يسود هدوء حذر الأردن بمختلف محافظاته، بعد مقتل ضابط وإصابة 49 رجل أمن في احتجاجات على رفع أسعار المشتقات النفطية في منطقة الحسينية التابعة لمحافظة معان جنوب الأردن فجر اليوم الجمعة، بدأت منذ الخامس من ديسمبر/كانون الأول الحالي، بإضراب سائقي الشاحنات وأصحاب وسائل النقل، وشملت معظم محافظات البلاد بمطلبٍ رئيسي عنوانه "خفض أسعار المشتقات النفطية" التي سجلت ارتفاعات كبيرة خلال العام الجاري.
ولم تفلح تعهدات الحكومة الأردنية الأربعاء الماضي، والتي جاءت بعد اجتماع مع مجلس النواب، في تلبية بعض مطالب أصحاب الشاحنات المضربين، في إنهاء الاحتجاجات، حيث وعدت بتشكيل لجنة مشتركة خلال شهر، لتنظيم عملية الدور لشحن البضائع، واعتماد مكتب صرف موحد للحاويات، وزيادة المبالغ المخصصة لصندوق المعونة الوطنية، ومضاعفة عدد الأسر المستفيدة، وتوزيع مبلغ 2.6 مليون دينار بدل محروقات للأسر الأكثر تضرراً مع نهاية الشهر الحالي، كما عملت بالتعاون مع البنوك والمؤسسات الإقراضية على تأجيل دفع القروض المستحقة الشهر الحالي إلى أوقات لاحقة.
وأعلن وزير الداخلية مازن الفراية، في مؤتمر صحافي حكومي موسع اليوم الجمعة، عن إجراءات أمنية مشددة وتعزيز القوات الأمنية في مناطق أعمال الشغب، طالباً من جميع المواطنين "الابتعاد عن كل الأماكن التي تشهد أعمال عنف"، ومشيراً إلى أن "أعمال الشغب شملت إضرام النار بمؤسسات حكومية وخاصة". وشدد على أن الحكومة ستسمح بالاحتجاجات السلمية، لكنها لن تتسامح مع أي شغب يدمر الممتلكات العامة والخاصة مثل ما حدث أمس الخميس.
وأشار إلى أن الحكومة تدرك الصعوبات المعيشية التي يعاني منها المواطنون، آملاً انخفاض أسعار المحروقات نهاية الشهر، ولافتاً إلى أن أصعب قرار تتخذه الحكومة هو رفع أسعار المحروقات، وهي تغلّب المصلحة الوطنية في اتخاذه.
بدوره، قال مدير الأمن العام اللواء عبيدالله المعايطة، إن إطلاق العيارات النارية باتجاه رجال الشرطة كان بشكل مباشر من قبل المخربين، مشيراً إلى إصابة 49 رجل أمن وأكثر من 70 آلية تعود للأمن العام وأكثر من 90 آلية لمواطنين.
وتابع: "نحترم مظاهر التعبير طالما كانت في إطارها السلمي، ولكن إذا خرجت عن هذا الإطار سنتدرج في التعامل مع هذه المظاهر".
من جهته، اعتبر وزير الاتصال الحكومي فيصل الشبول أن حادثة مقتل نائب مدير شرطة معان العقيد عبد الرزاق الدلابيح، تمثل رفعاً للسلاح بوجه الدولة، برفقة مظاهر التخريب والفوضى.
بدوره، دان مجلس النواب، مقتل العقيد الدلابيح، مؤكداً رفضه كل مظاهر وسلوكيات الخروج عن القانون، وأعمال التخريب، والاعتداءات على الممتلكات العامة والخاصة، معلناً وقوفه إلى جانب الأجهزة الأمنية وخلفها في التصدي للخارجين عن القانون، وكل من تسول له نفسه الاعتداء على رجال الأمن بأي شكل من الأشكال، أو الاعتداء على الممتلكات العامة أو الخاصة، أو قطع الطرق، أو ترويع المواطنين، وفي أي بُقعة على أرض وطننا الحبيب.
أمنياً، أعلنت وحدة الجرائم الإلكترونية/مديرية الأمن العام اليوم، متابعة الوحدة وفرق الجرائم الإلكترونية ما يُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وخصوصاً في ما يتعلّق بخطاب الكراهية، والحضّ على التخريب، والاعتداء على أجهزة إنفاذ القانون.
وأوضحت في بيانٍ صحافي أنّ الأجهزة المختصة ستحيل أيّ شخص يرتكب مثل هذه الجرائم على القضاء، معلنة إيقاف منصة "تيك توك" عن العمل مؤقتا داخل المملكة، بعد إساءة استخدامها، وعدم تعاملها مع منشورات تحرض على العنف والدعوات للفوضى".
وبعد مقتل الضابط الدلابيح، صدر بيان باسم "وجهاء وأبناء محافظة معان"، ينعى الضابط، ويؤكد رفض واستنكار أي فعل خارج عن القانون خلال الاحتجاج والاعتصام والتعبير عن الرأي في وجه التعنت الحكومي، الذي اعتبره البيان أنه ما أوصل لهذه النتيجة "المؤسفة".
بدورهم، أعلن وجهاء قبيلة بني حسن، خلال مراسم تشييع جثمان العقيد عبدالرزاق الدلابيح، وعددهم 12 نائباً، أنهم أمام 3 خيارات إذا لم يكشف اسم القاتل، وهي الاستقالة، أو حجب الثقة، أو الامتناع عن الجلسات، مؤكدين أن القبيلة لا تساوم على النظام والوطن.
إلى ذلك، قدّم العاهل الأردني عبدالله الثاني، يرافقه الأمير الحسن، اليوم، واجب العزاء بالعقيد الدلابيح في مسقط رأسه بمحافظة جرش.
وفي وقفة بعد صلاة الجمعة في معان، أكد ناشطون من المحافظة استمرار فعالياتهم الاحتجاجية على رفع أسعار المشتقات النفطية، متهمين قاتل العقيد الدلابيح بمحاولة إجهاض الاحتجاجات السلمية.
"نصيحة" للحكومة
وفي هذا السياق، اعتبر الخبير الأمني والعسكري جلال العبادي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "مقتل الدلابيح لن يكون بوابة لمزيد من الفرقة، بل سيؤدي إلى التلاحم والوفاء للوطن، والتئام شمل المجتمع الأردني"، مضيفاً: "لا أحد ينكر أن هناك أعداء للوطن واستقراره من الداخل والخارج. فاسدون وتجار مخدرات يريدون حرف البوصلة عن اتجاهها".
وقال: "النصيحة للحكومة هي تخفيض سعر المحروقات، والتواصل مع الشارع، وإقناع الناس بقراراتها"، مشيراً إلى أن الأغلبية تبحث عن الاستقرار، لكن على الجميع، مسؤولين ومواطنين، تحمّل الظروف الصعبة وليس فئة محددة".
وشدد على أن إطالة أمد الأزمة ليست في صالح أحد، ونزول الناس إلى الشارع أمر صعب وخطير لا يمكن السيطرة عليه، داعياً إلى حلّ المشكلة وتفويت الفرصة على المتربصين من عصابات المخدرات وغيرها، وعدم إيجاد أجواء مناسبة للفوضى".
أمّا النائب السابق نبيل غيشان فأوضح في حديث مع "العربي الجديد"، أنه في الأساس هناك أزمة اقتصادية حقيقية، تضرر الناس منها بشكل كبير، مما أدى إلى احتجاجات شعبية، في ظل تمثيل نيابي غير حقيقي لم يقم بدوره بمقارعة الحكومة، حيث تماهى مجلس النواب مع الحكومة وآلياتها في المعالجة، التي لم تكن قريبة مما يطرحه المحتجون في الشارع.
وأضاف: "الاحتجاجات كانت من أجل تخفيض أسعار المحروقات، لكن الحلول الحكومية النيابية التي صدرت في بيان موحد لم تعالج هذه القضية، وعندما تأخرت المعالجة الحكومية لهذه القضية، وصلنا للأسف إلى مرحلة الدم وهي مرحلة خطيرة ومستنكرة"، مشيراً إلى أنه "لا يمكن لأي أردني القبول بالوصول إلى مراحل إسالة الدماء والتخريب"، مؤكداً الرفض التام لقيام أي شخص، من أي جهة كانت، بالاعتداء على الممتلكات العامة أو استهداف رجال الأمن.
وأوضح أن المطلوب اليوم أن تدرك الدولة ما جرى، وأن تعود لمعالجة القضايا الحقيقية التي خرج من أجلها الناس، مقترحاً تخفيض الضرائب على المحروقات من حوالي 45 بالمائة حالياً، إلى 30 بالمائة أو أقل، خصوصاً وأن مطلب تخفيض المحروقات هو مطلب الجميع، الفقراء، والأغنياء، والمستثمرين، والسائقين، والمتقاعدين، وليس فئة محددة.
وأشار إلى أهمية وجود مجلس نواب قوي يكون حاجز صدّ أمام الأزمات، وقناة للتواصل الشعبي مع الحكومات، وفتح المجال أمام الحريات العامة وعدم محاصرتها، خصوصاً حرية الإعلام، محذراً من اتساع فجوة الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة.
انتقادات للحكومة
من ناحيتها، طالبت الأمينة العامة لحزب العمال، النائبة السابقة في مجلس النواب رلى الفرا، في حديث مع "العربي الجديد"، بالكشف عن هوية من قاموا بقتل العقيد الدلابيح، عبر تحقيق قانوني شفاف للتوصل إلى الحقيقة ومحاسبة الجناة، ورحيل الحكومة التي عجزت عن احتواء الأزمة منذ بداياتها بإصرارها على تجاهل مطالب المواطنين، وسائقي وسائط النقل العام الذين تضرروا جراء الرفع المتواصل لأسعار المحروقات.
وقالت إن تجاوز الأزمة الحالية يرتبط بتخفيض الضريبة على المحروقات، خصوصاً الضريبة الثابتة، فالاقتصاد الوطني وصل لمرحلة لم يعد فيها من الممكن رفع أسعار الطاقة، سواء كانت المحروقات أو الكهرباء، وهي زيادة ستتسبب بانهيارات اقتصادية مدوية.
وبحسب الفرا، فإن هذه الحكومة غير قادرة على إيجاد حلول اقتصادية، ولا تتواصل مع المواطنين بالشكل المطلوب، فهي غير منفتحة على الشعب، مما زاد من اتساع الفجوة بينها وبين المواطنين يوماً بعد يوم.
وأشارت إلى أن سياسات الحكومة المالية الجبائية قصيرة النظر، وفشلها في كل الملفات الاقتصادية بات السبب الرئيس لهرب الاستثمارات وارتفاع نسب البطالة، وبدلاً من أن تقوم الحكومة بالاستجابة لمطالب شعبها، فإنها قامت بالالتفاف على هذه المطالب بتقديم عروض ثانوية، من دون أن تعالج جذور المشكلة، لافتة إلى أن الحكومة تعتقد أن استجابتها لمطالب المواطنين انكسار، فيما جميع الحكومات في الدول الديمقراطية تنحاز وتستجيب لمطالب شعوبها.
العاهل الأردني: سنتعامل بحزم مع من يرفع السلاح في وجه الدولة
قال العاهل الأردني عبد الله الثاني، اليوم الجمعة، إنه سيتم التعامل بحزم مع كل من يرفع السلاح في وجه الدولة ويتعدى على الممتلكات العامة.
وأضاف خلال عزاء نائب مدير شرطة محافظة معان العقيد عبد الرزاق الدلابيح، الذي قُتل الليلة الماضية خلال احتجاجات على رفع أسعار المحروقات في منطقة الحسينية في محافظة معان، أنه "سيتم التعامل بحزم مع كل من يرفع السلاح في وجه الدولة ويتعدى على الممتلكات العامة وحقوق المواطنين"، مؤكداً على أن "الاعتداءات وأعمال التخريب مساس خطير بأمن الوطن، ولن نسمح بذلك".
وقال: "إننا لن نقبل التطاول أو الاعتداء على نشامى أجهزتنا الأمنية، الساهرين على أمن الوطن والمواطنين".
وأشار إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها المواطنون، وأكد على حق المواطنين في التعبير عن الرأي بالوسائل السلمية ضمن القانون، مؤكداً أن "مؤسسات الدولة ستتخذ كل الإجراءات لمحاسبة الخارجين عن القانون".
وشيّع الأردنيون، اليوم الجمعة، جثمان العقيد عبد الرزاق الدلابيح في بلدة الكفير في محافظة جرش، بعدما تعرض لإصابة بعيار ناري بمنطقة الرأس.