هدنة إنسانية خلال أسابيع قد تفضي إلى تهدئة طويلة الأمد

25 فبراير 2024
حركة آليات الاحتلال العسكرية على مشارف قطاع غزة (جاك جويز/فرانس برس)
+ الخط -

بلا شكٍّ؛ هناك توجهٌ دوليٌ، وإن كان مستترًا بعض الشيء، لوضع نهايةٍ لحرب الإبادة المستمرّة منذ أكثر من أربعة أشهر، وبالتحديد من قبل الولايات المتّحدة، والدول الأوروبية الغربية، لاعتباراتٍ خاصّةٍ بالإدارة الأميركية،  واقتراب موسم الانتخابات، في ظلّ تراجع فرص الحزب الديموقراطي، ومرشحه للرئاسة للفوز فيها، والخشية من توسع دائرة الحرب وتحوّلها إلى صراعٍ إقليميٍ واسعٍ، يهدد المصالح الغربية في المنطقة، وعجز حكومة الاحتلال عن تحقيق أهداف الحرب غير الواقعية، التي قيدت نفسها بها، عوضًا عن الشعور الغربي بمحاولة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو جرّ الولايات المتّحدة، وحلفائها الغربيين لفتح جبهةٍ عسكريةٍ في المنطقة مع إيران، خدمةً لأجندة اليمين الصهيوني المتطرف الحاكم في دولة الكيان، ولمصالح نتنياهو السياسية الشخصية.

رغم أن المواقف الغربية لم تصل إلى درجة الضغط الصريح على حكومة الاحتلال، أو رفع الولايات المتّحدة للغطاء السياسي في الأمم المتّحدة، لوضع حدٍّ للحرب، إلّا أن الانتقادات العلنية، والرسائل المبطنة، تشي بأنّ الوقت قد حان لوقف المجزرة في قطاع غزّة، ما يفتح المجال أمام وقف الحرب، من خلال فتح مسار هدنةٍ إنسانيةٍ طويلةٍ ومتدرجةٍ، على مراحل، تشمل صفقة تبادلٍ، وإعادة ترتيب الواقع السياسي في قطاع غزّة، من دون حركة حماس، وخططٍ طموحةٍ لإعادة الإعمار.

ربّما يشكل اتّفاق الإطار في فرنسا قبل أسابيع أرضيةً للتوصل لهذه الهدنة، كما أنّ اتصال الرئيس الأميركي جو بايدن في 11 من فبراير/شباط مع نتنياهو وضغطه عليه لإرسال وفدٍ للمشاركة في اجتماع القاهرة؛ الذي يأتي امتدادًا لقمة فرنسا الرباعية (الولايات المتّحدة، دولة الاحتلال، مصر، قطر)، يمثّل إلحاحًا ورغبةً أميركيةً لوضع حدٍّ لحرب الإبادة، تحت لافتة هدنةٍ إنسانيةٍ مستدامةٍ، أو تحت أي مسمىً آخر، غير أنّ رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو، وشركاءه من اليمين الاستيطاني المتطرف في الائتلاف الحكومي، لهم رأيٌ آخر، وأجنداتٌ قد تختلف كليًا عن مقتضيات ومصالح الدول الغربية، وبالتأكيد الرأي العام الدولي.

يحاول نتنياهو وائتلافه المتطرف الاستمرار في الحرب لأطول فترةٍ ممكنةٍ، ولو بوتيرةٍ منخفضةٍ حتّى نهاية العام الحالي

إذ يدرك نتنياهو شخصيًا، وشركاؤه من حزبي المنعة اليهودية بقيادة إيتمار بن غفير، والصهيونية الدينية بقيادة بتسلئيل سموتريتش، أنّ نهاية الحرب سوف تعني نهاية طريقهم السياسي، وفرص مشاركتهم في الخريطة السياسية الصهيونية في الأمد المنظور، نظرًا إلى التحول الملموس في توجهات المجتمع الصهيوني بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وفقدانه الثقة في قدرة اليمين الصهيوني على توفير البيئة الأمنية المناسبة، لصالح رؤى أحزاب المركز، ومراكز القوى الصاعدة، بقيادة جنرالات الاحتياط السياسيين الجدد، عوضًا عن أن نتنياهو يبحث عن أيّ إنجازٍ كبيرٍ، على غرار ما يردده كلّ يومٍ "الانتصار الكامل أو الساحق"، و"هزيمة حركة حماس"، عله ينقذه من لجان التحقيق المعنية بالإخفاق الكبير في 7 أكتوبر الماضي، ومحاكمات الفساد السابقة التي تنتظره، وهناك سببٌ آخر، ربّما أكثر أهمّيةً لدى اليمين المتطرف الحاكم في دولة الكيان، يتمثّل في إصرار اليمين الديني الصهيوني على استغلال حرب الإبادة في غزّة لتنفيذ مخطط التهجير القديم الجديد، الذي يراود أفكار وخيالات قادة اليمين، بجعل قطاع غزّة بيئةً غير صالحةٍ للحياة الآدمية، بما يفتح الباب واسعًا أمام هجرةٍ طوعيةٍ واسعةٍ. لذلك يحاول نتنياهو وائتلافه المتطرف الاستمرار في الحرب لأطول فترةٍ ممكنةٍ، ولو بوتيرةٍ منخفضةٍ حتّى نهاية العام الحالي، بالتزامن مع الانتخابات الأميركية، على آمل عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لقربه من اليمين الصهيوني المتطرف في دولة الكيان.

لكن؛ لن يستطيع نتنياهو مواجهة الضغوط الدولية، والرغبة الأميركية الجامحة والمستترة لإنهاء الحرب، والتحديات الداخلية خاصّةً في ما يتعلق بضغط عائلات الرهائن، لذلك قد نشهد هدنةً خلال أسابيع، ربّما في شهر رمضان الفضيل، تُفضي إلى وقفٍ نهائيٍ لحرب الإبادة في غزّة، أو ربّما تنخفض وتيرة العدوان كثيرًا، لتقتصر على عمليات اغتيالٍ محدودةٍ، حتّى إجراء انتخاباتٍ داخليةٍ صهيونيةٍ، تفضي إلى خريطةٍ سياسيةٍ جديدةٍ، لن تتضمن نتنياهو وأحزاب اليمين الديني المتطرف.

المساهمون