بعدما أصبح البحر الأبيض المتوسط مقبرة جماعية للاجئين الهاربين من الحروب، وتزايدت أعمال العنف والاضطرابات في أوروبا، علت الأصوات المطالبة بضرورة مواجهة هذا الواقع الجديد في القارة العجوز، داعية إلى اتخاذ التدابير والاجراءات العملية اللازمة للحد من تفاقم المشكلة.
وقد شكّلت تطورات الأسابيع الأخيرة التي شهدت تمدّداً لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) واقترابه من الحدود الأوروبية، عامل خوف إضافي من أن يُسهّل ذلك سيطرة التنظيم المتطرف على البحر، ويُمهّد بذلك للتوغل إلى أوروبا أو التعرض لسفنها التي تعبر البحر المتوسط، وهو ما أشار إليه رئيس الحكومة الفرنسية مانويل فالس في كلمة له الأسبوع الماضي في مؤتمر عُقد في مدريد، حين قال "إن الإرهاب أصبح على أبواب أوروبا، والتهديد أصبح خطيراً وجدياً"، في إشارة منه إلى سيطرة تنظيمات متطرفة على عدد من المدن الليبية منها درنة وسرت.
وما أثار القلق الأوروبي أيضاً، الوثائق التي كشفت عنها مؤسسات دولية، منها "كويليام" البريطانية لمكافحة التطرف، والتي أفادت بأن التنظيم سوف يبحر نحو أوروبا بهدف تنفيذ عمليات في أراضيها، وذلك بإرسال جهاديين له بواسطة القوارب التي تُقل مهاجرين غير شرعيين، وخصوصاً أن المسافة التي تفصل بين ليبيا وجنوب السواحل الأوروبية ليست بالبعيدة ما يسهل طريقة الوصول إليها.
وتحدثت وسائل الاعلام الأوروبية أخيراً عن توجّه إلى اعتماد عدد من التدابير للتعامل مع الوضع القائم بعدما أصبحت حاجة ملحّة لدول الاتحاد، وبدأ العمل جديّاً على اقتراح للحد من مكافحة الاتجار بالبشر وعمليات تهريبهم التي تهدد حياة الأفراد مع الأخذ بعين الاعتبار الوضع الأمني السائد.
وتشير المعلومات إلى إمكانية إعادة البحث في اقتراح وزير الداخلية الألماني الأسبق اوتو شيلي، قبل عشرة أعوام، والذي وُصف حينها بأنه "انتهاك للمبادئ الانسانية"، وأصبح اليوم قيد البحث على المستوى الأوروبي بين الدول الأعضاء والمفوضية الأوروبية، ويقضي بإقامة مراكز للهجرة في بلدان النزوح لتنظيم احتياجات الاتحاد الأوروبي للاجئين على أن تشارك البلديات في إدارة هذه العملية عبر تقويم وضع اللاجئين المحتملين.
وتساهم موافقة بلدان العبور المتضررة على إنشاء مثل هذه المراكز في تنفيذ جزء أساسي من الاصلاحات في سياسات اللاجئين، وتساعد في الانخفاض المستدام للهجرة غير الشرعية مع اعتماد التوزيع العادل للاجئي الحروب الأهلية بين جميع الدول الأوروبية، مع الأخذ بعين الاعتبار حجم القوة الاقتصادية والوضع العام للبلد واللغة والمؤهلات الفردية.
اقرأ أيضاً: "التسامح" يتراجع في فرنسا
وفي هذا الإطار، قال مدير برنامج أوروبا وآسيا الوسطى في منظمة العفو الدولية، جون دلهاوزن، "إنه يتعيّن على الاتحاد الأوروبي ودوله استكشاف المزيد من الطرق الآمنة والقانونية إلى أوروبا لكي يسلكها الهاربون من جحيم النزاعات والاضطهاد"، ومنبّهاً إلى أنه يمكن لهذا أن يتم من خلال إعادة التوطين وبرامج الاستقبال الإنسانية وتسهيل لمّ شمل الأسر، إضافة إلى ضرورة مراجعة "أنظمة دبلن" التي تحكم إجراءات معالجة طلبات اللجوء إلى الاتحاد الأوروبي.
وفيما تشير التقارير إلى أن الاتحاد الاوروبي يخطط لاستثمار ما يزيد عن 3 مليارات يورو من أجل تحويل أوروبا إلى قلعة آمنة، فقد تم رصد مبالغ من أجل مساعدة الدول الأوروبية التي تُعتبر ممراً للاجئين، وتم تقديم مبلغ 200 مليون يورو (نحو 223 مليون دولار) أخيراً إلى اليونان لبناء المزيد من الأسوار على حدودها، كما هو الحال في مليلية الإسبانية، وعلى الرغم من ذلك لا يزال هذا المبلغ غير كافٍ بالنسبة إلى أثينا خصوصاً أن كل عشرة كيلومترات من الأسوار كلفتها 30 مليون يورو (نحو 33 مليون دولار).
ويبقى السؤال الذي يطرحه العديد من المحللين حول مدى إمكانية تنفيذ كل هذه الاقتراحات مع تضاعف العدد السنوي للاجئين وزيادة الضغط على المواطنين في أوروبا، على اعتبار أن هناك من بين مئات الآلاف من اللاجئين عدد لا يستهان به من المجرمين و"الإرهابيين" الذين قد يكون من الصعب جداً أو حتى من المستحيل أن يتم اعتراضهم من قِبل سلطات السلامة الأوروبية.
وكان التقرير الأخير لمنظمة العفو الدولية الصادر في نهاية شهر فبراير/شباط الماضي، كشف عن تقاعس من قبل الاتحاد الأوروبي في التعامل مع مآسي اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين القادمين عبر البحر المتوسط، والذي اعتبر فيه أن الاتحاد الاوروبي لم يكن على مستوى مبادئه ولم يتحمل مسؤولياته.
ووصف الأمين العام لمنظمة العفو الدولية سليل الشطي، التحوّل في العمل الأوروبي بـ"الفضيحة" بعدما تم اعتماد العملية الأوروبية "تريتون" في دورها المحصور بمراقبة المياه الاقليمية والتي اكتفت فيها الدول المشاركة بتقديم عدد من السفن والطائرات والمروحيات والاعتماد على عدد من الخبراء من أجل تسجيل المهاجرين، وذلك بدل تلك التي كان قد اعتمدها الايطاليون في العام 2014 وسُميت بـ"عملية نوستروم" التي تقوم على إنقاذ المهاجرين من خلال تأمين سفن تفتيش وتنفيذ عمليات في وسط البحر الأبيض المتوسّط وإمدادهم بالموارد المناسبة. وقد تحدثت معلومات عن عدم الاستجابة لعمليات الاغاثة وعدم مبالاة وتجاهل للمأساة نتيجة إغلاق المعابر البرية في جنوب شرق أوروبا.
وتشير التقارير إلى أن إيطاليا واليونان اللتين تُعتبران دول ممر، متروكتان وحيدتان تواجهان ظاهرة الهجرة غير الشرعية التي تجاوزت كل التوقعات بعيداً عن أي اجراءات لحمايتهما من جيرانهما الفقراء أيضاً، والذين يأتون حاملين صراعاتهم الدينية والعرقية، بعدما لم تعد الأزمات مقتصرة على شعوب القارة الأفريقية التي تتطلع إلى الهرب من الحرب والجوع والفقر والبؤس، وأضيف إليها مواطنو الشرق الأوسط من سورية والعراق وغزة والمناطق التي مزّقتها الحروب الأخرى، كذلك أكثر من مئة ألف كردي هربوا في الفترة الأخيرة عبر الحدود التركية بعدما سيطر "داعش" على مناطقهم.
وكان ممثل مفوضية العليا لشؤون اللاجئين في ألمانيا هانس تين فيلد، أكد أهمية رفع مستوى التضامن داخل أوروبا، معتبراً أن الأمر أصبح الآن أكثر ضرورة من أي وقت مضى.
وقال إنه من بين 28 دولة في الاتحاد الأوروبي، هناك فقط 10 دول فقط يتوافد طالبو اللجوء إليها، مشيراً إلى أنّ المانيا والسويد من أكثر الدول استقبالاً للاجئين، ومذكّراً بأن أوروبا تستقبل عبر برنامجها في المعدل خمسة آلاف لاجئ سنوياً، وأن المفوضية سوف تعمل على رفع هذا العدد إلى 20 ألف شخص كل عام من ضمن خطة حتى العام 2020، وهذا من أجل الرفع من مستوى التضامن مع الدول الأخرى واستضافة عدد أكبر من اللاجئين.
مع العلم أن التقارير تشير إلى أنّ عدد الذين لقوا حتفهم مع نهاية العام الماضي تخطى 3500 شخص وذلك في محاولة مستميتة منهم للوصول إلى أوروبا هرباً من الحرب والاضطهاد والفقر، بواسطة مراكب متهالكة. في حين أوضحت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، أن أكثر من 207 آلاف شخص عبروا البحر المتوسط إلى أوروبا في العام 2014 نصفهم من سورية وأرتيريا، وهو ثلاثة أضعاف العدد الذي كان في عام 2011 والذي بلغ 70 ألف شخص، عندما كانت الحرب الليبية في ذروتها.