يكثف عبد الحميد الدبيبة، بعد أيام قليلة من انتخابه ضمن السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا رئيساً للوزراء، ضمن التشكيلة التي ضمت محمد المنفي رئيساً للمجلس الرئاسي، زياراته للعواصم والمدن، بشكل يظهر عزم السلطة الجديدة فك الاشتباكات والخلافات بين الأطراف المتصارعة في الملف الليبي، والتي يمكن أن تقف عائقا أمام مضيها في قيادة المرحلة المقبلة، فهل تنجح في ذلك؟
ووصل الدبيبة إلى العاصمة طرابلس بعدما أنهى زيارتين، الأولى للقاهرة، والثانية لطبرق، التقى في الأولى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الخميس الماضي، واتفقا على استعادة التعاون بين البلدين في كافة المجالات. وأشاد الدبيبة بالجهود المصرية في مختلف مسارات حل الأزمة الليبية.
كما التقى، أمس الجمعة، برئيس مجلس النواب المجتمع في طبرق، عقيلة صالح، قال المكتب الإعلامي للدبيبة إن اللقاء "اتسم بالإيجابية وكذلك تقارب الرؤى بخصوص أهمية العمل على استقرار البلاد وترسيخ حالة السلام"، لافتا الى أن المداولات جرت حول شكل الحكومة الجديدة والتأكيد على "التواصل والتعاون المستمر بين مؤسسات الدولة للعبور بليبيا من المرحلة الحالية إلى مرحلة استقرار وتنمية مستدامة".
وسبق ذلك زيارة الدبيبة لأنقرة، في السابع من فبراير/ شباط الجاري، وقد أكد خلالها أن حكومته ستتضامن مع تركيا التي وصفها بـ"الصديقة والحليفة"، مشيرا إلى أن السلطة الجديدة "ستعمل على تقريب وجهات النظر الليبية إلى أبعد الحدود كي ندخل الانتخابات بشكل موحد وبدون عنف وحروب".
أما الزيارة الأخرى فقام بها المنفي لبنغازي، في الـ12 من الشهر الجاري، والتقى خلالها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي أكد على دعمه للحكومة الجديدة وإجراء الانتخابات الوطنية نهاية العام الجاري.
وفي سياق متصل، وصل نائب رئيس المجلس الرئاسي، أحمد معيتيق، رفقة وزير المالية بحكومة الوفاق، فرج بومطاري، صباح اليوم السبت، إلى مدينة البيضاء شرق ليبيا، للمشاركة في إقرار ميزانية موحدة.
وفور وصوله غرّد معيتيق قائلاً: "وصلنا رفقة وزير المالية فرج بومطاري، إلى مطار الأبرق؛ للمشاركة في إقرار ميزانية موحدة، ومن ثم لقاء رئيس مجلس النواب عقيلة صالح".
وصلنا رفقة وزير المالية فرج بومطاري إلى مطار الأبرق للمشاركة في إقرار ميزانية موحدة، ومن ثم لقاء رئيس مجلس النواب عقيلة صالح.#ليبيا
— أحمد معيتيق (@MaiteegAhmed) February 20, 2021
وبخصوص عدم لقائه بحفتر، خلال زيارته للمنطقة الشرقية، ترى الناشطة السياسية مروة الفاخري، أن الدبيبة "ترك التقارب مع حفتر مع الشخص الأكثر قبولا بين الشرق والغرب وهو المنفي"، موضحة في تصريح لـ "العربي الجديد" أنه "علاوة على أنه أصيل المنطقة الشرقية هو أيضا تبع حكومة الوفاق سياسيا كونه كان سفيرا لها في اليونان قبل طرده منها على خلفية غضب يوناني حيال الاتفاقات الموقعة بين تركيا وحكومة الوفاق".
وأوضحت الفاخري أن كلاً من الدبيبة والمنفي يلعبان أدوارا مهمة للتمهيد للحكومة الجديدة وضمان قبولها في الأوساط الليبية، قائلة: "لقاء زيارة المنفي لحفتر، زار الدبيبة مصراته التي ينتمي إليها والتقى قياداتها العسكرية والمدنية وطالبها بالتماهي مع مستجدات الأوضاع في البلاد".
وتابعت قائلة: "تمكن قراءة شكل نتائج زيارة الدبيبة للقاهرة من خلال بيان مكتبه الإعلامي الذي تحدث عن دور مصر لتقريب وجهات النظر ودعمها لمسارات الحل رفقة حديث عن رغبة في التعاون في مجالات التنمية مع مصر، وهو ما يعني قبولا مصريا بالتقارب مع خصومها الأتراك في طرابلس"، معتبرة أن "الدبيبة لم يكن أكثر من مبعوث تركي أو على الأقل وسيط".
وأضافت أنه "على الرغم من ذلك فهي خطوات ناجحة وتدل على وعي القادة الجدد بأهمية السعي لتقليل تأثيرات خصومة العاصمتين (القاهرة وأنقرة) وتلبية مصالحهما من خلال علاقة غير مباشرة في طرابلس".
في المقابل، ترى الفاخري أن مظاهر الترحيب وعدم صدور أي مواقف منتقدة لمسار عمل القادة الجدد "يعكس حذراً وترقباً من كافة الأطراف"، معربة عن اعتقادها بأن "المواقف الحقيقية ستصدر إبان إعلان الدبيبة عن تشكيلته الوزارية ومدى انطباقها مع تصريحاته التي تؤكد على أنها تشكيلة تستوعب العناصر القادرة على العمل فقط".
من جانبه، يعتقد الصحافي الليبي سالم الورفلي، أن "القدرة على العمل تثبت مع الوقت خصوصا مع عدم وجود كوادر سياسية لها خبرات في العمل السياسي في وسط استشرى فيه فساد المجموعات المسلحة المتنفذة في مفاصل الدولة".
وأوضح الورفلي في تصريح لـ "العربي الجديد" أن "التشكيلة الحكومية ليست مهمة كلها ومجرد المصادقة عليها لن يعطيها القبول في الأوساط التي تتنفذ في المشهد خصوصا في الحقائب الوزارية المتصلة بالمسلحين ومصالحهم كوزارات الداخلية والدفاع والمالية"، مضيفا أن تلك الحقائب مهمة ويتعين على القادة الجدد بذل جهود لتحييدها عن تأثير المتنافسين.
كما لفت الورفلي إلى أن "زيارات القادة الجدد حددت مواقع الصراع المهمة، وهي مصراته وبنغازي وطبرق داخليا، والقاهرة وأنقرة خارجيا"، ما يعني، وفق رأيه، أن الصراع انتهى بين الأقطاب الثلاثة داخليا، والعاصمتين خارجيا وأن طريق التسوية يمر من خلال قادة هذه المناطق.
وبحسب الورفلي، فإن "الدبيبة مقرب من أنقرة واستمع في القاهرة لرأي القيادة المصرية حول رؤيتها لمصالحها في ليبيا"، متسائلا عن الطريقة التي سيتمكن من خلالها من استيعاب مصالح مصر وتركيا في تشكيلته الحكومية المنتظرة.
وتابع قائلا: "لا أريد أن أتشاءم كثيرا فرغم وعي القادة الجدد بأهمية رأي العاصمتين الأكثر اتصالا بالواقع الليبي إلا أن خبراتهم لا أعتقد أنها ستمكنهم من إجادة اللعبة السياسية لتقويض تأثير طرفين مهمين كالقاهرة وأنقرة على الأوضاع في البلاد".
وتساءل الورفلي بالخصوص حول كيفية تعاملهم "مع أكبر قضايا الخلاف بين العاصمتين في شأن الاتفاقات الموقعة بين الحكومة التركية وحكومة الوفاق".
وفي تحليله لمواقف وتصريحات القادة الجدد يعتقد الورفلي أن أبرز الأخطاء للسلطة الجديدة هي المتعلقة بتصريحات المنفي التي حددت توحيد الجيش مهام سلطته، وقال: "أعتقد أنه ملف حساس ويلمس مباشرة ميدان القتال المتوتر وكان من الأجدى أن يترك الأمر للأمم المتحدة التي تشرف على لجنة 5 + 5 لتخطو خطوات أكثر في هذا الطريق".
ومضى قائلا: "كيف ستعمل سلطة لا إمكانيات لديها على إقناع قادة سلاح لا يزالون في أرض المعركة بالخضوع لسلطة مدنية"، مؤكدا أن التعهد بتوحيد الجيش بداية العثرات لأن المساس بهذا الملف سيقوض كل المهام الأخرى المتصلة بالمصالحة بين المناطق. وختم بالإشارة إلى أن أغلب تلك المناطق متأثرة بالحرب والمصاعب الاقتصادية المرتبطة بعدم تقسيم موارد النفط الواقع تحت سيطرة طرف مسلح وهو حفتر.