هل تتحقق "نبوءة" يفغيني بريغوجين في كورسك بعد عام من مقتله؟

23 اغسطس 2024
جندي أوكراني وسيدة روسية في سودجا بكورسك، 16 أغسطس 2024 (يان دوبرونوسوف/رويترز)
+ الخط -

مع إطالة أمد التوغل الأوكراني في مناطق شاسعة في مقاطعة كورسك الروسية الذي بدأ في السادس من أغسطس/آب الحالي، انتشر على المواقع الروسية للتواصل الاجتماعي تسجيل صوتي سابق منسوب إلى مؤسس مجموعة فاغنر العسكرية، يفغيني بريغوجين، الذي تحلّ اليوم الجمعة، الذكرى السنوية الأولى لمقتله في حادث طيران غامض في ضواحي العاصمة الروسية موسكو، تحدث فيه عن عرض تقدّم به إلى وزارة الدفاع الروسية لتولّي تدريب الأفراد في المقاطعات الحدودية. قوبل عرض بريغوجين بالرفض حينها، بعد أن رد عليه وزير الدفاع الروسي آنذاك، سيرغي شويغو، قائلاً بسخط: "يفغيني فيكتوروفيتش (تتم مناداة الشخص باسمه واسم والده في التقاليد السلافية الشرقية احتراماً)، لا تتدخلوا في ما لا يخصكم. الجيش الروسي قادر على حماية الحدود بنفسه". كذلك انتشرت على القطاع الروسي من الإنترنت، تحذيرات يفغيني بريغوجين من "أنه إذا لم نبدأ بإقامة منطقة عازلة في مقاطعة خاركوف (التسمية الروسية لخاركيف الأوكرانية)، فسنضطر لإقامتها في مقاطعتي كورسك وبيلغورود (الروسيتين)".


يفغيني بيرسينيف: كان على علم بالوقائع ولكن صوته لم يجد أذناً صاغية

مقتل يفغيني بريغوجين

لقي يفغيني بريغوجين مصرعه في 23 أغسطس 2023 جراء تحطم طائرته الخاصة من طراز "إمبراير" في مقاطعة تفير الواقعة شمال غربي موسكو. وإلى جانبه كان على متن الطائرة قائد قوات فاغنر دميتري أوتكين، وثمانية أشخاص آخرين لقوا جميعاً مصرعهم. ومن اللافت أن واقعة مقتل يفغيني بريغوجين حدثت بعد شهرين على محاولة مجموعته تدبير تمرد عسكري والزحف صوب موسكو في 24 يونيو/حزيران 2023، على وقع تفاقم الخلافات بين "فاغنر" وقيادة وزارة الدفاع الروسية على خلفية نقص الذخيرة الموردة إلى تشكيلات الشركة. وقبل تمرده، سجل يفغيني بريغوجين، في مايو/أيار 2023، كلمة غاضبة مليئة بألفاظ مسيئة إلى شويغو ورئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية فاليري غيراسيموف، حظيت بمئات الآلاف من المشاهدات، طالبهما فيها بتوفير الذخيرة لأفراده، محملاً إياهما المسؤولية عن سقوط أعداد مفرطة من القتلى في صفوف "فاغنر"، ومتوعداً بالانسحاب من مدينة باخموت في الشرق الأوكراني. وبعد مقتل يفغيني بريغوجين غابت "فاغنر" عن ساحة الحرب الروسية الأوكرانية، مركزة أعمالها في أفريقيا. لكن مع انطلاق الهجوم الأوكراني على كورسك في السادس من أغسطس الحالي، انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات المقربة من "فاغنر" على تطبيق تليغرام الأنباء عن تأكيد الشركة استعدادها للمشاركة في صد الهجوم الأوكراني، وحتى عن توجّه قسم من أفرادها من أفريقيا إلى روسيا، بلا تأكيد رسمي لذلك.

حول ذلك، شكك الخبير المستقل في شؤون الشركات العسكرية الخاصة، يفغيني بيرسينيف، في فاعلية "فاغنر" في العمليات الدفاعية في كورسك، نظراً لطبيعة تشكيلاتها المتمرسة على الأعمال الهجومية، مقللاً في الوقت نفسه من أهمية الهالة حول شخصية يفغيني بريغوجين وقدرته على "التنبؤ" بما آلت إليه الأمور في المناطق الحدودية. وقال بيرسينيف لـ"العربي الجديد": "لا تزال شركة فاغنر قائمة ولكن بلا قيادة انفرادية، على عكس ما كان عليه الوضع في عهد يفغيني بريغوجين وأوتكين، وتوزعت مهام أفرادها جغرافياً بين أفريقيا وأوكرانيا تحت قيادات متفرقة وبلا صخب إعلامي". وشكك في صحة الأنباء حول توجه عناصر "فاغنر" من أفريقيا إلى كورسك لصد الهجمات الأوكرانية، مضيفاً: "من وجهة النظر العسكرية لا جدوى من توظيف عناصر فاغنر في مقاطعة كورسك التي تتعرض لهجمات يشنها الجيش النظامي الأوكراني تتطلب تصدياً ورداً دفاعياً من القوات النظامية الروسية أيضاً، وليس من أفراد فاغنر المدربين بالدرجة الأولى على تنفيذ عمليات هجومية واقتحامات". ورفض بيرسينيف وصف تحذيرات يفغيني بريغوجين من الهجمات الأوكرانية على المناطق الحدودية بأنها "نبوءة"، قائلاً: "أي تنبؤات عسكرية دقيقة هي نتيجة لتحليل دقيق لمعلومات موثوق بها، ويفغيني بريغوجين كان على علم بالوقائع على الأرض، ولكن صوته لم يجد أذناً صاغية".


دينيس كوروتكوف: لم يتم إيجاد بديل لبريغوجين على رأس "فاغنر"

وعلى الرغم من مرور عام على مقتل يفغيني بريغوجين إلا أن جهات التحقيق الروسية لم تكشف عن أي نتائج قد يكون تم التوصل إليها فيما يخص ملابسات مقتله، في حين استبعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، احتمال تعرض الطائرة لتأثير خارجي، مستشهداً في ذلك بتقرير لرئيس لجنة التحقيق الروسية ألكسندر باستريكين، وزاعماً العثور على شظايا قنبلة يدوية بجثامين القتلى. ومع ذلك، جزم الصحافي بمركز "دوسيه" للصحافة الاستقصائية، دينيس كوروتكوف، أن أياً من الأجهزة الأمنية الروسية ما كان لها أن تنفرد بتدبير مثل هذه الحادثة بلا أمر مباشر من بوتين أو موافقته ومباركته على الأقل. وقال كوروتكوف الذي كان من أوائل الصحافيين الروس الذين أعدوا تحقيقات استقصائية حول أنشطة "فاغنر" في سورية، لـ"العربي الجديد": "لم ولن تقدم جهات التحقيق أي نتائج للرأي العام، والأمر واضح للجميع، فأي من الأجهزة الخاصة ما كان لها أن تنفرد بمثل هذا الفعل بلا أمر من بوتين أو موافقته على الأقل حتى إذا لم يكن هو نفسه صاحب فكرة الاغتيال". إلا أن كوروتكوف قلل في معرض حديثه عن أسباب تمرد "فاغنر" من أهمية مزاعم يفغيني بريغوجين أن وزارة الدفاع لم تكن توفر له الذخيرة، مضيفاً: "طبيعة الشركات العسكرية الخاصة لا تقتضي خوض حروب طويلة، وكانت عمليات فاغنر مثل اقتحام باخموت عالية الكلفة من جهة استهلاك الذخيرة وسقوط قتلى بين الأفراد، ولكن حسب علمي، كانت مجموعته تحصل على كميات أكبر من الذخيرة مقارنة مع الوحدات الأخرى".

تشتت عناصر "فاغنر"

خلص كوروتكوف إلى القول إن شركة "فاغنر" بصورتها المعتادة لم يعد لها وجود، قائلاً: "لم يتم إيجاد بديل ليفغيني بريغوجين في المنظومة السياسية والعسكرية الروسية، وفاغنر لا وجود لها اليوم، وعناصرها تشتتوا بين الفيلق الأفريقي وكتيبة أحمد الشيشانية وغيرها من الوحدات بإراداتهم". وكان كوروتكوف المقيم خارج روسيا حالياً، قد نشر في مارس/آذار 2016، تحقيقاً استقصائياً بصحيفة فونتانكا الإلكترونية المستقلة في سان بطرسبرغ، كشف فيه عن مشاركة "فاغنر" غير المسجلة رسمياً وغير المعروفة حينها في أعمال القتال في سورية ومقتل عشرات من أفرادها أثناء عملية تحرير مدينة تدمر من تنظيم داعش. ومنذ ذلك الحين ذاع صيت الشركة عالمياً، وسط تردد شائعات حول ارتباطها باسم يفغيني بريغوجين الملقب حينها بـ"طباخ بوتين"، نظراً لتركيز أعماله بقطاع المطاعم وإمداد الطعام إلى الكرملين ووزارة الدفاع الروسية، قبل أن يخرج من الظل إلى العلن بعد بدء الحرب الروسية المفتوحة في أوكرانيا عام 2022، وسط انتشار مقاطع فيديو له أثناء ذهابه إلى الإصلاحيات لتجنيد السجناء للقتال.

المساهمون