مجلس النواب الليبي يغير رئاسة مجلس القضاء.. هل تؤجل الانتخابات تحت ذريعة تعديل قوانينها؟
لا يزال الغموض يكتنف مصير الانتخابات الليبية، التي من المفترض أن تجرى في 24 ديسمبر/كانون الأول الحالي، في وقت برزت فيه معضلة جديدة ربما تزيد من حدة التعقيدات الحاصلة في المسار الانتخابي، وتتعلق بإصدار مجلس النواب قانوناً لتغيير رئاسة المجلس الأعلى للقضاء المناطة به عملية الفصل في الطعون ضد المرشحين للانتخابات الرئاسية والاستئناف عليها.
وأعلن المجلس الأعلى للقضاء عن عقد أول اجتماع له برئاسته الجديدة، اليوم الثلاثاء، وذلك بعد ساعات من الجدل حول صحة إصدار مجلس النواب قانوناً لتعديل رئاسة مجلس القضاء يحمل رقم 11 لسنة 2021، وموقع يوم الأحد الماضي، تداولته وسائل إعلام أمس.
ونشر المجلس، عبر صفحته الرسمية على فيسبوك، صور اجتماعه الأول بهيكل رئاسته الجديد، مؤكداً أنه وضع "القانون رقم 11 لسنة 2021 موضع التنفيذ".
وذكر أن الاجتماع "ناقش عدة موضوعات تتعلق بالشأن القضائي"، لافتاً إلى أنه "تم برئاسة رئيس إدارة التفتيش على الهيئات القضائية مفتاح القوي، ونائب رئيس المجلس، المستشار النائب العام الصديق الصور".
وارتبكت تصريحات مسؤولي مجلس النواب بشأن تسرب صورة من القانون، إذ أكد رئيس مجلس النواب المكلف فوزي النويري، في تصريح سابق لـ"العربي الجديد"، أنه فوجئ بتداول وسائل الإعلام صورة من القانون، ولفت إلى أن "هيئة رئاسة مجلس النواب تحقق في الأمر".
من جهته، أكد المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب عبد الله بليحق، في تصريحات صحافية، أن المجلس سيصدر توضيحاً بشأن القانون "خلال جلسته الأسبوع المقبل".
الحافي لم يسلم رئاسة المجلس
ويقضي القانون الذي صدر بتاريخ الأحد الماضي، وسربته وسائل الإعلام، أمس الإثنين، بإجراء تعديل على القانون المؤسس للمجلس الأعلى للقضاء، وتغيير رئاسته الحالية، عبر تعيين رئيس إدارة التفتيش على الهيئات القضائية مفتاح القوي رئيساً للمجلس الأعلى للقضاء، بديلاً عن محمد الحافي رئيس المحكمة العليا، وتعيين رئيس مكتب النائب العام الصديق الصور نائباً له.
وفي المقابل، أكد رئيس المجلس الأعلى للقضاء محمد الحافي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه لم يسلم رئاسة المجلس، وقال "لم يتم إبلاغي وأعضاء المجلس بالإعلان الذي صدر اليوم".
وحول إصدار مجلس النواب قانوناً لتغيير رئاسة مجلس القضاء، أوضح الحافي أن أي إجراء من هذا النوع يقتضي ضرورة اشتراك مجلس القضاء فيه.
وأكد أن "المجلس لم يحل أي مقترح لمجلس النواب بشأن إعادة تعديل القانون ولم يجر عليه تعديل منذ إنشائه عام 2006 لعدم الحاجة إلى ذلك".
تتزامن الخطوة مع مطالب قدمتها المفوضية العليا للانتخابات لمجلس النواب بشأن ضرورة إجراء تعديلات على القوانين المنظمة للعملية الانتخابية، وفقاً لمصادر ليبية متطابقة.
وبينت المصادر، لـ"العربي الجديد"، أن من بين تلك التعديلات "تعديل على المادة العاشرة من قانون الانتخابات الرئاسية الخاص بالطعون ضد المرشحين والاستئناف عليها، حتى يتسنى لها معالجة الكثير من المختنقات التي تواجه سير أعمالها".
إعادة النظر في أحكام لجان الطعون
ولم تخف المفوضية رغبتها في إعادة النظر في أحكام لجان الطعون على المرشحين للانتخابات الرئاسية والاستئناف عليها في محاكم طرابلس وبنغازي وسبها.
وفي البيان الذي أعلنت المفوضية فيه، السبت الماضي، عن تأجيل الإعلان عن القائمة النهائية للمرشحين للسباق الانتخابي الرئاسي، ذكرت أنها ستحرص "على استنفاذ جميع طرق التقاضي للتأكد من تطابق قراراتها مع الأحكام الصادرة" عن لجان الطعون والاستئناف بالمحاكم الثلاث.
وذهبت المفوضية في بيانها إلى أبعد من ذلك بالإشارة إلى رغبتها في المشاركة في صياغة القوانين الانتخابية، مؤكدة أن دورها "لا يقتصر على تنفيذ القانون فقط بل يمتد إلى تطبيق صحيحه".
وأردفت "ستتبنى المفوضية بعض الإجراءات القضائية من خلال تواصلها مع المجلس الأعلى للقضاء، وأخرى قانونية من خلال تواصلها مع اللجنة المشكلة من قبل مجلس النواب قبل المضي قدماً في الإعلان عن القائمة النهائية للمرشحين، والانتقال إلى الإعلان عن بدء مرحلة الدعاية الانتخابية للمرشحين".
وحددت القوانين الانتخابية، الصادرة عن مجلس النواب، موعد إجراء انتخابات مجلس النواب الجديد بشهر بعد إجراء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المفترض أن تجري يوم 24 ديسمبر الحالي.
أمر مريب
وربط القاضي في مجمع محاكم مدينة الزاوية قاسم القمودي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بين مطالبة المفوضية بتعديل البنود الخاصة بطعون الاستئناف في القوانين الانتخابية، وبتسريب صورة من قانون إعادة هيكلة المجلس الأعلى للقضاء، قائلاً "في نص القوانين الانتخابية، فإن مجلس القضاء هو المخول بتشكيل اللجان الخاصة بالنظر في الطعون والاستئناف وأحكامها"، معتبراً أن "صدور قانون إعادة هيكلة المجلس في هذا التوقيت أمر مريب".
ورجح القمودي أن "يكون تزامن الأمرين محاولة لاختلاق مجلس القضاء عبر تولية شخصيات جديدة يمكن أن تخضع لمصالح شخصيات بعينها تعمل على تصميم القوانين الانتخابية لمصلحتها".
أحكام لجان الطعون نهائية
ولم تتحدث اللجنة البرلمانية عن تواصلها مع المجلس الأعلى للقضاء في إطار تكليفها بالتواصل معه ومع المفوضية للاطلاع على الصعوبات التي تواجه عملية الإعداد للانتخابات.
وأكد مصدر مقرب من المجلس الأعلى للقضاء، في تصريح سابق لـ"العربي الجديد"، أن المجلس أبلغ اللجنة البرلمانية بأن أحكام لجان الطعون والاستئناف القضائية "نهائية ولا تجوز مراجعتها وإعادة النظر فيها".
وفي الشأن، تساءل الناشط السياسي الليبي صالح المريمي، تعليقاً على إرجاء مجلس النواب توضيح موقفه من صدور القانون، قائلاً "لماذا يرجئ مجلس النواب كل هذا الوقت مسألة حساسة تطاول المؤسسة القضائية في هذا التوقيت؟".
وبحسب رأي المريمي، فإن "المسيطرين على قرار مجلس النواب وحلفاءهم في توجيه مسار الانتخابات لخدمة مصالح أشخاص بعينهم يعملون على تجميد قرار تأجيل الانتخابات الذي بات يفرض نفسه حالياً، ليكون من زاوية تعديل القوانين الانتخابية، بهدف سيطرتهم مجدداً على مسار العملية الانتخابية وعدم إفلات مستجداتها القادمة من قبضتهم".
وعبّر عن مخاوفه من الزج بالمؤسسة القضائية في الجدل الدائر حول الانتخابات ومواعيدها.
المنفي يتمسك بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن
جاء ذلك خلال لقاء في العاصمة طرابلس جمع المنفي ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، المستشار محمد الحافي، بحسب بيان للمجلس الرئاسي.
وقال المكتب الرئاسي إن المنفي والحافي ناقشا "الملفات المتعلقة بالاستعداد للعملية الانتخابية وما يصاحبها من إجراءات قضائية وقانونية".
وبحسب وكالة "الأناضول"، فإن المنفي أكد خلال اللقاء على "أهمية التواصل مع السلطات القضائية للمساهمة في عبور هذه المرحلة المهمة من تاريخ ليبيا"، مشددًا على أنّ "لا خيار أمام الليبيين إلا إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن"، بحسب البيان.
كما شدد المنفي "على استقلالية القضاء وإبعاده عن التجاذبات السياسية" حتى يمارس دوره في إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.