبنانية محتلة من العدو، والغرض من هذه الخطوة إيصال رسالة بأن ردّنا أو تحركنا محدود، وقد يكون من بوابة حفظ ماء الوجه".
ويعتبر حمدان أن "ما يجري في فلسطين المحتلة وغزة بصورة خاصة يكتب تاريخاً جديداً في المنطقة، ونتائجه لن تقتصر فقط على صعيد فلسطين المحتلة، بل ستترتب على كل ما يُحضّر ويؤسّس لمرحلة الشرق الأوسط الجديد".