هل اختارت رام الله طريق نظام الأسد؟

30 ديسمبر 2024
الأمن الفلسطيني يطلق غاز مسيل للدموع على المتظاهرين في جنين، 16/12/2024 (ناصر اشتية/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- هروب بشار الأسد وتداعياته: أثار هروب الرئيس السوري السابق بشار الأسد اهتمامًا دوليًا، متزامنًا مع العدوان الإسرائيلي على غزة الذي أسفر عن استشهاد الآلاف، مما زاد من تعقيد الوضع الإقليمي.

- دور سلطة رام الله: الأحداث كشفت عن دور سلطة رام الله كحامية للاحتلال الإسرائيلي، برفضها التعاون مع الفصائل الفلسطينية مثل حماس، مما يعكس رغبتها في الحفاظ على علاقتها مع الاحتلال.

- الوحدة الفلسطينية: يدعو الكاتب إلى تشكيل ائتلاف فلسطيني واسع لتعزيز الوحدة الشعبية والسياسية، مع تجنب الصدام الداخلي الذي تسعى إليه سلطة رام الله.

جذب هروب الرئيس السوري السابق بشار الأسد اهتمامًا واسعًا وكبيرًا على المستويين الإقليمي والدولي، كما جذب اهتمام الشعب الفلسطيني، بما فيه المقيم في قطاع غزّة الصامد أمام إرهاب الاحتلال الصهيوني غير المعقول، الذي أسفر حتّى اللحظة عن استشهاد أكثر من 45 ألف فلسطينيٍ، معظمهم من الأطفال والنساء، في سياق عدوان الإبادة الجماعية المكثف منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول من عام 2023، وتحديدًا في أعقاب عملية المقاومة الفلسطينية الأسطورية "طوفان الأقصى". كما تزامن هروب الأسد من سورية مع انفلات سلطة رام الله من عقالها، كاشفةً عن وجهها البشع والحقيقي في الآن ذاته، المتمثّل في كونها سلطةٌ أمنيةٌ لحماية الاحتلال الصهيوني، تقمع شعبها، وتمنعه من مقاومة إبادته جماعيًا، وتطهيره عرقيًا، وتهجيره قسريًا، كما جسدته عمليًا، أي سلطة رام الله، مرارًا وتكرارًا قبل "طوفان الأقصى"، والذي بلغ ذروته في عمليتها الأمنية في مخيّم جنين الصامد دومًا في وجه الاحتلال وأعوانه.

هنا لا بدّ من الإشارة إلى رفض رئيس سلطة حماية الاحتلال الأمنية، سلطة محمود عباس/ رام الله، التوقيع على اتّفاق حركتي فتح وحماس بشأن لجنة الإسناد المجتمعي، طمعًا منه في تمكن الاحتلال من سحق حركة حماس، أو بالأصح سحق كلّ المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة، متوهمًا أن ذلك بداية تنصيبه ملكًا على منظومةٍ أمنيةٍ مهمتها الوحيدة حماية الاحتلال من مقاومة شعب فلسطين المشروعة، طبعًا بعد نجاحه، رفقة بطانته المشبوهة، في استعادة ثقة الاحتلال بهم، وإعادة تكليفهم بمهمة حماية الاحتلال في قطاع غزّة، إلى جانب مهمتهم في حمايته في الضفّة الغربية، كما نشهد اليوم في مخيّم جنين.

صدمت سلطة محمود عباس مؤيديها بكلّ صفاقةٍ، معلنةً بوضوحٍ رفضها لأيّ مسارٍ وحدويٍ، ليس رفضًا للمصالحة فقط، بل رفضًا لأيّ نمطٍ من أنماط العمل التشاركي

في السياق ذاته، إنّ مسار الوحدة الوطنية، الذي يطالب به معظم الفلسطينيين، والذي يشمل برأيهم وحدةً بين جميع الفصائل الفلسطينية، وفي مقدمتها حركة حماس وسلطة حماية الاحتلال الأمنية هو مسارٌ خاطئٌ برأيي كاتب المقالة، وسبق له التحذير منه منذ الأسابيع الأولى التي أعقبت "طوفان الأقصى"، كما في مقالته المنشورة في العربي الجديد "حماس والتحديات الفلسطينية الداخلية"، إذ يعتقد الكاتب أنّ الوحدة مع المستسلمين والانهزاميين وأعوان الاحتلال وحُماته تعني التخلي عن كلّ الحقوق الفلسطينية، كما تعني الاستسلام الكامل والشامل. لكن؛ خطأ الضغط والمطالبة بوحدةٍ وطنيةٍ مع سلطةٍ أمنيةٍ لحماية الاحتلال لا يعني أن على الفلسطينيين البقاء مفرقين، ومنقسمين، بل هناك مسارٌ أفضل يتمثّل في ائتلافٍ فلسطينيٍّ واسعٍ يضم كلّ القوى والمجموعات والناشطين باستثناء الانهزاميين والاستسلاميين، وفي مقدمتهم حماة الاحتلال وأعوانه، هذا الخيار لا يضمن عزل أعوان الاحتلال فقط، بل يثبت وحدةً فلسطينيةً شعبيةً وسياسيةً ونضاليةً في آنٍ واحدةٍ.

إذن، يجسد هذان الحدثان جوهر سلطة حماية الاحتلال الأمنية وأولوياتها، فجوهرها حماية الاحتلال من شعب فلسطين الأصلي، حتّى لو أدى ذلك إلى صدامٍ فلسطينيٍ داخليٍ، وأوّلوياتها رضا الاحتلال ومباركته حتّى لو أدى ذلك إلى استمرار إبادة شعب فلسطين جماعيًا على أيدي الاحتلال الصهيوني، واستكمال تطهير فلسطين عرقيًا من شعبها الأصلي، ومواصلة الاحتلال تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه ووطنه الأصلي فلسطين، وهو ما علينا جميعًا أن ندركه جيدًا، والأهمّ علينا ألا ننساه.

بناءً عليه؛ صدمت سلطة محمود عباس مؤيديها بكلّ صفاقةٍ، معلنةً بوضوحٍ رفضها لأيّ مسارٍ وحدويٍ، ليس رفضًا للمصالحة فقط، بل رفضًا لأيّ نمطٍ من أنماط العمل التشاركي، حتّى في أحلك الظروف والأوضاع، مع العلم أنّها ليست المرّة الأولى لتفرد عباس وسلطته بالشأن الفلسطيني، وتجاهلهم العمل والقرار المشترك ليس مع حركة حماس فقط، بل مع الكلّ الفلسطيني فصائل ومجموعاتٍ وأفرادًا.

كما هرولت السلطة نحو الصدام الفلسطيني الداخلي بسعادةٍ تنفيذًا للأوامر الأميركية أولاً والصهيونية ثانيًا، كما نشهد في مخيّم جنين، الأمر الذي سبق لكاتب المقالة التنبيه منه قبل "طوفان الأقصى" بأشهرٍ عدّة، في مقالته "هل نشهد اقتتالًا فلسطينيًا جديدًا؟"، المنشورة في العربي الجديد أيضًا.

الوحدة مع المستسلمين والانهزاميين وأعوان الاحتلال وحُماته تعني التخلي عن كلّ الحقوق الفلسطينية، كما تعني الاستسلام الكامل والشامل

من ذلك كلّه؛ لم يعد تجنب الصراع الفلسطيني الداخلي أمرًا واقعيًا في ظلّ إصرار سلطة حماية الاحتلال على تنفيذ الأوامر الأميركية والصهيونية، إلّا في حالةٍ واحدةٍ هي الاستسلام الفلسطيني الشامل، والتخلي الكامل عن كلّ الحقوق الفلسطينية، وفي مقدمتها الحقّ في الأرض ذاتها، إذ أثبت سلوك السلطة وممارساتها على امتداد أشهر عدوان الإبادة الجماعية كذب ادعاءاتها المتكررة بشأن النضال التحرري الفلسطيني، التي قالت وتقول فيها أنّها تعارض المقاومة العنيفة فقط، في حين أثبتت ممارساتها معارضة كل أنماط المقاومة، بما فيها السلمية، التي منعت بلورتها في الضفّة الغربية، كما امتنعت عن تنفيذها، حتّى عندما ادعى رئيس السلطة عزمه على التوجه إلى غزّة بنبرةٍ أوحت بتحديه الاحتلال وداعميه.

ختامًا؛ يعتقد الكاتب أنّ "طوفان الأقصى"، وعدوان الإبادة الجماعية الذي تبعه أثبتا بما لا يدع مجالاً للشك أنّ التناقض الرئيسي مع الاحتلال لا يعني الصدام مع مؤسسات الاحتلال الصهيوني فقط، بل يعني الصدام مع كلّ من يحمي الاحتلال عسكريًا وأمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا، وهو ما يشمل من دون أي لبسٍ سلطة حماية الاحتلال الأمنية في رام الله، التي اختارت بدورها طريق الصدام مع شعبها، من دون أي خجلٍ، بل وبإصرارٍ منقطع النظير، متجاهلةً كل الأصوات الداعية إلى تجنب الصدام الداخلي، والحفاظ على التناقض الرئيسي مع الاحتلال، لكن لم تدرك تلك الأصوات أن الاحتلال وسلطة حمايته في رام سيان.

إذًا اختارت سلطة حماية الاحتلال طريق نظام بشار الأسد ذاته، الذي فضل قتل شعبه، وتدمير بلده، وتهجير معارضيه من أجل الحفاظ على سلطته الاستبدادية، لكن ورغم إجرامه، ورغم الدعم الإقليمي والدولي رأينا جميعًا كيف انتهى نظام الأسد، وانتهى الأمر بالأسد هاربًا، وربّما قريبًا نراه سجينًا بالحدّ الأدنى، الأمر الذي يجعلنا نتساءل متى سيواجه الشعب الفلسطيني سلطة حماية الاحتلال الأمنية؟ السلطة التي اختارت قمع شعبها ومنعه من ممارسة حقّه في مقاومة الاحتلال، كما اختارت قتل من يخالفها، كما يحصل الآن في مخيّم جنين، وهو ما يجعلنا نتساءل متى سنشهد هروب عباس وبطانته، ومن سيستقبلهم على أرضه؟