هل تتخلى واشنطن عن سياسة "الغموض الاستراتيجي" حيال تايوان؟

05 اغسطس 2022
تتناغم زيارة بيلوسي مع اعتقاد ديمقراطيين بـ"ضعف الأداء الخارجي" للرئيس بايدن (Getty)
+ الخط -

أثارت زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايوان يوم الثلاثاء الماضي، ولا تزال، الكثير من الجدل والتباين في واشنطن. فقد رأى الصقور فيها خطوة في محلها كتحذير وردّ على "تنمّر" بكين في المدة الأخيرة، فيما اعتبرها العارفون في شؤون السياسة الخارجية وتعقيدات وحساسيات العلاقة مع الصين زيارة كيدية غير مسؤولة ولا مدروسة، بل خطيرة في هذا الظرف الدولي الدقيق.

الأصوات المعترضة على الزيارة، أو على الأقل المتحفظة عليها، كانت أقوى. من حيثياتها أن سياسة "الغموض الاستراتيجي" التي تعتمدها واشنطن منذ 1979، بعد أن تخلت عن معاهدة الدفاع المشترك مع الجزيرة وأقامت علاقات دبلوماسية مع بكين، خدمت الولايات المتحدة، وهي لا تحتمل أي اختلال في توازنها. من مكاسبها أن التعهّد بتسليح تايوان للدفاع عن نفسها وفّر للجزيرة الحماية من دون التزام واشنطن بالدفاع المباشر عنها. استلزمت هذه المعادلة دراية عالية بأهمية الابتعاد عن أي خطوة استفزازية لبكين، مثل قيام مسؤولين أميركيين كبار بزيارة الجزيرة، لئلا يوحي ذلك بنية الارتداد عن هذه السياسة التي ضمنت، وإن بصورة ملتوية، تابعية الجزيرة مبدئياً للأراضي الصينية.

ولهذا، لم يسبق أن قام مسؤول بوزن بيلوسي، التي يحتلّ موقعها الرقم 3 في هرم السلطة الأميركية، بزيارة تايوان إلا مرة واحدة في أواسط تسعينيات القرن الماضي، حين زارها رئيس مجلس النواب الجمهوري نيوت غينغريتش، ومن باب المزايدة آنذاك على الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون. بيد أن معطيات الزمن الراهن تغيرت، وصارت بكين أكثر ميلاً، بل إصراراً، على تطوير سياسة "الغموض"، والعمل على ترجيح كفة تفسيرها لمصلحتها، وبما يؤكد إصرارها على استعادة سيادتها على تايوان كما فعلت بالنسبة لهونغ كونغ.

ولهذا، سُجّلت مآخذ قوية على الرئيس جو بايدن بسبب ضعف موقفه من زيارة بيلوسي، واكتفائه بنصيحة خجولة لها بأن تصرف النظر عنها، على أساس أن البنتاغون، لا هو، "لا يراها مناسبة". وكأنه كان ضمناً مع هز عصا من المقعد الخلفي للقيادة الصينية التي أعطى الصراع معها أولوية، لكن حرب أوكرانيا خرّبت عليه حساباته هذه.

غير أن لخطوة بيلوسي جانباً آخر، وفق بعض القراءات، ويتلخص في تنامي أجواء التحدي الخارجي في الكونغرس، وبالذات في صفوف الحزب الديمقراطي الذي يأخذ على الرئيس "ضعف أدائه الخارجي". وكان ذلك قد تبدّى في الانتقادات القاسية لزيارته السعودية، كما في بطء تزويد إدارته أوكرانيا بالأسلحة، والقيام بذلك "على جرعات"، بدلاً من تلبية حاجاتها "بالغزارة" المطلوبة كما يريد الصقور. فبحسابات هذه الأوساط، التهاون مع "الهجمات" التي تقوم بها بكين في جنوب بحر الصين، كما في أجواء ومياه تايوان، من شأنه أن يؤدي إلى تفاعلات لعبة الدومينو لو تركت الأمور على حالها. وتخوفها من أن يقود تهاوي الحجر الأول، وهو في هذه الحالة تايوان، إلى تساقط الحجارة التالية المشابهة، كما تساقطت بالاستطراد لاوس وكمبوديا في أعقاب سقوط سايغون. ويحذر أصحاب هذا التعليل من أن تؤدي عودة تايوان إلى الأرض الصينية إلى "استباحة" الساحات المجاورة التي تربطها بواشنطن اتفاقيات دفاع مشترك، مثل الفيليبين وأستراليا.

لكن هذا التحليل يحذر كثر من مبالغته ومغالطات المقارنة بينه وبين سوابق في تلك المنطقة، لم يكن من بين خصوصياتها ما يجمعها بقضية ووضعية تايوان. ربما راهنت بيلوسي على أنّ تعثّر "الصديق" الروسي للصين في حرب أوكرانيا قد يكون فيه الدرس الكافي لعدم تورط بكين في مواجهة مع تايوان، وبما يسمح بالتالي باستفزازها من من دون كلفة، بيد أن هذه الأخيرة ردت بمناورات بحرية حول الجزيرة تستمر حتى الأحد المقبل، تستعرض فيها قدراتها على حصار تايوان.

ولا تخفي بعض الجهات قلقها من خروج الأمور عن مسارها، والتسبب باحتكاك ما مع القوات التايوانية، في وقت لا تقوى فيه واشنطن على إدارة أزمتين، إن لم يكن مواجهتين، في آن، مع الخصمين الكبيرين.

تقارير دولية
التحديثات الحية

مضيق تايوان شهد أزمة أميركية - صينية في 1995 - 1996 استمرت 8 أشهر، بسبب زيارة الرئيس التايواني إلى جامعة كورنيل الأميركية، والتي لا تقاس بالمنظور الصيني مع خطورة زيارة بيلوسي، التي تعهدت في كلمتها أثناء استقبالها في تايبيه، بـ"عدم تخلي" الولايات المتحدة عن الجزيرة. وكان الرئيس بايدن قد ذهب إلى أبعد من ذلك خلال مقابلة في يوليو/تموز الماضي، عندما هدد صراحة بالخيار العسكري في حال قامت بكين باجتياح تايوان، ولو أن البيت الأبيض تراجع عنه بسرعة. خشية المتخوفين تكمن في أن يؤدي هذا التصعيد في الخطاب الأميركي، والتوسّع في تفسير سياسة "الغموض الاستراتيجي"، إلى ما أدت اليه سياسة توسيع حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أوروبا.

المساهمون