نشرت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية تقريرا، تحدثت فيه عن تحولات جذرية في مواقف وخيارات الدبلوماسية الجزائرية، والتخلي عن سياسات الاسترضاء وتوجهها نحو دبلوماسية المواجهة، وما وصفتها "باستعراض العضلات"، دون الاكتراث لأية ردود فعل اتجاه التوجه الجديد.
وأكد التقرير الذي نُشر مساء الثلاثاء، أن الدبلوماسية الجزائرية "كسرت أغلال الجمود، لأنه من خلال محاولة إرضاء القوى الغربية والشرقية، لم تحصل الجزائر على استثمارات أجنبية مباشرة ولا على التزامات، ولا على الاعتراف ولا على تحالفات استراتيجية، ولا حتى على الاحترام الذي تستحقه كأمة".
وأوضح التقرير أن الدبلوماسية الجزائرية ستنتهج خيار استعراض العضلات، مؤكدا أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قرر إحداث القطيعة مع الأسلوب السابق للدبلوماسية الجزائرية، مشيراً إلى عهد نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، والذي وصفه التقرير بأنه وضع البلاد في "وهم القوة، الذي تباهى بها النظام القديم على مدار عقدين من الزمن".
وأكدت الوكالة أن الجزائر وفقا للخيارات الجديدة "لن تكتفي بالدور الثانوي الذي تمنحها إياه الجيوسياسية العالمية"، لكنها ستتوجه نحو "دفع حدود الممكن في العلاقات الدولية، والذي يتطلب مرونة وشجاعة كبيرة".
وأشارت إلى أن "المضي ضد التيار السائد الذي يحمي الكيان الصهيوني، من أجل الحفاظ على الإنسانية في فلسطين، هو طريقة لعدم إنكار هويتنا الثورية القائمة على الحرية والعدالة".
وفي الغالب يتم إعداد هذه التقارير على مستوى سياسي في هيئات عليا كالرئاسة، لنشرها في الوكالة، وهو ما يعطي لهذه التقارير طابعا شبه رسمي.
واعتبر تقرير الوكالة الجزائرية أن "الرئيس عبد المجيد تبون ليس مهتما بالحصول على "البريستيج الدولي (استرضاء دولي)، بل لديه هدف واحد أو بالأحرى مؤشر وحيد قد بدأ يظهر الآن للعيان ألا وهو استقلالية الجزائر الاستراتيجية" بعيدا عن كل "ضغوطات الابتزاز والخضوع والتبعية، حتى وإن اقتضى الأمر خوض الصعاب".
ويفسر التقرير في سياقه العام بحسب الكثير من المتابعين، سلسلة مواقف دبلوماسية حادة تبنتها الجزائر في الفترة الأخيرة اتجاه كثير من الأطراف الإقليمية والعربية والغربية، ودخول البلاد في أزمة سياسية حادة مع عدد من الدول وبشكل غير مسبوق بالنسبة للجزائر، خاصة مع دول تتعرض فيها العلاقات معها لأزمة للمرة الأولى كالنيجر ومالي، إضافة الى كل من المغرب والإمارات واسبانيا وفرنسا، وكذا إلى صدام في المواقف داخل مجلس الأمن مع الولايات المتحدة بشأن القضية الفلسطينية.
ويرد التقرير في نفس السياق على حزمة انتقادات وجهتها نخب جزائرية إلى السلطة نتيجة تعدد الأزمات الدبلوماسية للجزائر في الفترة الأخيرة مع عدد من الدول، والمخاوف من أن يؤدي ذلك إلى عزلة سياسية للجزائر.
الدبلوماسية الجزائرية: منحى جديد
وفي السياق، يؤكد عضو لجنة العلاقات الجزائرية الروسية في البرلمان الجزائري عبد السلام باشاغا أن "الخطابات الأخيرة لوزير الخارجية أحمد عطاف في كثير من المنابر العربية والأفريقية والدولية، ومجموعة مواقف عبرت عنها الجزائر في الفترة الأخيرة، تؤكد وجود منحى جديد للدبلوماسية الجزائرية".
وأضاف باشاغا أن هذا المنحى قد يستدعي تحضير بعض الأوراق الضاغطة وتوظيفها لتحقيق وحماية المصالح الجزائرية، خاصة ذات الصلة بالأمن والاستقرار في الإقليم، مشيرا إلى أن "هناك الكثير من المبررات التي تدفع الجزائر إلى هذا الاتجاه، خاصة مع التراجع الكبير لمواقف الإجماع العربي والإقليمي بشأن الكثير من القضايا، وعلى رأسها القضية الفلسطينية".
من جانبه، يعتقد الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية في منطقة الساحل عمار سيغة، أن "هناك متغيرات قد تكون وضعت الدبلوماسية الجزائرية في خضم مقتضيات المعطى الاستراتيجي، وهو معطى فرض على الجزائر إعادة تقدير سياساتها، وفقا لمعالم العلاقة التي تجمع بين الأمن القومي الجزائري والدائرة المتوسطية والأفريقية بمعناها الجيوسياسي ضمن الأطر الأمنية والاستراتيجية".
سيغة: حالة من الإفلاس السياسي والدبلوماسي باتت تعيشه دول الجوار الإقليمي للجزائر
وأضاف سيغة: "كما أن تعدد مصادر التهديدات الأمنية التي تواجهها الجزائر، والترهلات الإقليمية والتوترات الحاصلة كعنصر تأثير إقليمي على الجزائر، ربما تكون فرضت على الجزائر تغيير قواعد ومحددات دبلوماسيتها".
وتابع أن "الدبلوماسية الجزائرية عرفت عودة قوية، مع تعاظم الأدوار المتقدمة للفعل الدبلوماسي الجزائري، في ظل ضبابية المشهد الدولي وقتامة الصورة بالنسبة لصانع السياسة الخارجية في العديد من الدول التي تعرف قصورا في فهم وإدراك الفواعل الدولية وتفسيرها والتعامل الواقعي معها".
وأشار الباحث إلى حالة من الإفلاس السياسي والدبلوماسي باتت تعيشه دول الجوار الإقليمي للجزائر، كمالي والنيجر وغيرها.