هل تهدد روسيا تحالف مصر والولايات المتحدة؟

16 مايو 2023
السيسي وبوتين خلال القمة الروسية الأفريقية، أكتوبر 2019 (ميخائيل سفيتلوف/Getty)
+ الخط -

تتكرر التسريبات في الصحافة الأميركية حول دعم عسكري ولوجستي توجهه مصر إلى روسيا، في وقت تكافح فيه الولايات المتحدة لتطويق موسكو وإخراجها من الأراضي الأوكرانية.

وقالت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، في تقرير لها يوم الجمعة الماضي، إن مصر تجاهلت مطالب أميركية، بغلق مجالها الجوي أمام الطيران الحربي الروسي. وبحسب التقرير، فإن "مسؤولين أميركيين، طلبوا من مصر خلال شهري فبراير/شباط ومارس/آذار الماضيين، إغلاق مجالها الجوي أمام الطيران العسكري الروسي، وهي الخطوة التي كانت لتمنع وصوله إلى سورية". لكن، بحسب المسؤولين المصريين والأميركيين، لم ترد مصر على المطالب واستمرت في فتح مجالها الجوي للرحلات الروسية العسكرية.

سبق ذلك نشر صحيفة واشنطن بوست الأميركية الشهر الماضي، وثائق تشير إلى أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أعطى أوامر بإنتاج نحو 40 ألف قطعة ذخيرة صاروخية لحساب روسيا. لكن الصحيفة نفسها كانت عادت ونشرت معلومات تفيد بتراجع القاهرة في أوائل مارس/آذار عن خطط إمداد موسكو بالصواريخ بعد محادثات مع كبار المسؤولين الأميركيين وقررت بدلا من ذلك إنتاج ذخيرة مدفعية لأوكرانيا، وفقا لخمس وثائق استخباراتية أميركية.

مساس بالعلاقات المصرية الأميركية؟

وقال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير رخا أحمد حسن، لـ"العربي الجديد" إن "هناك فرقاً بين تقرير "واشنطن بوست" عن إنتاج وتصدير أسلحة للجانب الروسي لاستخدامها في الحرب الأوكرانية، وبين التقرير الأخير لـ"وول ستريت" عن تجاهل طلب للولايات المتحدة يخص المجال الجوي المصري".

وأوضح أنه "في الحالة الأولى تُعتبر مصر مشاركة في الحرب، وهو ما وجب نفيه من الأطراف المعنية سواء مصر أو الولايات المتحدة نفسها، أما في الحالة الثانية، إذا حدثت، فالأمر عبارة عن مجرد طلب أميركي رفضته مصر أو تجاهلته أو لم تجد له مبرراً منطقياً، وبالتالي لا داعي لتوضيح الأمر أو التعليق عليه من الدولتين، كونه ليس بهذه الأهمية".

حسن: لماذا تمنع مصر الطيران الروسي من مجالها الجوي؟ هذا طلب فوق القواعد الدولية

وتساءل حسن: "لماذا تمنع مصر الطيران الروسي من مجالها الجوي؟ هذا طلب فوق القواعد الدولية، ولا عتب على القاهرة لرفضها الطلب الأميركي، سواء هناك اتفاق بين مصر وروسيا يسمح للأخيرة باستخدام المجال الجوي المصري، أو لا".

وأضاف: "روسيا لها قواعد جوية في سورية، كما لها قاعدة بحرية عسكرية في طرطوس، فيمكن للسفن الروسية أن تجلب أطناناً من الأسلحة في ميناء طرطوس مباشرة، من دون الحاجة للطيران أو المجال الجوي المصري". ولفت إلى أن "هذا القرار ليس له أي تأثير على شكل العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر، لأنه لا يمس المصالح الأميركية بشكل مباشر".

في المقابل، توقع دبلوماسي مصري سابق، أن "تُصدر الولايات المتحدة قريباً قرارات ضد مصر، بناء على التقارير والمعلومات حول الدعم العسكري واللوجستي الذي قدمته القاهرة إلى موسكو". وقال الدبلوماسي، الذي تحفظ على ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "القرارات الأميركية المتوقعة في هذا الشأن، يمكن أن تتمثل في قطع جزء كبير من المعونة الموجهة إلى مصر، بالإضافة إلى جزاءات أخرى".

وأوضح أن "هناك أوجه تعاون كثيرة بين القاهرة وواشنطن، خارج إطار المعونة، مثل الأفضلية التي تتمتع بها مصر في التبادل التجاري مع أميركا، والتي يمكن أن تُلغى، وبالتالي فإن تأثيرات ذلك ستكون كبيرة، وستجعل دولاً كثيرة أخرى تنظر إلى مصر نظرة مختلفة في مجالات التعاون".

القاهرة توسع علاقاتها الخارجية

وقال تقرير لدائرة أبحاث الكونغرس الأميركي حول العلاقات بين مصر والولايات المتحدة، صدر مطلع شهر مايو/أيار الحالي، إنه "على الرغم من أن الأساس المتين للتعاون العسكري الأميركي المصري طويل الأمد، ظل ثابتاً خلال رئاسة عبد الفتاح السيسي، فقد نوّعت مصر علاقاتها العسكرية والتجارية بعيداً عن الولايات المتحدة لتشمل علاقات أوثق، مثل العلاقات مع روسيا والصين والدول الأوروبية". وأضاف أن السياسة الخارجية لمصر في عهد السيسي، كانت "انتهازية"، مشيراً إلى أن مصر "حافظت على علاقاتها مع موسكو، على الرغم من الفظائع الروسية في أوكرانيا، وتنامي العلاقات العسكرية الإيرانية الروسية".

وأشار التقرير أيضاً إلى شراء مصر عام 2015، عشرات من مقاتلات "ميغ 29" متعددة المهام من روسيا، وقال إنه "بعد ثلاث سنوات، ظهرت تقارير عن خطط مصرية لشراء طائرة مقاتلة روسية من طراز سوخوي سو-35 متعددة المهام، وهي خطوة كان من الممكن أن تؤدي إلى فرض عقوبات أميركية بموجب قانون مكافحة روسيا".

وأضاف أنه "مع ذلك، وبسبب الضغط الأميركي، ألغت مصر عقد سو-35، ويبدو الآن أن روسيا قدمت تلك الطائرات لإيران كجزء من ترتيب تعاون عسكري أوسع، حيث زودت إيران روسيا بطائرات بدون طيار لاستخدامها في أوكرانيا".

والجدير بالذكر أنه في عام 2017، وجّه رئيس الوزراء الروسي دميتري ميدفيديف، وزارة الدفاع الروسية، بإجراء محادثات مع الحكومة المصرية، وتوقيع اتفاق حول "إجراءات استخدام البنية التحتية للمجال الجوي والمطارات لروسيا ومصر". ونصّت الاتفاقية على "السماح للطائرات العسكرية باستخدام المجال الجوي للبلدين في الرحلات الجوية وفقا لتشريعات كل من الطرفين".

حسابات واشنطن بعلاقتها مع القاهرة

من جهته، قال خبير الشؤون العسكرية المصري، العميد المتقاعد صفوت الزيات،  في حديث لـ"العربي الجديد" إن "نجاح الدبلوماسية الأميركية في وقف تزويد مصر لموسكو بذخائر المدفعية الصاروخية "صقر 45" في فبراير الماضي، وما تلاها من نجاح أميركي في الضغط على القاهرة لإنتاج وتوريد ذخائر المدفعيات "إم إم 152" و"إم إم 155" إلى الجيش الأوكراني، ربما دفع الولايات المتحدة لتخفيف حدة الضغط على القاهرة".

ولفت إلى أنه لا توجد أهمية استراتيجية للجسر الجوي بين سورية والأراضي الروسية في الحرب الأوكرانية، باعتبار محدودية النشر الروسي البري، سواء كقوة بشرية، أو معدات أو ذخائر، على الأراضي السورية، منذ بدء التدخل هناك". وأضاف "أي جلب لأنظمة تسليح من المسرح السوري، يتضاءل مع مستويات الاستهلاك الهائلة للقوات الروسية على الأراضي الأوكرانية، مما يجعل اعتماد الروس على صناعات الدفاع الروسية، التي هي في أقصى طاقة إنتاجها حالياً، إضافة إلى إمدادات حلفائها من إيران وكوريا الشمالية وربما الصين".

إبراهيم: قرار غلق المجال الجوي أمام الطيران العسكري الروسي، إن حدث، هو سياسي بالدرجة الأولى

من جهته، قال الباحث في جامعة إسطنبول زعيم، المتخصص في العلاقات الدولية والشؤون الأمنية، شادي إبراهيم، لـ"العربي الجديد"، إن "قرار غلق المجال الجوي أمام الطيران العسكري الروسي، إن حدث، هو قرار سياسي بالدرجة الأولى، وهو أمر صعب على مصر اتخاذه".

وأضاف: "من زاوية اقتصادية، تعتمد مصر على الصادرات الغذائية الأساسية التي تأتي من روسيا بنسبة كبيرة، كالقمح وزيت عباد الشمس، لذلك هناك ورقة ضغط من الجانب الروسي على مصر، تجعل من الصعب الضغط في هذا الملف لأنه سينعكس على الداخل المصري بأزمات اقتصادية، وبالتالي اجتماعية وسياسية". وتوقع أن "الولايات المتحدة تتفهم هذا الأمر جيداً، لأن السلع المستوردة من روسيا هي سلع استراتيجية لمصر، تمثل احتياجات لنحو 70 في المائة من المجتمع".

ولفت إبراهيم إلى أن "روسيا تحتاج للقاعدة العسكرية في سورية، وبالتالي فالمجالات الحيوية للجانب الروسي تتمثل في تركيا والأردن والعراق، أما مصر جغرافياً فأظن ستكون بعيدة عن التورط في نقل الأسلحة، وليس كل المعلومات التي تسرب إلى الصحافة الأميركية تكون صحيحة بالضرورة". وتابع: "لا نتغافل أيضاً عن أهمية الدور المصري بالنسبة للولايات المتحدة ودولة الاحتلال الإسرائيلي، في لعب دور الوساطة بين الاحتلال والفصائل الفلسطينية".

تقارير عربية
التحديثات الحية
المساهمون