استمع إلى الملخص
- **صعود كامالا هاريس**: انسحب بايدن في يوليو، مما أتاح لهاريس الترشح مدعومة بأصوات الملونين ومعطيات اقتصادية ملائمة، مما عزز موقفها في الاستطلاعات.
- **تحديات وتطلعات هاريس**: تواجه هاريس تحديات داخلية من ناخبين قاطعوا الانتخابات الأولية بسبب موقف بايدن من حرب غزة، مما يثير القلق حول قدرتها على حسم المعركة الانتخابية.
يباشر الحزب الديمقراطي، اليوم الاثنين، أعمال مؤتمره الوطني في مدينة شيكاغو ولمدة أربعة أيام، حيث يفتتحه الرئيس جو بايدن بكلمة عن أهمية هذه الانتخابات ويدعو فيها لتأييد نائبته كامالا هاريس التي تختتم المؤتمر، مساء الخميس القادم، بخطاب قبولها للترشيح الرسمي، بعد تصويت المندوبين (أكثر من أربعة آلاف يمثلون كافة الولايات)، على تكليفها بخوض المعركة باسم الحزب. وبذلك ينطلق السباق النهائي بدون توقف ما عدا ساعات النوم، بين هاريس والمرشح الجمهوري دونالد ترامب ولغاية يوم الاستحقاق بعد 79 يوماً، أي في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
دخلت هاريس إلى حلبة هذا السباق بظروف غير معروفة في تاريخ الرئاسة. ورغم دخولها المتأخر، سرعان ما نفخت الرياح الانتخابية المواتية في شراع مركبها من كل صوب. اجتمعت الصدفة مع التوقيت وربما شيء من الحظ، لترفعها إلى ما لم تكن لتقوى على الوصول إليه بهذه السهولة في الحالات العادية. ترشحت في انتخابات 2020 لكن سرعان ما انهارت حملتها في بداية انتخابات المرحلة الأولى. لكن هذه المرة توفرت لها انطلاقة واعدة نقلتها منذ البداية، إلى التفوق على ترامب الذي بقي بايدن وراءه بأكثر من خمس إلى سبع نقاط، منذ افتتاح الحملة الانتخابية قبل اكثر من سنة ولغاية انسحابه من الانتخابات.
ويعود الفضل الأول في هذه النقلة المفاجئة التي حققتها هاريس إلى ثمانينيات بايدن التي اضطرته بعد معاندة طويلة وضغوط حزبية عارمة، إلى الخروج من المعركة في يوليو/تموز الماضي وتسمية نائبته هاريس لمواصلة المعركة. وكان من المتعذر تجاوز هذه التسمية التي بدت أشبه بالتوريث وذلك مراعاة لحساسيات الملونين الذين احتشدوا حول هاريس والذين لا يفوز مرشح ديمقراطي بدون أصواتهم. كما كان من الصعب مزاحمتها على الترشيح بسبب ضيق الوقت، فضلاً عما كان من المحتمل أن يؤدي إليه ذلك من انقسامات وشروخ في قواعد الحزب.
وساهم في قفزتها إلى الواجهة تضافر معطيات ملائمة جاءتها في اللحظة المناسبة: التضخم هبط إلى 3% (المعدل العادي 2%)، والركود صار احتمالا مستبعدا في المدى القريب ولو أن الاقتصاد فقد شيئا من زخمه والأسعار حافظت على ارتفاعها النسبي، لكن أسواق الأسهم في أوجها. بيد أن ترجيح كفتها في الميزان الانتخابي ناجم في الأساس عن مراوحة وعدم تماسك حملة خصمها ترامب الذي شرد في خطابه الانتخابي بحيث صار مسألة شخصية أكثر منه منافسة برامج وسياسات مصممة لاستقطاب الناخب.
وفي الأيام الأخيرة انحدر ترامب إلى درك بائس من التشنيع، حيث صوّر هاريس كزعيم "شيوعي" وبأنه أكثر "وسامة" منها، وتوصيفات شخصانية أخرى أصر على اعتمادها رغم صرخات بعض الجمهوريين بضرورة "الانضباط" وعودته إلى مخاطبة الناخبين بلغة همومهم وأولوياتهم. لكن عبثا تنادي. وهذا ما ساعد في تلميع صورة هاريس وتعزيز مقبوليتها على أساس المقارنة بينها وبين ترامب. وقد انعكس ذلك في تفوقها في كافة الاستطلاعات عشية مؤتمر الحزب. ففي استطلاع لصحيفة "واشنطن بوست" بالاشتراك مع شبكة "أي بي سي نيوز"، هي تسبقه بأربع نقاط، (49% مقابل 45%)، وحسب "السي بي أس"، هي متقدمة بثلاث نقاط، (51% مقابل 48%). وجاء استطلاع "سي أن أن" بفارق نقطتين لغير صالح ترامب.
الأرقام عند هذه المحطة تكون عادة بمثابة مؤشر يمكن الركون إليه، لكن ليس دائما. في مثل هذا الوقت بالذات عام 2016، كانت هيلاري كلينتون متقدمة على ترامب بحوالي ست نقاط، 43% مقابل 36% له. مع ذلك لم يصمد الفارق حيث أطاح به اترامب في الأسابيع الأخيرة من الحملة. غير أن ترامب آنذاك هو غيره الآن. تقدم في السن 78، وصدرت ضده أحكام جزائية والباقي منها على الطريق. وفي 19 سبتمبر/أيلول القادم من المقرر أن تلفظ محكمة نيويورك قرارها الجزائي، بالسجن أو بالغرامة ضده. ثم إن سنواته الأربع التي انتهت باقتحام مبنى الكونغرس في السادس من يناير/كانون الثاني 2021، تركت صورة أدت إلى انفضاض كتلة وازنة من المستقلين من حوله. وحسب التقديرات الأخيرة، فإن قسما من هؤلاء الذين سبق وحسموا أمر ابتعادهم عن الرئيس السابق، "بدأوا يتجهون صوب هاريس". بالإضافة إلى ذلك، سجلت عمليات جس النبض في صفوف الشباب من ذوي الأعمار الأقل من ثلاثين سنة، بداية عودة نحو المرشحة الديمقراطية، حيث كانت شريحة واسعة من بينهم خاصة في القطاع الجامعي قد ابتعدت عن بايدن اعتراضا على سياسته في حرب غزة.
ورقة هاريس الأوقى تضعضع حملة ترامب
على هذه الأرضية، تدخل كامالا هاريس، اليوم الاثنين، مؤتمر الحزب الديمقراطي بصعود احتفظ بزخمه وإن كان متواضعا، من دون اهتزاز أو تراجع. ومن المتوقع أن تخرج بعد تطويب ترشيحها من قِبل المؤتمر بزخم اكبر، ولا سيما أنها بقيت حتى الآن بمنأى عن زلات اللسان أو القدم. وتبقى ورقتها الأقوى في تضعضع حملة ترامب وتعذر إحراز التقدم في وضعه. رصيدها الآخر، يكمن في أن الحزب الديمقراطي وخلافا للتوقعات تمكن خلال فترة وجيزة من لملمة وضعه والالتفاف حولها، رغم وجود آثار ولو تحت السطح، للرضوض السياسية التي تسبب بها انسحاب بايدن الذي بدا وكأنه جرى عبر "انقلاب" حاكته قيادات حزبية ضده. لكن هناك إقرارا عاما في الحزب بأن مغادرة بايدن كانت "خطوة صحيحية وضرورية". وينسب إلى مقربين من البيت الأبيض قولهم إن الرئيس "غير نادم" على خروجه ولو أن العملية حصلت بشكل أقرب إلى "التخلي عنه" بعد كل هذا العمر في الحقل السياسي.
بيد أن وحدة الحزب بقيت منقوصة بشكل لا بدّ أن يثير القلق لدى حملة هاريس. فهناك حوالي 700 ألف من الذين قاطعوا الانتخابات الأولية، ردا على انحياز بايدن لإسرائيل في حربها على غزة. ومعظمهم في ولايات حاسمة مثل ميشيغن. وقد بقوا على رفضهم لتأييد هاريس باعتبارها كانت من أركان إدارة بايدن. وقد اشترطوا تعهدها "بتغيير" سياسة بايدن مقابل تأييدهم لها. هاريس حاولت التطمين، لكنهم أصروا على التعهّد. وتقوم هذه الشريحة الواسعة بالإعداد لتظاهرات في شيكاغو يشارك فيها عشرات الألوف، طوال أيام المؤتمر وبما أدخل سيرة التظاهرة وبالتالي حرب غزة على خط تغطية المؤتمر ومداولاته. وكان من غير الواضح حتى الآن مدى تجاوب حملة هاريس مع هذا الموضوع، إلا أنه يمكن القول ومن غير مجازفة إن وضع المرشحة الديمقراطية لا يسمح بتجاهل كتلة انتخابية من هذا العيار، في معركة قد يتوقف حسمها على فوارق ضئيلة بين الفائز والمهزوم.