نيكوس كريستودوليدس رئيساً لقبرص: قائمة طويلة من الأزمات تنتظر الحل

14 فبراير 2023
كريستودوليدس بعد فوزه مساء الأحد، في نيقوسيا (إيافوكوس هاتزيستافرو/فرانس برس)
+ الخط -

انتخب القبارصة، أول من أمس الأحد، وزير الخارجية السابق نيكوس كريستودوليدس رئيساً للدولة العضو في الاتحاد الأوروبي، حسب ما أعلنت هيئة الانتخابات، فيما أقرّ منافسه أندرياس مافرويانيس بالهزيمة. وذكرت الهيئة أن كريستودوليديس فاز بنسبة 51.92 في المائة من الأصوات، أي ما مجموعه 204,680 صوتاً، متقدماً على مافرويانيس الذي حصل على 48.08 في المائة.

وبعد إعلان فوزه، قال كريستودوليدس إنه يريد حكومة "50-50" مع عدد متساوٍ من النساء والرجال يمكن أن تستفيد من "دعم اجتماعي واسع". وهناك امرأتان فقط في حكومة الرئيس المنتهية ولايته نيكوس أناستاسيادس.

وذكر الرئيس المنتخب أنه يريد مقابلة قادة حزبَي "التجمّع الديمقراطي" (ديسي) المحافظ الحاكم و"أكيل" الشيوعي، علماً أنه لم يلقَ دعم أيّ من الحزبين اللذين يتمتعان بثقل في المشهد السياسي بالبلاد. من جهته، قال مافرويانيس للصحافيين: "انتهت مسيرة الليلة (مساء الأحد)، مسيرة عظيمة تقاسمتها مع آلاف الأشخاص. آسف لعدم تمكننا من إنجاز التغيير الذي تحتاج إليه قبرص".

منافسة شديدة

وشهد الاقتراع منافسة شديدة، وذلك بعد تصدر كريستودوليدس، وزير خارجية قبرص بين عامَي 2018 و2022، نتائج الدورة الأولى في 5 فبراير/شباط الحالي، بحصوله على 32.04 في المائة من الأصوات، متقدماً بقليل على مافرويانيس الذي عمل سابقاً سفيراً في فرنسا وأيرلندا.

وتلقّى الأول دعماً من أحزاب الوسط، فيما ترشح الثاني بصفته مستقلاً على الرغم من تلقّيه دعم الحزب الشيوعي (أكيل)، أبرز تشكيلات المعارضة في البلاد. ومع خروج حزب "ديسي" من السباق الرئاسي للمرة الأولى في تاريخه، أدى قرار الرئيس المنتهية ولايته نيكوس أناستاسيادس عدم دعم أيّ من المرشّحَين إلى فتح الجولة الثانية على مصراعيها.



ينوي كريستودوليدس تشكيل حكومة متساوية بين الرجال والنساء

وهنأ مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل كريستودوليدس بالفوز، مبدياً أمله، في تغريدة على "تويتر"، في مواصلة التعاون بشأن "مواضيع مهمة بالنسبة إلى قبرص"، ولا سيما من خلال تمهيد الطريق نحو "حل للمشكلة القبرصية"، بسبب انقسام الجزيرة المتوسطية إلى قسمين: جانب تسكنه غالبية يونانية وتعترف به الأمم المتحدة، و"جمهورية شمال قبرص التركية" المعلنة من جانب واحد وتعترف بها أنقرة، وغالبية سكانها من الأتراك.

وتمارس الحكومة القبرصية سلطتها على الجزء الجنوبي فقط من الجزيرة التي تفصل منطقة منزوعة السلاح بإشراف الأمم المتحدة، تسمى الخط الأخضر، بينها وبين "جمهورية شمال قبرص التركية". كذلك، قدّم رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس التهنئة للرئيس المنتخب خلال اتصال هاتفي معه، وفقاً لوكالة الأنباء اليونانية.

وفي عام 2022، بلغت نسبة التضخّم في نيقوسيا 10.9 في المائة، قبل أن تتراجع في يناير/كانون الثاني الماضي إلى 7.1 في المائة. ووُجّهت انتقادات حادة إلى الشيوعيين على خلفية إدارتهم الأزمة المالية التي واجهت قبرص عامَي 2012 و2013 ودفعتها إلى شفير الإفلاس.

وسبق أن ترأس مافرويانيس وفد القبارصة اليونانيين إلى محادثات إعادة توحيد الجزيرة، وقد تعهد باستئناف المفاوضات فور توليه المنصب في حال فوزه، أما كريستودوليدس فيعتمد نهجاً أكثر تشدّداً.

وطغت قضايا مكافحة الفساد على النقاشات الانتخابية، خصوصاً بعد فضيحة "الجوازات الذهبية"، البرنامج الذي يُتيح منح جوازات قبرصية مقابل استثمارات في الجزيرة. وألغي البرنامج في نهاية المطاف بسبب شبهات فساد.

ومن القضايا الشائكة أيضاً في الجزيرة القريبة من سواحل الشرق الأوسط وتركيا: تدفّق المهاجرين، وهو ملف تعهّد كلا المرشحَين بمعالجته. وتؤكد السلطات في نيقوسيا أن 6 في المائة من أصل 915 ألف شخص يعيشون في الشطر الجنوبي للجزيرة هم طالبو لجوء.


لم يدعم الرئيس السابق أياً من المرشحيَن للرئاسيات

ويتوجّب على الرئيس الجديد استئناف محادثات السلام المتوقفة حالياً في الجزيرة المقسّمة منذ غزو تركيا، في عام 1974، ثلثها الشمالي، رداً على انقلاب نفّذه قبارصة يونانيون قوميون ضد الرئيس الأسقف مكاريوس، وأرادوا إلحاق البلاد باليونان. وستواجه الحكومة الجديدة ضغوطاً لمعالجة أزمة ارتفاع أسعار الطاقة والنزاعات العمالية والاقتصاد المتعثر وسط ركود عالمي.

المسألة القبرصية

وتنتظر كريستودوليدس، بصفته الرئيس الـ13 للبلاد منذ استقلالها عن بريطانيا في عام 1960، مهام عدة، بدءاً من حل المسألة القبرصية، وذلك بعد محاولات تفاوضية عدة فشلت في خرق جدار التعنت بين الجانبين. ومع أن السنوات شهدت دفئاً في العلاقات بين قطبي الجزيرة، إلا أنها لم تطوِ فرضية تقسيمها إلى دولتين، ولا حتى اتحادهما في سياق دولة فيدرالية.

ولعل أبرز العراقيل التي استجدت في السنوات الأخيرة، وعززها بدء الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي، هو الاكتشافات النفطية الهائلة في شرق المتوسط، التي أفضت إلى تأثير تعاقبي، بدأ بترسيم حدود بحرية بين عدد من دول حوض البحر المتوسط، وصولاً إلى تزايد التوتر بين اليونان وتركيا، البلدان المؤثران بشدة في قبرص. وهو ما أدى إلى تباطؤ العملية السلمية في نيقوسيا، من دون حصول صدامات بين الجانبين فيها.

ويمكن لكريستودوليدس، عملياً، الانطلاق من التضامن اليوناني الواسع مع تركيا بعد زلزال 6 فبراير الحالي، وإرسال أثينا مساعدات إلى أنقرة، ثم إعلان وزير الخارجية التركية مولود جاووش أوغلو، أول من أمس الأحد، خلال جولة مشتركة مع نظيره اليوناني نيكوس ديندياس في مناطق الزلزال جنوبي تركيا، أنه "يجب تطبيع العلاقات مع اليونان، والجار الجيد يظهر فيه الأيام العصيبة".

من جهته، أكد ديندياس أن "أثينا ستقف مع أنقرة في مواجهة الوضع الصعب الحالي". وعلى الرغم من الخلافات الكثيرة بين تركيا واليونان، كانت الأخيرة من أول الدول الأوروبية التي أرسلت عمال إنقاذ ومساعدات إنسانية إلى هذا البلد المجاور، بعد ساعات فقط على وقوع الكارثة.

مع العلم أن اليونان وتركيا، اللتين تقعان على خطوط تصدعات زلزالية، لديهما تقليد سابق بتبادل المساعدة في مواجهة هذا النوع من الكوارث الطبيعية. وسيُشكّل هذا التضامن الإقليمي نقطة ارتكاز للرئيس القبرصي الجديد، عبر تزخيم التفاوض مع الجانب التركي في الجزيرة، لمحاولة طيّ الخلافات العميقة جدّياً هذه المرة.

(العربي الجديد، قنا، فرانس برس)