خلقت قرارات مجلس النواب الليبي برئاسة عقيلة صالح، بخصوص انتهاء ولاية حكومة الوحدة الوطنية وفتح باب الترشح لرئاسة حكومة بديلة عنها، حالة من الانقسام بين النواب، يعبر مراقبون عن خشيتهم من تفاقمها وتحولها إلى أزمة جديدة تضاف إلى أزمات المشهد الليبي، الذي لا تزال فيه العديد من الاستحقاقات، كالانتخابات والدستور، من دون حسم.
وتستعد العاصمة الليبية طرابلس لاستضافة جلسة، غداً الأحد، دعا إليها النائب الأول لرئيس مجلس النواب فوزي النويري عدداً من النواب المعارضين لقرارات صالح بشأن الحكومة والانتخابات، لاحتواء الخلافات بينهم وبين رئاسة المجلس.
وفيما أوضحت الدعوة التي عممها النويري على النواب أن الاجتماع لـ"تنسيق الجهود حول خريطة الطريق"، قال عضو مجلس النواب محمد الرعيض إن جلسة الغد "ستكون مفتوحة لمناقشة كل شيء".
وأكد الرعيض، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الدعوة جاءت استجابة لحراك أكثر من ستين نائبا لتصحيح عمل رئاسة مجلس النواب"، في إشارة لمعارضة عدد من النواب قرارات صالح بشأن انتهاء ولاية حكومة عبد الحميد الدبيبة بشكل منفرد من دون طرح القرار للتصويت عليه.
وكانت مصادر برلمانية قد كشفت، في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، عن استعداد عدد من النواب لإصدار بيان مشترك للتعبير عن موقفهم الرافض سعي رئاسة مجلس النواب فتح باب الترشح لرئاسة حكومة جديدة وانتهاء ولاية الحكومة الحالية، وللتعبير عن استيائهم كذلك من استمرار تفرد رئاسة مجلس النواب بإصدار القرارات من دون طرحها للتصويت عليها من قبل النواب.
مخاوف من انقسام ليبي جديد
وفيما أكد الرعيض أن جلسة الغد ستناقش العديد من الملفات، ومن بينها الانتخابات والمسار الدستوري وضرورة البت فيهما، قال إن "مناقشة قرار انتهاء ولاية الحكومة سيكون على رأس أولويات جلسة الغد"، مضيفا "ليس حبا في الحكومة الحالية، لكن المخاوف كبيرة من إمكانية دخول البلاد في حال انقسام حكومي جديد".
وحول عقد الجلسة في طرابلس، أشار الرعيض إلى أن "عقيلة صالح لا يريد الاستماع للنواب"، ولذا جاءت الجلسة في طرابلس بعيدا عن طبرق.
وحول تقلص عدد المترشحين لرئاسة الحكومة الجديدة من ثماني شخصيات الى أربع فقط، وهم وزير الداخلية الأسبق فتحي باشاغا، ونائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق السابقة أحمد معيتيق، والسياسي الليبي محمد المنتصر، وسفير ليبيا السابق لدى الإمارات العارف النايض، بعد فزر رئاسة مجلس النواب ملفات المترشحين، علق الرعيض بقوله "حتى الآن لا يوجد شيء".
وفي إشارة إلى أن تداول ملفات المترشحين يدور في كواليس رئاسة مجلس النواب، قال "أنا شخصيا كنائب لا أعلم شيئاً عن المترشحين ولم تطرح علينا أسماؤهم".
واعترض عضو مجلس النواب عبد المنعم العرفي، المقرب من صالح، على دعوة النويري لجلسة في طرابلس، وقال "لا يحق للنائب الأول لرئيس مجلس النواب الدعوة لعقد جلسة خارج قبة البرلمان، لأن المجلس في حالة انعقاد دائم"، معتبرا أن "تصرف النويري بالدعوة لعقد جلسة في طرابلس ببعض الأعضاء يعتبر محاولة لتعميق الانقسام"، على حد قوله في تصريحات صحافية.
الدبيبة يواصل مهامه
ولم يصدر عن رئاسة مجلس النواب على الفور أي بيان أو موقف من جلسة الغد، بينما لا يزال من المقرر أن تُخصص جلسة الاثنين المقبل لعرض المترشحين برامجهم الحكومية، فيما يتم التصويت على اختيار أحدهم رئيسا لحكومة جديدة.
وعبر الدبيبة عن رفضه إجراءات مجلس النواب واصفا إياها بـ"المحاولة اليائسة لعودة الانقسام"، مؤكدا أنه لن يسلم السلطة إلا لسلطة منتخبة. كما أنه يواصل أعمال حكومته، وكان آخرها تدشين أعمال استكمال الطريق الدائري الثالث في طرابلس.
كما أعلن المجلس الأعلى للدولة، الثلاثاء الماضي، عن رفضه سعي مجلس النواب تغيير الحكومة من دون إجراء تعديل دستوري متفق عليه لإجراء الانتخابات.
وعلى المستوى الأممي والدولي، أكدت المستشارة الأممية ستيفاني وليامز ضرورة أن يركز مجلس النواب على ملف الانتخابات قبل البت في وضع الحكومة الحالية.
وحذرت، خلال حوار لها مع صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، من خطورة تشكيل حكومتين في البلاد، فيما هدد السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند بمعاقبة المجتمع الدولي معرقلي العملية السياسية، معبرا عن مخاوفه من أن يؤدي تشكيل حكومة جديدة إلى تعطيل الانتخابات أو وجود حكومة موازية.
تفتيت قاعدة الدبيبة الشعبية
وفي ظل الحراك المتزايد ضد قرار صالح حول الحكومة، يرى الناشط السياسي الليبي من طبرق، صالح المريمي، أن عقيلة صالح لن يتراجع كليا عن قرار إطاحة الدبيبة وحكومته، خصوصا أنه ضمن تحالفا قويا ممثلا في ثلاث شخصيات تنحدر من مصراتة، وهي المدينة التي يتحدر منها الدبيبة، لتفتيت قاعدته الشعبية، وهي باشاغا ومعيتيق والمنتصر، كما أنها تنتمي لغرب البلاد وتمتلك صلات قوية بالتشكيلات المسلحة.
ولم يستبعد المريمي في حديثه لـ"العربي الجديد" أن يكون صالح هو من يقف وراء اجتماع طرابلس. وقال: "صالح يدرك هشاشة المستند القانوني لقراراته، ولذا يسعى لاستيعاب معارضيه الذين يمكنهم أن يطالبوا بضرورة إخضاع قرارته للتصويت، وهذا سيفتح الباب أمام اتساع دائرة النواب المعارضين لتناقش قضايا أخرى تُخرج قرارات المجلس عن سيطرته".
ومع ذلك، لا يعتبر المريمي أن اجتماع طرابلس يشكل خطرا كبيرا بالنسبة لصالح، مذكرا باجتماعات سابقة للنواب المعارضين لصالح، بعضها سعى لإطاحته، من دون أن تنجح.
لكن الظروف والمستجدات تختلف الآن، وفقا لرأي أستاذ العلوم السياسية بالأكاديمية الليبية الدوكالي الهاين، الذي عبر عن خشيته من تفاقم الوضع بين النواب وتحوله إلى حالة تشظٍ سياسي جديد.
ويشرح الهاين رأيه بالقول لـ"العربي الجديد" إن "الوضع يختلف، فالآن يوجد الدبيبة الذي يمكنه أن يحشد لظهير نيابي معارض لعقيلة صالح، كما أن لغة المجتمع الدولي المتحفظة على تغيير الحكومة وتعامل صالح مع ملف الانتخابات قد تشجع النواب المعارضين على تصعيد موقفهم والمطالبة بتغيير الرئاسة (مجلس النواب)".
وفي كل الأحوال، يرى الهاين أن تفاقم الوضع في مجلس النواب ستكون نتائجه سلبية على إمكانية تنظيم الانتخابات، معتبراً "اجتماع طرابلس أول المؤشرات على ذلك".
وتابع "يمتلك صالح القدرة على المناورة للتعاطي مع المواقف الرافضة لمساعيه، ويمكن أن يعلن عن توافق مع مجلس الدولة على تحديد موعد قريب للانتخابات وقاعدة دستورية مؤقتة لذلك، لكنه سيقول إن ذلك يحتاج وقتا، لمزيد من المماطلة وكسب الوقت".