على الرغم من أن الهجوم الذي شنته المقاومة الفلسطينية، أمس السبت، بطائرة مسيرة على دورية إسرائيلية كانت تتحرك بالقرب من الحدود مع قطاع غزة، قد ترك أضراراً محدودة لحقت بإحدى العربات العسكرية، إلا أن هذا الحادث ينطوي على دلالات كبيرة. فهذه المرة الأولى التي تتمكن المقاومة الفلسطينية من تنفيذ عمل هجومي باستخدام طائرة مسيرة، بحيث عادت الطائرة إلى "قواعدها" دون أن يتم التصدي لها من قبل منظومات الدفاع الجوي بالغة التطور، التي تغطي منطقة جنوب إسرائيل بشكل مطلق. مع العلم أنه سبق للمقاومة أن حاولت تنفيذ هجومين باستخدام الطائرات المسيرة وفشلا، بعد إسقاط الطائرتين.
ورغم محدودية الأضرار الناجمة عن الهجوم، إلا أن المعلقين الإسرائيليين قد أجمعوا على أن هذه تعد سابقة قد تؤسس لتغيير بيئة الصراع بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية.
وكتب المعلق العسكري طال لافرام، في عدد اليوم الأحد، من صحيفة "معاريف"، أن المقاومة الفلسطينية بإمكانها أن تطور ترسانتها في مجال الطائرات المسيرة بحيث تصبح تهديداً جدياً للعمق الإسرائيلي، تماماً كما نجحت، بعكس كل التوقعات، في تطوير ترسانتها الصاروخية.
ويشير لافرام إلى أن الجيش والاستخبارات الإسرائيلية كانا يتوقعان أن "حزب الله" تحديداً هو الذي سيشن هجوماً بالطائرات المسيرة، استناداً إلى تهديدات أمين عام "حزب الله"، حسن نصر الله، رداً على الهجوم الذي استهدف الضاحية الجنوبية، مشيراً إلى أن تنفيذ المقاومة في غزة هذا الهجوم قد خالف كل التوقعات.
وحسب لافرام، فإن الرد الإسرائيلي بقصف أهداف للمقاومة في أنحاء القطاع، كما حدث الليلة الماضية، لن يسهم في ردع "حماس" عن تكرار المحاولة، مشيراً إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يتردد في إصدار أوامره بتصفية عناصر "حزب الله"، الذين ادعت الاستخبارات الإسرائيلية أنهم كانوا يخططون لتنفيذ هجوم بالطائرات المسيرة ضد العمق الإسرائيلي انطلاقاً من محيط العاصمة السورية دمشق.
ويرى لافرام أنه يتوجب على إسرائيل جباية ثمن أكبر من المقاومة الفلسطينية رداً على تنفيذ الهجمات بواسطة الطائرات المسيرة.
ويعد استخدام الطائرات المسيرة تكريساً لسيناريو الرعب الذي عبرت الكثير من الأوساط الإسرائيلية عن قلقها منه قبل أشهر. فقد رجح "لواء الأبحاث" في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، أن تحاول حركة "حماس" توظيف وسائط الطيران غير المأهولة في الجهد الحربي بهدف التغطية على خسارتها المحتملة لسلاح الأنفاق، لا سيما في أعقاب شروع إسرائيل في بناء منظومة العوائق المادية على طول الحدود مع القطاع، والتي تراهن على دورها في تدمير الأنفاق القائمة، وفي الوقت نفسه الحيلولة دون تشييد المزيد منها.
وحسب التقديرات الإسرائيلية، فإن "حماس" تراهن على توظيف وسائط الطيران غير المأهولة والكوماندوس البحري في ضرب أهداف خلف خطوط جيش الاحتلال في حال نشبت مواجهة مستقبلية.
لكن على الرغم من أن الانتقادات التي وجهت في إسرائيل للرد "المحدود والمتواضع" على الهجوم بالطائرة المسيرة، إلا أن هذا الهجوم سيسهم في تكثيف اهتمام الأحزاب الإسرائيلية بطرح تصوراتها إزاء مستقبل الصراع مع غزة خلال الحملة الانتخابية؛ مع أن الاهتمام بهذه القضية كبير جداً حتى قبل حادثة الطائرة المسيرة.
ويتنافس ممثلو أحزاب اليمين والوسط واليسار فيما بينهم على تقديم التعهدات للجمهور بحسم المواجهة مع المقاومة في قطاع غزة، في حال شاركت في الائتلاف الحاكم الذي سيتشكل بعد الانتخابات التي ستجرى في السابع عشر من الشهر الجاري.
ويحاول قادة الأحزاب الإسرائيلية، بمعزل عن خلفياتهم الأيدولوجية، إقناع رجل الشارع الإسرائيلي بأن سلوكهم في مواجهة المقاومة في غزة سيكون مخالفاً لسلوك نتنياهو، الذي يتهمونه بالتهاون و"الجبن".
ومما يزيد من الاهتمام الحزبي والجماهيري الإسرائيلي بمواجهة خطر الطائرات المسيرة حقيقة أن عدداً كبيراً من المرافق العسكرية والمدنية الحساسة تنتشر جنوب إسرائيل وعلى قرب من الحدود مع القطاع، مما يزيد من فرص المس بها عبر استخدام هذا النوع من الوسائل العسكرية.