دخلت العلاقات المصرية التركية منحنىً جديداً في أعقاب رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين بتبادل السفراء، والذي أُعلن عنه في بيان مشترك يوم 4 يوليو/ تموز الحالي، وذلك بعد قطيعة استمرت قرابة العشر سنوات. فقد تحدثت مصادر مصرية، لـ"العربي الجديد"، عن محادثات بين القاهرة وأنقرة على المستوى العسكري جرت خلال الأيام الماضية.
وقال مصدر مصري خاص، إن "محادثات بشأن التعاون العسكري، جرت خلال الأيام الماضية، تسبق زيارة مرتقبة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى تركيا، الشهر الحالي، لعقد قمة ثنائية مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان".
وبحسب المصدر المصري، فإن "المحادثات التي جرت على مستويين، استخباري وعسكري، تضمنت إمكانية حصول القاهرة على مسيّرات تركية، والشراكة في الصناعات الدفاعية، عبر الاستفادة من الخبرة التركية في هذا المجال، من خلال عقد اتفاقيات بين الشركات التركية، والمصانع الحربية في مصر".
لقاء في مقر وزارة الإنتاج الحربي المصرية
وأوضح المصدر أن "اللقاء الذي جمع السفير التركي بالقاهرة صالح موطلو شن، مع وزير الدولة للإنتاج الحربي في مصر محمد صلاح الدين، كان نتاجاً للمباحثات التي جرت بين المسؤولين العسكريين والاستخباريين في البلدين".
وفي السابع عشر من يوليو الحالي، التقى موطلو شن وصلاح الدين، في مقر وزارة الإنتاج الحربي. وبحسب بيان رسمي، فإن الوزير المصري "استعرض خلال اللقاء، الإمكانات التصنيعية والفنية والتكنولوجية بالشركات والوحدات التابعة (الإنتاج الحربي)، وسبل فتح آفاق للتعاون المشترك بين شركات الإنتاج الحربي ومثيلاتها من الشركات التركية، في مختلف مجالات التصنيع".
كما وجه الدعوة لشركات الصناعات التركية العسكرية للمشاركة في معرض الدفاع EDEX-2023 المُقرر عقده بالقاهرة خلال شهر ديسمبر/كانون الأول 2023.
تقارب اقتصادي بين مصر وتركيا
من جهته، اعتبر الباحث العسكري والضابط السابق في الجيش المصري العميد صفوت الزيات، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "علينا أن نتذكّر أن آخر تصريح للرئيس التركي حول تطبيع العلاقات المصرية التركية، أشار فيه إلى أن هذا التقارب، يصب في مصلحة الاقتصاد التركي بالدرجة الأولى".
وأضاف أنه "ربما كانت تلك رسالة مفادها أن تطبيع العلاقات الكامل يجب أن يمر أولاً عبر بوابة التعاون الاقتصادي والتجاري، قبل أن ينتقل لملفات أخرى أكثر حساسية كملف التعاون العسكري في مجال التصنيع الدفاعي".
ورأى الزيات أن تدفق العلاقات واتساعها يحتاج إلى مزيد من الوقت والمرور بمراحل من التعاون الاقتصادي أولاً.
الزيات: الرسالة ربما هي أن تطبيع العلاقات الكامل يجب أن يمر عبر الاقتصاد
وحول الحديث عن شراء مصر لطائرات مسيّرة أو أنظمة قتال غير مأهولة (ذاتية القيادة)، اعتبر الزيات أنها قد تكون خطوة مبكّرة جداً، لن تقبل بها تركيا بسهولة، خصوصاً أن حجم الخلاف السياسي لا يزال كبيراً. لكنه لفت إلى إمكانية امتداد التعاون العسكري تقنياً، في مسائل الصيانة العسكرية وتحديث طائرات القتال الرئيسية في مصر، التي تمتلك تركيا خبرة كبيرة بها.
وأضاف أن عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي "ناتو" يعطي شرعية دولية غربية للقيام بهذا النوع من التعاون مع مصر.
التعاون الدفاعي مرحلة متقدمة في العلاقات التركية - المصرية
بدوره، قال الأستاذ المساعد والباحث في مركز ابن خلدون بجامعة قطر، علي باكير، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن ملف التعاون الدفاعي سيكون لاحقاً لملف التطبيع الاقتصادي بين البلدين. واعتبر أن "التقارب المصري التركي، بدأ ببطء ملحوظ، ثم اتخذ مساراً أكثر سرعة خلال العام الماضي، لا سيما بعد انتخاب الرئيس أردوغان لفترة رئاسية جديدة".
باكير: من المبكر تحقيق تعاون واسع في مجال الصناعات الدفاعية
ورأى باكير أنه من المبكر تحقيق تعاون واسع في مجال الصناعات الدفاعية، لافتاً إلى إمكانية توقّع ذلك خصوصاً مع تحقيق تركيا طفرة في مجال التصنيع الدفاعي، وبالنظر إلى كون مصر واحدة من أكثر دول العالم استيراداً للأسلحة في السنوات الأخيرة.
وفي السياق، اعتبر الكاتب والباحث التركي والمستشار السابق في رئاسة الوزراء، جاهد توز، في حديث مع "العربي الجديد"، أن مجال الصناعات الدفاعية هو أهم تطور نوعي تركي في السنوات العشرين الأخيرة، لافتاً إلى دورها العالمي في حروب مثل الحرب بين أرمينيا وأذربيجان. ورأى توز أن نفوذ هذا الدور العسكري التركي الجديد كان أحد دوافع مصر لتحقيق مزيد من التقارب.
ولفت إلى أنه من المبكّر تحديد ماهية هذا التعاون، سواء في صورة شراء أسلحة مثل الطائرات المسيّرة وغيرها، أو في صورة تعاون في تصنيع مشترك، وقال: "لكنه قد يكون مرحلة متطورة نوعاً ما عقب مزيد من تطبيع العلاقات بين البلدين".
من جهته لم يستبعد باحث الدكتوراه بقسم العلاقات الدولية في جامعة "إسطنبول أيدن" عمار فايد، في حديث لـ"العربي الجديد"، التعاون العسكري بين مصر وتركيا. وأوضح أن تركيا لديها توجّه لتوسيع صادراتها في الصناعات العسكرية والدخول في شراكات عسكرية مع دول الإقليم، من جهة أخرى لفت إلى أن مصر تعتبر تركيا بديلاً "غير مزعج" لاستيراد الأسلحة الغربية، والتي بحسب قوله ترتهن لمعايير الديمقراطية والحريات والرقابة البرلمانية الغربية.
الملف الليبي يدفع التقارب بين مصر وتركيا
ولفت فايد إلى أن "التقارب المصري التركي بدأ بشكل أساسي من خلال الملف الليبي، وأعتقد أن تركيا في تلك الفترة هي من بدأ بأخذ زمام المبادرة للتقارب وسط سعيها لإيجاد حلّ لقضية شرق المتوسط". وأضاف أنه "مع الوقت بدا واضحاً أن الطرفين يمتلكان ملفات يمكن أن تخدم مصالح البلدين، وبالتالي كان هناك عقبات متعلقة بطي صفحة سنوات القطعية مثل التعامل مع ملف المعارضين المصريين".
وفي ما يتعلق بالملف الليبي، قال دبلوماسي مصري لـ"العربي الجديد"، بشرط عدم ذكر اسمه، إن "الفترة القريبة المقبلة، ستشهد تحسناً كبيراً في أداء ومسارات حل الأزمة الليبية، في ظل الانفتاح الكبير من جانب أنقرة، على كل من القاهرة وأبوظبي، اللتين تمثلان رقمَين مهميَن في معادلة الصراع الليبي". وكشف أن القاهرة "ستستقبل خلال الأيام القليلة المقبلة، لقاءات ليبية - ليبية، برعاية من المسؤولين في اللجنة الوطنية المعنية بالملف الليبي، والتي يشرف عليها رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل".
وأوضح الدبلوماسي المصري أن أهم ما تتسم به هذه الجولة من المباحثات الليبية، أنها تأتي بهدف الاتفاق على خريطة طريق قصيرة الأجل تنتهي بإجراء الانتخابات الرئاسية في البلاد.