على الرغم من أنه محروم من الوصول إلى أرضه الواقعة شرقي بلدته عقربا، جنوب شرق مدينة نابلس، منذ عام 1967، فإن الحاج السبعيني جودت بني جابر، رئيس بلدية عقربا الأسبق، يرفض وبشدة قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي مصادرة أرضه ضمن قرار أوسع يشمل سرقة ومصادرة نحو 3500 دونم بدعوى أنها "أراضي دولة".
بني جابر، ومع المرارة التي يعيشها جراء هذا القرار، إلا انه يؤكد بطلانه، قائلاً لـ"العربي الجديد": "الورقة التي وصلت إلى بلدية عقربا أخيراً ممهورة بتوقيع حارس (أملاك الغائبين) في حكومة الاحتلال الإسرائيلي، أي يدعي الاحتلال أن أصحاب الأراضي التي سرقوها غائبون عن فلسطين. إذاً ماذا أفعل أنا هنا في عقربا. أنا وأولادي وأحفادي نعيش هنا كما عاش آبائي وأجدادي. نحن لم نغادر فلسطين، فكيف يعتبروننا غائبين؟ هذا يؤكد أنها قرصنة، لكن بغلاف قانوني".
وتبلغ مساحة الأراضي المصادرة 3492 دونماً، في الحوض رقم 13 من موقع جبل القرين، والحوض 14 من جبل المسترة، وتعود ملكيتها بالكامل لحمولة بني جابر التي تقطن عقربا، وسجلات المالية تثبت ذلك، لكن الاحتلال الإسرائيلي، وعقب فرض سيطرته العسكرية على الضفة الغربية عام 1967، أصدر قراراً وعلّق نسخاً منه على أبواب البيوت ومساجد البلدة باعتبارها منطقة عسكرية مغلقة لقربها من الحدود مع الأردن، ومنع المزارعين من الوصول إليها لعقود.
ويقول بني جابر "كانت تلك الأراضي تزرع بالقمح والشعير والخضار والبقوليات عامة، ومصدر رزق لغالبية أهالي القرية والقرى المجاورة، فهي خصبة وتتوفر فيها المياه، ولكن بعد منعنا من الوصول إليها تحولت إلى مراعٍ، حيث يعاني أصحاب المواشي كثيراً قبل تمكنهم من إدخال الأغنام والأبقار إليها، خاصة مع إقامة مستوطنة زراعية بالقرب منها في الثمانينيات".
من جهته، قال رئيس بلدية عقربا صلاح الدين خليل لـ"العربي الجديد"، إن بلدتهم تُعدّ من أكبر البلدات بالضفة الغربية مساحة، حيث تزيد عن 144 ألف دونم، وامتداد أراضيها يصل إلى حدود نهر الأردن شرقاً، لكن غالبيتها العظمى مصنفة "ج" حسب اتفاق أوسلو، بمعنى أنه يُمنع على الفلسطينيين الاستفادة منها خاصة على الصعيد العمراني، لافتاً إلى أن الأراضي التي صدر قرار بالاستيلاء عليها تعود لـ"بني جابر"، التي يزيد عدد أفرادها عن 7 آلاف نسمة في فلسطين وخارجها، واستند الاحتلال إلى قانون أملاك الغائبين لإعلانها أملاك دولة.
وأشار خليل إلى أن الاحتلال بدأ أخيراً ينظم مسارات سياحية للمنطقة المصادرة، لما تتمتع به من تضاريس متنوعة، لكن الأخطر محاولاته تزوير التاريخ، حيث يدعي أنه وجد آثاراً فيها تثبت أقدميته في المكان، ما يشي بأنه يخطط لإنشاء مستوطنة أو بؤرة استيطانية ذات طابع سياحي في الموقع.
وأوضح خليل أنه في حال نفذ الاحتلال مخططاته، فستطبق المستوطنات على بلدة عقربا، حيث توجد أربع مستوطنات تحيط بعقربا، إضافة لسبع قواعد عسكرية إسرائيلية من الجهات كافة.
وشدد رئيس البلدية على إصرارهم على مواجهة القرار الإسرائيلي الأخير الذي يُعد الأخطر، ويهدّد بحال تنفيذه كينونة البلدة والبلدات والقرى المجاورة، ويقول: "لذلك باشرنا فوراً الإجراءات القانونية مع جهات الاختصاص لتقديم الاعتراضات. صحيح أننا مضطرون للتحاكم أمام القضاء الإسرائيلي الذي هو شريك في المؤامرة، لكن لا توجد وسيلة أخرى حالياً".
ويرى خليل أن ما جرى هو جزء من مخطط أكبر يهدف إلى السيطرة التامة على السفوح الشرقية للضفة الغربية، وتحديداً الملاصقة منها للأغوار، لافتاً إلى أن سلطات الاحتلال، ومنذ مطلع العام 2022، أصدرت ثلاثة إعلانات تقضي بتحويل أراضي المواطنين في مناطق مختلفة من عقربا إلى "أراضي دولة" يحظر على الفلسطينيين الوصول إليها، وبالتالي حظر زراعتها واستخدامها واستصلاحها.
بدوره، يشير مدير مركز أبحاث الأراضي محمود الصيفي إلى أن الاحتلال يواصل استهداف التجمعات البدوية التي تقطن الأغوار والمناطق الشفا غورية تحديداً، وخاصة الواقعة شرق بلدة عقربا، وذلك عبر تحويل مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية التي يفترض أن تكون مصدر دخل لمئات العائلات الزراعية، إلى مناطق ألغام، ومناطق مغلقة عسكرياً يُمنع وجود أصحابها الشرعيين فيها من دون أي مبرر أو سبب مقنع.
وفي ما يخص تعريف أراضي "أملاك دولة"، أوضح الصيفي لـ"العربي الجديد"، أنها تلك التي تمّ تسجيلها في دائرة السجل العقاري ملكاً حكومياً تابعاً للمملكة الأردنية قبل عام 1967، وأراضٍ أعلن عنها الحكم العسكري في الأمر العسكري الذي يحمل الرقم 59/1967 أراضٍ عامة، أي أنها ليست أراضي "ملك خاص"، ويتولّى الحكم العسكري إدارة هذه الأراضي التي يُفترض أن تُستعمل للمصلحة العامة.
وتبلغ مساحة أراضي الدولة المسجلة والمعلنة في منطقة "ج" حوالي 1286 كيلومتراً مربعاً، حيث تشكل ما نسبته 37 بالمائة من مساحة منطقة "ج"، وخلافاً لقوانين الاحتلال الدولية، خصّص القائد العسكري الأغلبية الساحقة من الأراضي العامة، خدمةً للمشروع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية.
وكان معهد الأبحاث التطبيقية "أريج" قد قال في تقرير له إن 243 بؤرة استيطانية منتشرة في أراضي الضفة الغربية منذ عام 1967.
وبيّن في تقرير حول البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية، نشره الأربعاء الماضي، أن انتشار ظاهرة البؤر الاستيطانية غير المرخصة بدأ في التسعينيات، "بعد أن خفضت إدارة رئيس وزراء الاحتلال الأسبق إسحاق رابين آنذاك معدل المصادقة على البناء في المستوطنات المقامة في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1993، وذلك لتسارع المفاوضات مع الفلسطينيين التي سبقت توقيع اتفاق أوسلو".