باقٍ لانتخابات الرئاسة الإيرانية أسبوع. مدة من المفترض ألا تكون كافية لإبرام اتفاق بحجم الملف النووي الإيراني، حتى ولو أن المفاوضات بشأنه جارية منذ أسابيع، وأحرزت تقدماً ملحوظاً باعتراف كل المشاركين فيها.
إذاً، لماذا استأنفت طهران المحادثات عشية هذا الاستحقاق، علماً أنه سيكون من النوع الفاصل والقاطع بين رئاستين متباينتين في التوجه: رئاسة حسن روحاني المحسوبة على الخندق البراغماتي، ورئاسة آية الله إبراهيم رئيسي المرجح فوزه، والذي يمثل النقيض المتشدد؟ ألم يكن من المنطقي أن ترجئ طهران العودة إلى الطاولة إلى ما بعد هذا الانتقال، أم أنها واصلت التفاوض على الرغم من اقتراب الانتخابات لتأكيد الاستمرارية ووحدة المرجعية في نظامها؟
كيفما كان الحال، يبقى من الصعب الحديث عن اختراق خلال أسبوع، لكنه ليس بالمستحيل. ثمة إشارات في هذا الخصوص مرت في الأيام الأخيرة من دون أن تستوقف كثيراً بسبب الانشغال بجولة الرئيس جو بايدن الأوروبية، وخصوصاً محطته الأخيرة في القمة الثنائية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في جنيف يوم الأربعاء المقبل. هذه الإشارات تحتمل التأويل، ولو مع التحفظ في تفسيرها. وأكثر ما يلفت فيها، توقيتها وترابطها.
الأربعاء، سئل المتحدث في الخارجية نيد برايس عمّا إذا كان من المحتمل أن تفضي الجولة الجارية في فيينا إلى اتفاق قبل الانتخابات الإيرانية. لفّ ودار حول الموضوع من دون الإجابة المباشرة عن السؤال. تحدث عن التقدم الذي تحقق وعن الجولة السادسة، وعدم كشف إيران حتى الآن عن مدى استعدادها لتلبية شروط العودة والامتثال لتطبيق بنود اتفاق 2015، وعن استعداد الإدارة في المقابل لرفع العقوبات غير المتعلقة بالاتفاق لو عادت طهران إلى التطبيق. أبعد ما ذهب إليه، أن الجولة السادسة ستتبعها جولات تالية، من غير تحديد مواعيدها، بحيث يمكن أن تحصل بعد أيام قليلة أو بعد أسابيع. تركها معلّقة بهذا الشكل بدا وكأنه مرتبط باحتمال حصول مفاجأة.
تبع ذلك، في أقل من 24 ساعة، رفع العقوبات عن 5 مستهدفين إيرانيين: هم 3 مسؤولين سابقين، وشركتا بتروكيميائيات. الإدارة وضعت خطوتها في خانة الإجراء "الروتيني" الذي يثبت أن "العقوبات يمكن رفعها"، حسب المتحدث في الخارجية نيد برايس. تسويغه بدا مستغرباً لعدم ارتكازه على معطيات ووقائع. صحيح أنه سبق أن أعلنت الإدارة استعدادها لفك العقوبات غير المتصلة باتفاق 2015، لكنها ربطت ذلك بامتثال إيران وعودتها إلى تطبيق التزاماتها. فهل اقتربت المحادثات من حلّ هذه النقطة لتبدأ الادارة تدريجاً في إزاحة العقوبات؟
برايس نفى وجود علاقة بين هذه المبادرة الجزئية التي بقيت من دون شرح، ومحادثات فيينا. لكن نفيه لم يقطع الشك بقدر ما عزّزه، إلا إذا كان ذلك قد جرى لتشجيع إيران على قبول صيغة العودة قبل الانتخابات، بحيث عندئذ يصبح من الصعب على طهران التراجع بصرف النظر عمّن يكون الفائز في الانتخابات. وفي هذه الحالة، يرى مراقبون أن رئاسة روحاني تكون قد مهّدت السبيل للرئيس الجديد المتشدد، وأعفته من الانقلاب المكلف على المفاوضات.
ما يمكن قوله من غير مجازفة، أن هذه المؤشرات ليست من غير مدلول. قد تكون مقدمة لتطور سريع في المحادثات باتجاه اتفاق مفاجئ، أو قد تكون محاولة لاعتصار ما أمكن من إيران قبيل الانتخابات وغياب روحاني. ما لا يشطب الاحتمال الأول، أن الجانبين، الأميركي والإيراني، يجمع بينهما مشترك واحد، هو أن كليهما مستعجل منذ البداية، لطيّ هذا الملف. الإدارة تتطلع إلى انجاز وتحقيق انقلاب كبير على تركة دونالد ترامب. وإيران تتطلع إلى الخلاص من قيود العقوبات المكبِّلة. فهل يحمل عامل ضغط الوقت الطرفين على تسريع عملية المساومة وتنازلاتها؟