يستعد ملتقى الحوار السياسي لخوض المرحلة الحاسمة في المسار السياسي في ليبيا، بدءاً من يوم غد الاثنين وحتى يوم الجمعة المقبل، لتشكيل السلطة التنفيذية الجديدة، بشقيها المجلس الرئاسي والحكومة، بعد أن أعلنت البعثة الأممية، ليل أمس السبت، عن قوائم المترشحين، فهل ينجح الملتقى في تشكيل سلطة جديدة تمهد لحل سياسي دائم من خلال انتخابات وطنية نهاية العام الجاري؟
وبينما ذكرت البعثة، في بيان لها ليل السبت، أنها "ستوجه دعوة إلى جميع المرشحين لجلسة تفاعلية مع أعضاء الملتقى"، لتقديم رؤيتهم حول تنفيذ خريطة الطريق، قالت إنها ستقيم، بالتوازي، "حواراً رقمياً مع عموم الليبيين لتلقي أسئلتهم التي سيتم تقديمها إلى المرشحين".
وبعد أن أعلنت، في ذات البيان، عن قوائم المترشحين للسلطة الجديدة، وهم 24 شخصية للمجلس الرئاسي، و21 شخصية لمنصب رئيس الوزراء، ذكّرت اليوم الأحد، في بيان جديد، باختصاصات المجلس الرئاسي والحكومة، المعلنة ضمن خريطة الطريق التي اتفق عليها ملتقى الحوار السياسي منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، مشددة على أن أبرز مهامها هو "تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية عبر المواعيد المحددة للمرحلة التمهيدية للحل الشامل".
وفي وقت اشتدّ فيه ماراثون مساعي بناء التحالفات داخل ملتقى الحوار السياسي، توافقت معلومات مصادر مقربة من أعضاء ملتقى الحوار حول الأسماء الأكثر حظاً في جولات الانتخابات التي ستبدأ يوم غد الاثنين، مشيرة إلى أن الأسماء المعلنة من جانب البعثة لن تدخل كلها مرحلة الانتخابات، بسبب وصول العديد من الاعتراضات حولها.
وفي أول تلك الاعتراضات أعلنت الجمعية الليبية لأعضاء الهيئات القضائية عن اعتراضها على ترشح محمد الحافي، لعضوية المجلس الرئاسي، كونه الرئيس الحالي للمحكمة العليا ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، وترشحه للمناصب السياسية يتنافى كلياً مع قانون القضاء الليبي كونه "خلطاً للسلطات"، واشترطوا استقالة الحافي من منصبه قبل تقدمه للترشح لأي منصب غير قضائي.
ولفتت المصادر لـ"العربي الجديد" أيضاً إلى أسباب أخرى قد تقلص عدد المترشحين، من بينها شروط تبدو مستحيلة أمام كثير من الأسماء المترشحة، على رأسها اشتراط حصول المترشح على تزكيات من إقليمه، ثمانية من إقليم طرابلس وستة من إقليم برقة وثلاثة من إقليم فزان، مؤكدة أن هذا العدد من التزكيات لا يتوفر إلا لقلة من المترشحين.
وتبدو أهم الأسماء التي احتوتها القائمة المعلنة من البعثة الأممية هي ذات الأسماء المتداولة في الأوساط الليبية، وكان "العربي الجديد" قد نشر أهمها، لكن ذات المصادر أشارت أيضاً إلى أسباب أخرى دعت بعض المترشحين إلى الدفع بأسمائهم للترشح مع معرفتهم بحظوظهم المتدنية، منها ضمان حصولهم على مراكز مهمة في الحكومة الجديدة كوزراء ووكلاء للوزارات.
تبدو أهم الأسماء التي احتوتها القائمة المعلنة من البعثة الأممية هي ذات الأسماء المتداولة في الأوساط الليبية
وحول الأسماء الأكثر حظاً في الانتخابات المنتظرة، حددت المصادر أن قائمة المجلس الرئاسي تظهر فيها أسماء ذات ثقل وهي: الشريف الوافي، عضو المؤتمر الوطني العام السابق، الذي برز على سطح المشهد مؤخراً كمنافس قوي لرئيس مجلس النواب في طبرق عقيلة صالح عن شرق ليبيا.
كذلك يظهر في ذات القائمة خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، الشخصية البارزة سياسياً والتي تحظى بدعم واسع من جماعة الإخوان المسلمين، ودعم أيضاً من مدينة الزاوية التي يتحدر منها، يقابله في إقليم غرب ليبيا اللواء أسامة الجويلي، آمر المنطقة العسكرية الغربية، وهو من أبرز شخصيات مدينة الزنتان ذات الثقل السياسي والعسكري في أقصى الغرب الليبي، علاوة على عمر أبوشريدة، الذي يعتبر أبرز الشخصيات السياسية تمثيلاً لتيار أنصار النظام السابق في غرب ليبيا، وسبق أن ترأس وفداً زار موسكو، في منتصف يناير/ كانون الثاني الجاري، ممثلاً لنجل القذافي سيف الإسلام.
وفي الجنوب تبرز شخصية عبد المجيد سيف النصر، صاحب الثقل القبلي والمنتمي لأسرة سياسية عريقة، ويتولى مهام القنصل الليبي في المملكة المغربية، وكان له دور كبير في جمع وفود مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في عدة جلسات في مدينتي طنجة وبوزنيقة في المغرب، ينافسه موسى الكوني عضو المجلس الرئاسي المستقيل، والمنتمي لقبيلة الطوارق ذات الثقل القبلي في الجنوب الليبي.
وبين الأقاليم الثلاثة تتوزع شخصيات أخرى تبدو في المرتبة الثانية في مستوى التنافس، تقول المصادر إنها: سليمان سويكر، عضو مجلس النواب والمرشح بديلاً عن عقيلة صالح إثر التئام الجلسات الموحدة لمجلس النواب في غدامس، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وعلي أبو خير الله الأكاديمي الليبي، وهو زعيم قبلي بارز في قبيلة البراعصة شرق البلاد، ومصطفى دلاف عضو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور عن مدينة البيضاء، وماجدة وفتي الناشطة السياسية كونها المرشح الوحيد عن شريحة المرأة.
الأسماء المتنافسة على رئاسة مجلس الوزراء
أما على مستوى التنافس على رئاسة مجلس الوزراء، فتجمع المصادر على أن في مقدمة المتنافسين فتحي باشاغا وزير الداخلية الحالي في حكومة الوفاق، وأحمد معيتيق نائب رئيس المجلس الرئاسي الحالي، ومعين الكيخيا وهو سياسي مستقل يتحدر من أسرة من بنغازي تولى أغلب أفرادها مناصب سياسية، وعبد الحميد الدبيبة رجل الأعمال البارز، والذي يتوفر على صلات قوية بعدد من الدول النافذة في الملف الليبي، وفضيل الأمين السياسي المقرب من رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج ورئيس عدد من البرامج التنموية التابعة للسراج، ومحمد المنتصر وهو رجل أعمال من مصراتة مقرب من حزب العدالة والبناء.
لكن المصادر التي فضّلت عدم ذكر اسمها لـ"العربي الجديد" تشير إلى أن شخصيات أخرى قد ترتفع أسهم حظوظها في حال تزايد الطعون على بعض الشخصيات السابقة، مشيرة إلى أن عثمان عبد الجليل المتحدر من الزنتان ووزير التعليم السابق، وضو بوضاوية أستاذ الاقتصاد والمقرب من حزب تحالف القوى الوطنية الذي كان يترأسه السياسي البارز الراحل محمود جبريل، وعاطف بوالحاسية السياسي المقرب من معسكر حفتر شرق البلاد، وهشام بالشكيوات وكيل وزارة المواصلات بحكومة الوفاق، من الراجح أن يصل بعضهم إلى مراحل متقدمة من الانتخابات خلال أيام متلقى الحوار الخمسة.
ولم يصدر أي تعليق رسمي من جانب السلطات في البلاد، باستثناء تعليقات فردية، من بينها اعتبار سعد مغيب، عضو مجلس النواب، مهمة ملتقى الحوار السياسي "مستحيلة".
وقال مغيب، في تدوينة على حسابه في فيسبوك، إنه فوجئ بـ"العدد الكبير لمترشحي رئاسة الرئاسي والحكومة القادمين، مما جعلني أعتقد أن المهمة الموكلة لفريق الحوار في جنيف لن تكون سهلة"، مضيفاً "ستكون أشبه بالمستحيلة لاختيار مرشح واحد من أحد الأقاليم على الأقل".
وطالب مغيب البعثة الأممية بـ"البحث عن آلية جديدة أو مخرج آخر قبل موعد 5 فبراير، الذي أعلنت عنه، مع توقعي أن لديها خريطة طريق بديلة في حالة الفشل المتوقع"، وهو ما ترجحه أيضاً الناشطة السياسية الليبية مروة الفاخري.
غياب أسماء مهمة
ولاحظت الفاخري أن أسماء سياسية مهمة غابت عن قوائم المرشحين، مثل رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، ورئيس الحكومة الموازية شرق البلاد عبد الله الثني، وقالت إن "السراج الذي نشط مؤخراً في عدد من العواصم وكذلك الثني، يبدو أنهما يتحضران لسيناريو فشل ملتقى الحوار السياسي، وبالتالي لا مناص عن الرجوع للمجلس الرئاسي الحالي مع ترميمه وتوحيد الحكومتين في حكومة وحدة وطنية".
كذلك تلفت الناشطة لـ"العربي الجديد" إلى أن أبرز الشخصيات الممثلة للشرق والجنوب تركزت في قائمة المجلس الرئاسي، بينما ذهبت الشخصيات الممثلة للغرب الليبي للظهور أكثر في قائمة التنافس على منصب رئيس الوزراء، معتبرة أن حديث المحاصصة بين الأقاليم أكدته انتماءات المترشحين في القوائم.
وفي حالتي نجاح ملتقى الحوار في تشكيل سلطة جديدة أو فشله والرجوع للأجسام الحكومية الحالية لا ترى الفاخري أن المسار السياسي انتهى إلى حل نهائي، موضحة أن "النتائج في حال الفشل أو النجاح ستكون مرحلية ونتائج المسارات الأخرى المنقوصة على الصعيد العسكري والاقتصادي وفي مسار توحيد المناصب السيادية لا تزال تشكل عامل تهديد لأي نتائج للعملية السياسية الحالية".