حذرت نخب صهيونية من أن تعاظم النفقات الأمنية قد يفضي إلى انهيار المشروع الصهيوني بأسره، داعية إلى إحداث تغيير جوهري في أنماط تعاطي إسرائيل مع المخاطر الأمنية التي تهددها، تخرج عن إطار النهج التقليدي المتمثل في الاعتماد على خيار القوة.
ودعا مفكرون وخبراء اقتصاديون ومعلقون عسكريون إلى محاولة تقليص المخاطر الأمنية المتعاظمة التي تحيق بالكيان الصهيوني، عبر التوجه نحو حل الصراعات مع المحيط العربي بالوسائل السياسية.
وقال المفكر الصهيوني، أوري مسغاف، إن "حُمى" التسليح التي أصابت إسرائيل في أعقاب الحرب على غزة، وتوجه القيادات السياسية والعسكرية في تل أبيب إلى تخصيص مزيد من الموارد "القومية" للجانب العسكري، يشكل بحد ذاته "تهديداً لوجود إسرائيل ذاتها"، بدلاً من أن يمثل حلولاً للتحديات الأمنية التي تواجهها.
وفي مقال نشرته صحيفة "هآرتس" في عددها الصادر، أمس الثلاثاء، حذر مسغاف من أن "جنون" الاستثمار في مجال التسلح سيعاظم التحديات الاقتصادية التي يواجهها المجتمع الإسرائيلي، بحيث تنعكس آثاره على جودة حياة الإسرائيليين، فضلاً عن إسهامه المحتم في تفجر مشاكل اقتصادية واجتماعية جديدة. وفي السياق، نوه معلق الشؤون العسكرية في قناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة، ألون بن دافيد، إلى أن نصيب موازنة الأمن من الموازنة العامة للدولة في العام 2015، سيحطم كل الأرقام القياسية، إذ ستقفز إلى 60 مليار شيكل (حوالي 18 مليار دولار).
وخلال تقرير عرضته القناة، الأحد الماضي، نوه بن دافيد إلى أن هذا الرقم مرشح للزيادة، مشدداً على أن موازنات الأمن فاقت دوماً ما يخصص لها. وأوضح بن دافيد أن ما وصفه بـ"صدمة" الحرب على غزة قد قلصت إلى حد كبير من قيمة حجج المطالبين بتقليص موازنة الأمن، مشيراً إلى أن الإحباط الجماهيري من مسار الحرب يساعد كل من القيادة السياسية والعسكرية على تخصيص موارد أكبر لتغطية النفقات الأمنية.
من جهته، يجزم البرفسور حاييم بن شاحر، أحد أبرز الخبراء الاقتصاديين، بأنه لن يكون بوسع إسرائيل مواجهة التهديدات الأمنية، منوهاً إلى الزيادة المطردة للمخاطر الأمنية، مما يفرض دوماً مواصلة زيادة موازنة الأمن بشكل لا يمكن للاقتصاد تحمله.
وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة "كاكليست" الاقتصادية، الإثنين الماضي، يلفت بن شاحر الأنظار إلى حقيقة أنه في حال عمدت إسرائيل إلى معالجة كل مصادر التهديد التي تواجه أمنها "القومي" فإن اقتصادها سينهارعلى الفور، مشيراً إلى أن التجربة دلّت على أن القيادة الإسرائيلية تفضل في كثير من الأحيان "دفع ضريبة كلامية" في تعاطيها مع مصادر التهديد الأمني ولا تسعى لمواجهتها على الفور، مشيراً إلى أن تأجيل معالجة المشاكل الأمنية يسهم فقط في زيادة كلفتها الاقتصادية وخطورتها على الأمن "القومي".
ويشير بن شاحر إلى تهديد الأنفاق الحربية التي حفرتها "حماس" كمثال على النتائج "الكارثية" للتسويف الذي تعمد إليه القيادة الإسرائيلية في تعاطيها مع مصادر التهديد، مشيراً إلى أن قيادة الدولة كان لديها كل المعلومات الاستخبارية حول وجود الأنفاق لكنها اختارت تجاهلها، وهو ما أسهم ليس فقط في إطالة أمد الحرب الأخيرة، بل إنه أفضى إلى دفع ثمن بشري "باهظ" تمثل في مقتل 72 ضابطاً وجندياً من ألوية النخبة في الجيش الإسرائيلي، علاوة على الخسائر الاقتصادية الهائلة، التي سيمضي وقت طويل قبل تحديد حجمها بدقة.
وشدد بن شاحر على أن طابع البيئة الإقليمية التي تتواجد فيها إسرائيل، سيفضي دوماً إلى انتاج أشكال ومصادر تهديد أمنية جديدة، وذلك لعدم تسليم المحيط العربي بشرعيتها، ما يفرض على قيادة الكيان الصهيوني محاولة تطبيع علاقته مع هذا المحيط عبر التوصل لتسوية سياسية للصراع، ودفع الثمن المطلوب.
وقال بن شاحر إن التجربة كشفت أن الاستثمار في تعزيز أسباب القوة العسكرية ومراكمتها على مر السنين، لم يثبت نجاعته في ساعة الاختبار، ما يبرز الحاجة إلى حل الصراع سياسياً.
ويشير بن شاحر إلى أنه على الرغم من التفوق العسكري الهائل الذي تتمتع به إسرائيل على حركة "حماس"، إلا أنها لم تتمكن من ردع الحركة عن مواصلة إطلاق الصواريخ. ويلفت بن شاحر الأنظار إلى حقيقة أن "حماس" هي "الأكثر تواضعاً" من حيث القدرات العسكرية مقارنة بمصادر التهديد الأخرى، ومع ذلك فإن الحرب ضدها أرهقت الموازنة الإسرائيلية بشكل كبير. وأشار بن شاحر إلى أنه حتى بعد انتهاء الحرب، فإن الجيش يطالب بموازنة ضخمة لمعالجة تهديد الأنفاق عبر تطوير حلول تكنولوجية تمكن من الكشف عنها، كاشفاً عن أن الجيش يطالب حالياً بعدة مليارات من الشواكل لكي يحصل على هذه الحلول.
وحذر بن شاحر من أن الحرب المقبلة في مواجهة "حزب الله" ستكون ذات نتائج "كارثية بشكل خاص"، منوهاً إلى أنه في حال أطلق "حزب الله" يومياً، وعلى مدى ثلاثة أيام فقط 100-200 صاروخ من الصواريخ المطورة التي بحوزته، فإن هذا سيفضي إلى تدمير البنى التحتية الاقتصادية لإسرائيل. ونوه بن شاحر إلى حقيقة أن المنظومات المضادة للصواريخ بمختلف أنواعها، التي تمتلكها إسرائيل ستكون قادرة فقط على إسقاط نصف عدد الصواريخ التي يطلقها الحزب اللبناني في أحسن الأحوال.