هل تشعل "بوليساريو" أزمة بين المغرب ومصر؟

10 مايو 2023
جنود من "بوليساريو" في مناورة إطلاق نار بالقرب من مهيرس بالصحراء الغربية (أسوشييتد برس)
+ الخط -

طرحت مشاركة مساعد رئيس أركان حرب ‏القوات المسلحة المصرية اللواء أركان حرب عصام الجمل، في الاجتماع العاشر لمجلس وزراء الدفاع للدول الأعضاء في "قدرة إقليم شمال أفريقيا"، المنعقد السبت الماضي في الجزائر، بمشاركة قائد عسكري في جبهة "بوليساريو"، تساؤلات بشأن مدى إمكانية أن تؤثر هكذا خطوة على ملف العلاقات بين الرباط والقاهرة.

وكانت العاصمة الجزائرية قد شهدت السبت الماضي، اجتماعا حضره كل من قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أول السعيد شنقريحة، ومساعد رئيس أركان حرب ‏القوات المسلحة المصرية اللواء أركان حرب عصام الجمل، ورئيس هيئة الأركان العامة لحكومة ‏الوحدة الوطنية الليبية الفريق أول محمد علي الحداد، بالإضافة إلى القائد العسكري في "بوليساريو" محمد الولي أعكيك، في حين كان لافتا غياب ممثلين عن تونس وموريتانيا.

وخصص الاجتماع، الذي يعد الأول من نوعه الذي يجمع قادة عسكريين من ليبيا ومصر، مع قيادات عسكرية من جبهة "بوليساريو"، لمناقشة عدد من الملفات المرتبطة بحالة التعاون العسكري وبناء القدرات لجيوش دول المنطقة، وآليات تطوير التعاون بين مكوناتها.

وبينما لم يصدر عن الجانب المغربي إلى حد الساعة أي تعليق عن المشاركة المصرية على وجه الخصوص، يعيد الحادث إلى الأذهان ما عاشته علاقات البلدين من توتر في السنوات الماضية بسبب "بوليساريو"، كان من أبرز صورها زيارة وفد إعلامي مصري كبير، في يونيو/ حزيران عام 2014، لمخيمات تندوف في الجزائر، تلتها حملة صحافية جرى خلالها استضافة زعيم "بوليساريو" السابق محمد عبد العزيز، في العديد من الصحف والمجلات المعروفة بمصر.

كما خيمت أجواء التوتر على علاقات الرباط والقاهرة، بعد زيارة وفد مصري رسمي، يرأسه وكيل وزارة الثقافة، بين 24 و26 أكتوبر/ تشرين الأول 2014، لمخيمات تندوف بالجزائر، حيث التقى بمسؤولين من "بوليساريو" من بينهم زعيم الجبهة.

وبينما سارعت مصر عبر سفارتها بالرباط إلى نفي وجود أي مسؤول مصري في مخيمات تندوف، معتبرة أن "الزيارات التي يجريها أفراد مصريون إلى تندوف لا تتعلق بالدولة المصرية"، كان لافتا اختيار الرباط لغة "الصمت" في تدبير "توتر" مع القاهرة، إثر مشاركة وفد من جبهة "بوليساريو" في مؤتمر البرلمان العربي الأفريقي بمدينة شرم الشيخ المصرية في أكتوبر/ تشرين الأول 2016.

بالمقابل، اختارت القاهرة آنذاك لغة "التوضيح" لتجنب أزمة مع الرباط، حيث قال رئيس لجنة الإعلام والثقافة بمجلس النواب أسامة هيكل، في تصريح لصحيفة محلية إن البرلمان المصري لم يوجه أي دعوات رسمية لوفد "بوليساريو" للمشاركة في الاحتفال بمرور 150 عاما على تأسيسه.

ولئن كان البلدان قد دشنا مساراً جديداً لتعزيز التعاون الثنائي، خلال زيارة لوزير الخارجية المصري سامح شكري إلى العاصمة المغربية الرباط في التاسع من مايو/ أيار من العام الماضي، من خلال تفعيل آليات التنسيق السياسي والاقتصادي وتعزيز التبادل الثقافي، إلا أن مشاركة مسؤول عسكري مصري رفيع إلى جانب قائد "بوليساريو"، يطرح تساؤلات عدة حول مدى انعكاسه سلباً على علاقات الرباط والقاهرة.

بحسب رئيس "المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية" نبيل الأندلوسي، فإن "سؤالين مركزيين مهمين يمكن طرحهما على هامش هذا الاجتماع، وهما خلفيات الموقف المصري وأهدافه، وكذا خلفيات موقف كل من تونس وموريتانيا بخصوص عدم الحضور في هذا الاجتماع، ومدى علاقته بإمكانية تغير الموقف من الجبهة الانفصالية، وراعيتها الجزائر".

ورأى الأندلوسي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "مقابل الفشل الجزائري في إقناع كل من تونس وموريتانيا، يجب الانتباه إلى الموقف المصري، الذي لا يمكن للدبلوماسية المغربية أن تتقبله، وإن أحجمت عن الرد اعتبارا للإطار الذي انعقد فيه، وهو الاتحاد الأفريقي، الذي ما زالت بوليساريو عضواً فيه".

وقال: "الحضور الليبي يمكن فهم أسبابه، خاصة في ظل الأوضاع التي يمر فيها الشعب الليبي، والانقسام الداخلي الحاصل، والذي يستغله النظام الجزائري للتأثير على طيف من القيادة العسكرية الليبية، لكن الحضور المصري يحتاج إلى تحليل وقراءة لفهم الرسالة التي يريد النظام المصري إرسالها للمغرب".

وأضاف موضحا: "لا يمكن الارتهان إلى القراءة السطحية على أساس أن الاجتماع قد تم في إطار إحدى منظمات أو آليات الاتحاد الأفريقي، إذ إن اجتماع قيادات عسكرية تمثل الجيش المصري مع فصيل انفصالي يهدد دولة عضو بجامعة الدول العربية خطأ أو سوء تصرف دبلوماسي تجاه المملكة المغربية".

واعتبر أن الحضور المصري لهذا الاجتماع يشوش، ولا شك، على العلاقات الدبلوماسية المغربية المصرية، إلا أنه من المستبعد أن يرقى إلى مستوى اتخاذ موقف حاد من الجانب المغربي.

ويقدر الأندلوسي أن الجانب المغربي "لن ينزلق إلى الفخ الجزائري عبر فتح مواجهة مباشرة مع مصر، رغم هذا الخطأ الدبلوماسي"، معتبرا أن "معركة المغرب يجب أن تستمر على مستوى الاتحاد الأفريقي، لإخراج الجبهة من هذه المنظمة، لكونها البوابة التي تستغلها الجزائر لاستهداف المصالح الاستراتيجية للمغرب والترويج لـ(بوليساريو) وأطروحتها الانفصالية".

من جهته، اعتبر مدير "مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية"، عبد الفتاح الفاتيحي، أن الترويج لصورة جلوس مدعوين عسكريين من مصر وليبيا في اجتماع جزائري محلي إلى جانب ممثل "بوليساريو"، لا يمكن تحميلها دلالات سياسية مباشرة، طالما أن الأمر ليس امتدادا لموقف سياسي جديد لمصر وليبيا من قضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية.

ورأى الفاتيحي، في حديث مع "العربي الجديد "، أنه بناء على ذلك، "تبقى الدعوة لهذا الاجتماع سعيا جزائريا لاستغفال مصر وليبيا أو نصب شرك لمدعوين حضروا بحسن نية وآخرين لم يحضرا كما هو الحال بالنسبة لتونس وموريتانيا".

غير أن ذلك لا يعفي مصر وليبيا من توظيف رموزهما الوطنية والسيادية لاختلاق مواقف سيادية مسيئة لقدسية مبدأ الوحدة الترابية للدول الصديقة، يقول الفاتيحي، معتبرا أن "استمرار عضويتهما إلى جانب (بوليساريو) سيسائلهما أخلاقيا وسياسيا ودبلوماسيا".

وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري، قد أكد، خلال زيارته للمغرب في التاسع من مايو/ أيار من العام الماضي، دعم بلاده للوحدة الترابية للمملكة المغربية والتزامها الحل الأممي لقضية الصحراء، وكذا تأييدها لما جاء بقرارات مجلس الأمن ممثلة في القرار رقم 2602، الذي رحب بـ"الجهود المغربية المتسمة بالجدية والصدقية، والرامية إلى المضي قدماً نحو التسوية السياسية".

المساهمون