هل تبخر حلم الاتحاد المغاربي بسبب خلافات الأنظمة؟

18 فبراير 2021
مواقف المختصين تتباين حول حلم الاتحاد المغاربي (فرانس برس)
+ الخط -

أحيت دول المغرب العربي، يوم أمس الأربعاء (17 فبراير/شباط) الذّكرى الثّانية والثّلاثين لتأسيس اتحاد المغرب العربي، وسط تساؤل الشعوب المغاربية حول جدوى هذا الاتحاد، وإذا ما كان الحلم قد دفن إلى الأبد بسبب خلافات الأنظمة.

وفي الوقت الذي شدد فيه الرئيس التونسي قيس سعيد على أن هذا المشروع لا يزال الخيار الاستراتيجي للبلدان المغاربية؛ فإن مواقف المختصين تتباين حوله بين من يعتبره حلماً لا يزال قائماً وبين من يرى أنه انتهى.

وقال سعيّد إن الدول المغاربية تواجه العديد من التحديات المتزايدة والمتنوّعة، ما يتطلب مواصلة الجهود من أجل مزيد الدفع بالعمل المشترك والارتقاء به إلى مراتب أفضل وتعزيز الاندماج والتكامل.

وأكّد، في بيان للرئاسة التونسية، مساء أمس الأربعاء، على تمسّك تونس الثابت باتحاد المغرب العربي كخيار استراتيجي، وإيمانها القوي بضرورة دعم أركان هذا الفضاء الحيوي الذي يمثّل مكسباً مهماً لتحقيق مصالح الشعوب المغاربية نحو المزيد من المناعة والاستقرار والنماء، بحسب بيان لرئاسة الجمهورية.

بدوره، أكد رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية في تونس، رفيق عبد السلام، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الحلم لا يزال قائماً لدى الشعوب المغاربية، رغم تراجع المشروع بسبب كثرة التجاذبات والعجز عن تحقيق هذا الحلم"، مؤكداً أن هناك مسافة كبيرة بين تطلعات الشعوب والمنجز على أرض الواقع.

وتابع أن "أقصى ما تطمح إليه الشعوب المغاربية اليوم هو وقف الانحدار نحو مزيد من السلبية، خاصة بين الجارتين الجزائر والمغرب"، مشيراً إلى أنه يؤمل انفراج الوضع، ولكن لا تزال الأجواء غير جيدة حول قضية قديمة بين هاتين الجارتين، رغم أن دول المغرب العربي تعتبر من أقرب الشعوب لبعضها البعض، ومتجانسة على مستوى التركيبة السكانية والثقافية، ولكن الوحدة الثقافية والسكانية لا تتلاقى على مستوى التكامل السياسي، ما يجعلها تخسر معدلات نمو مهمة بسبب كلفة غياب المغرب العربي.

وبين عبد السلام أن تونس يمكنها عملياً، وعن طريق إرادة سياسية مشتركة، التخفيف من منسوب التأزم بين مختلف البلدان المغاربية، وبإمكانها تقريب وجهات النظر، خاصة في ظل علاقاتها المتميزة مع الجزائر والمغرب، مؤكداً أن الثقل الحقيقي لحل الأزمة يبقى لدى الجزائر والمغرب.

إلى ذلك، يرى المحلل السياسي مهدي ثابت أن المغرب العربي هو حلم شعوب منطقة المغرب العربي، وله مبرراته من الناحية الواقعية وطبيعة الجغرافيا وجل المقومات الثقافية والاقتصادية، التي تجمع بلدان المغرب العربي، وهي التي يمكن أن تكون رافداً أساسياً لتشكيل وحدة مغاربية في شمالي أفريقيا وبناء مشروع قابل للتحقيق.

وأضاف ثابت لـ"العربي الجديد" أنه على أرض الواقع يبقى السؤال هو: هل يمكن تحقيق الحلم أم أن الصعوبات لا تزال كبيرة؟ موضحاً أن الحلم سيبقى قائماً ولكن المشكلات في المنطقة لا تزال عائقاً أمام بداية تجسيد المشروع وإحداث تكامل اقتصادي.

ولاحظ أن تحقيق حلم الاتحاد المغاربي مشروع، ولكن لا تزال قضية الصحراء المغربية معوقاً أساسياً؛ فالجزائر تتمسك بأن تكون لها إطلالة على المحيط الأطلسي من خلال المنطقة المتاخمة للصحراء الغربية، وتريد استقلال الصحراء؛ في حين أن المغرب يعتبرها امتداداً لأرضه ومسألة مهمة ومقدسة، وهو ما يجعل الإشكال قائماً إلى اليوم.

وتابع ثابت أنه بمجرد حل إشكالية الصحراء الغربية سيتم قطع خطوة مهمة نحو حلم الاتحاد المغاربي، خاصة أن الوضع في تونس وليبيا تغير نحو الديمقراطية، وتم قطع خطوات في المسار السياسي، وبالتالي لا يمكن الحديث عن اتحاد مغاربي إلا إذا كانت هناك حكومات تؤمن بالقرار الشعبي.

ويرى أن ثمة عاملاً إيجابياً يدفع للتفاؤل، هو تقدم الديمقراطية في المنطقة المغاربية، ما قد يعجّل بهذا المشروع، وبالتالي فالحلم لم ينته، وأحلام الشعوب لا يمكن اختزالها بالسنوات، مبيناً أن هذا المشروع سيكون مشروعاً مستقبلياً في ظل الإرادة الشعبية وليست السياسية.

ولاحظ أن المعوقات ليست داخلية فقط بل حتى خارجية؛ لأن أي قوى مهيمنة لا تسمح ببروز تكتل داخل أفريقيا يكون قادراً على تغيير المعطيات الاستراتيجية في ظل الثقل الاقتصادي والديمغرافي لبلدان المغرب العربي، وبالتالي هي لن تتنازل بسهولة عن مصالحها، ولكن الأمل يبقى في الشعوب التي تستطيع تجسيد الحلم.

وأكد الباحث في الشأن العربي، خليفة حداد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه رغم مضي عدة أعوام على إرساء مشروع الاتحاد المغاربي، ولكن واقعياً لا يوجد هيكل اسمه الاتحاد المغاربي، وكأن المشروع لم يعد يهم أحداً، فكل قطر مغاربي غارق في مشكلاته الخاصة، ولا تزال الحدود بين الجزائر والمغرب تعيش تجاذبات منذ التسعينيات، كما أن ليبيا تعيش مشكلاتها الخاصة، والوضع في تونس مؤلم، ولا حديث عن دبلوماسية فعالة بل هي شبه غائبة.

وأضاف أن الجزائر تعيش حراكاً شعبياً، وبالتالي فمشروع الاتحاد لم يكن من مخرجات مسار شعبي، بل هو اتحاد سياسي ووظيفي انتهى بمجرد عجز الأنظمة التي لم تتمكن من الاستمرار فيه فتفكك.

وبين حداد أنه في ظل الصراع الإقليمي الحقيقي والقوى المتصارعة على النفوذ؛ لا يوجد حضور لأقطار المغرب العربي، مؤكداً أن الشعوب في حاجة لخطاب عقلاني يبحث عن المصالح المشتركة بعيداً عن أي خطاب تعبوي، مشيراً إلى أنه يرى أن صفحة هذا المشروع طويت رغم تمسّك البعض بشكليات الاتحاد المغاربي وذكراه.

المساهمون