نظام السيسي بين روسيا وأميركا: محاولة صعبة لإرضاء الطرفين

04 مارس 2022
متظاهرة أوكرانية أمام مبنى الأمم المتحدة بنيويورك (مايكل سانتياغو/Getty)
+ الخط -

نجحت الضغوط الأميركية والأوروبية، على ما يبدو، في دفع مصر إلى تحريك موقفها من الحرب الروسية على أوكرانيا، ونقلها من مربع الحياد إلى الاقتراب نسبياً من الجانب الغربي في معركته ضد روسيا داخل أروقة الأمم المتحدة في نيويورك.

فبعد أن كانت القاهرة متأرجحة بين القوتين اللتين ترتبط معهما بمصالح قوية، منعتها من تبنّي أي موقف خلال الأيام الماضية، اضطرت، مساء أول من أمس الأربعاء، إلى التصويت لصالح مشروع قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة "يدين بأشد العبارات العدوان الروسي على أوكرانيا"، ويطالب روسيا بـ"الكف فوراً عن استخدامها للقوة ضد أوكرانيا والامتناع عن أي تهديد أو استخدام غير قانوني للقوة ضد أي دولة عضو".

وقالت مصادر دبلوماسية، في أحاديث خاصة لـ"العربي الجديد"، إن القاهرة كانت متمسكة حتى اللحظة الأخيرة، بعدم تبني أي موقف في الأزمة، خشيةً من أن يؤثر ذلك على مصالحها مع الطرفين، حتى أن التعليمات التي صدرت لوسائل الإعلام، التي تمتلك المخابرات العامة معظمها، كانت في البداية تؤكد على تبنّي سياسة الحياد وعدم الترويج لأي طرف على حساب الطرف الآخر.

وبدأت بعض القنوات باستضافة شخصيات دبلوماسية من روسيا وأوكرانيا، واستضاف المذيع عمرو أديب في برنامجه على قناة "أم بي سي مصر" السعودية، السفير الروسي في القاهرة جيورجى بوريسينكو قبل أيام.

تبدّل الموقف المصري

ولفتت المصادر إلى أن التعليمات قد تغيرت مساء الإثنين الماضي، وتم منع نشر أي مواد متعلقة بالأزمة الروسية-الأوكرانية، من مصادر خارجية، باستثناء وكالة الأنباء الرسمية المصرية (أ ش أ)، وقناة (سي بي سي إكسترا)، بالإضافة إلى موقعي "روسيا اليوم" و"سبوتنيك عربي" التابعين للخارجية الروسية، كما تم منع الاستعانة بأي مصادر أجنبية أو دبلوماسيين وسفراء من الجانبين تماماً.

وأوضحت المصادر أن القاهرة "كانت أكثر ميلاً لتبني الموقف الروسي، لا سيما أن موسكو لطالما دعمت النظام المصري بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي في مواقف عديدة كان يتعرض فيها لضغوط غربية شديدة، خصوصاً في بداية حكم السيسي، عندما كان الغرب يتعامل معه بصفته نظاما انقلابيا".

وأضافت أن "القاهرة تصطف أصلاً مع المعسكر الروسي في ليبيا، وهي القضية التي تحظى بأهمية كبرى بالنسبة لمصر. كما أن القاهرة كانت تعول على دور روسي مؤثر في أزمة سد النهضة الإثيوبي، لكنها لم تكن تستطيع أن تعلن عن ذلك صراحة حتى لا تغضب الولايات المتحدة التي تربطها بها مصالح عميقة وعلاقة استراتيجية ممتدة، ولذلك تبنت سياسة الصمت".


القاهرة كانت تعول على دور روسي مؤثر في أزمة سد النهضة الإثيوبي

وأضافت المصادر أنه "مع تصاعد الضغط الأميركي، والتلويح بعقوبات على النظام المصري إذا لم يدعم الموقف الغربي من الغزو الروسي لأوكرانيا، وفي الوقت ذاته الوعود بمساعدة القاهرة في أزمة سد النهضة الإثيوبي، اضطرت القاهرة إلى التصويت لصالح القرار الأممي الذي يدين موسكو".

وأكدت المصادر أن "تلك الضغوط وصلت إلى ذروتها مع الدعوة التي وجهتها مجموعة الدول السبع الصناعية والاتحاد الأوروبي، إلى مصر، لتقديم إدانة للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وذلك من خلال بيان مشترك لسفراء دول المجموعة والاتحاد الأوروبي في مصر، أوردته السفارة الأميركية في القاهرة عبر موقعها الإلكتروني، مساء الثلاثاء الماضي.

وأفاد البيان بأن "محاولة روسيا زعزعة استقرار النظام الدولي سوف يكون لها صدى أيضاً على منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، بما في ذلك مصر".

وأكدت المصادر أن القاهرة كانت تدرس خيار الامتناع عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار إدانة روسيا، باعتبار أن التغيب عن التصويت ليس رفضاً للقرار، ولا يحجبه، لكن المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، أكدت لنظيرها المصري أسامة عبد الخالق أن ذلك سيعد بمثابة رفض للقرار.

واعتبرت أنه يجب على القاهرة أن تتحمل تبعات ذلك، مثلما حدث مع الإمارات في مجلس الأمن الدولي عندما امتنعت عن التصويت ضد موسكو مع الممتنعين وشكرتهم روسيا واعتبرتهم ضمن معسكرها، ولذلك اضطرت القاهرة إلى توجيه مندوبها في الأمم المتحدة إلى التصويت لصالح القرار، بعد نقله التهديدات الأميركية إلى إدارته.

وأضافت المصادر أن "القيادة السياسية المصرية حرصت على توجيه وزير الخارجية سامح شكري، لصياغة بيان توضيحي لموقف مصر بعد التصويت ضد روسيا، في محاولة للحفاظ على علاقة جيدة بالرئيس فلاديمير بوتين".

وفي هذا السياق، أكد دبلوماسي مصري سابق، أن "محاولات القاهرة إرضاء جميع الأطراف، محفوفة بالمخاطر"، مضيفاً أن "هذه الطريقة لا تصلح مع الكبار، لأن معنى ذلك أن الذي يكتب مثل هذا الكلام، ليس محترفاً ولا يعرف مصلحته مع من، ولا يتنبأ جيداً بمصير الأحداث".

وقال، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن "شرح المندوب المصري لأسباب تصويت بلاده لصالح القرار، بدا وكأنه يعرض تحفظاته على القرار، وأنه أُجبر على تأييد قرار لا يتفق معه". وأكد أن "الطريقة التي اتبعتها القاهرة ستجعلها تخسر الطرفين، لأنها لم تكن حليفاً لأحد في هذه الأزمة الخطيرة التي سوف تشكل العلاقات الدولية من جديد بناء على مواقف الدول المختلفة منها".

مصر تبرر تصويتها

وأشار المصدر إلى نمط التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ صوتت 141 دولة لصالح القرار، بينما صوتت خمس دول ضد القرار، وامتنعت 35 أخرى عن التصويت، قائلاً إن "امتناع دول مثل الجزائر والعراق عن التصويت، يعتبر موقفاً أكثر إيجابية ووضوحاً من الموقف المصري، الذي على الرغم من أنه بدا واضحاً أنه في المعسكر الغربي ضد روسيا، لكن في البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية، أصبحت مصر محسوبة على المعسكر الروسي، وفي هذه الحالة خسرت مصر الطرفين".

وفيما بدا أنه اتقاء للغضب الروسي، أصدرت وزارة الخارجية المصرية بياناً، مساء أو من أمس الأربعاء، قالت إنه "شارح لتصويت مصر في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة"، لصالح قرار يطالب روسيا "بالتوقف فوراً عن استخدام القوة ضد أوكرانيا"، وهو البيان الذي وصفه دبلوماسي مصر بأنه "بدا وكأنه يعرض تحفظات مصر على القرار، وكأنها أجبرت على تأييد قرار لا تتفق معه".


الطريقة التي اتبعتها القاهرة، ستجعلها تخسر الطرفين

وذكرت الخارجية المصرية في بيان أنه "اتصالاً بالقرار الذي تم اعتماده وصوتت مصر لصالحه انطلاقاً من إيمانها الراسخ بقواعد القانون الدولي ومبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة، تودّ مصر أن تؤكد أن البحث عن حل سياسي سريع لإنهاء الأزمة عبر الحوار وبالطرق السلمية ومن خلال دبلوماسية نشطة يجب أن يظل نصب أعيننا جميعاً، والهدف الأساسي للمجتمع الدولي بأسره في التعامل مع الأزمة الراهنة، ومن ثم يتعين إتاحة الحيز السياسي الكفيل بتحقيق ذلك الهدف الأساسي". وأكدت أنه "لا ينبغي أن يتم غض الطرف عن بحث جذور ومسببات الأزمة الراهنة والتعامل معها، بما يصمن نزع فتيل الأزمة وتحقيق الأمن والاستقرار".

ورفضت الخارجية "منهج توظيف العقوبات الاقتصادية خارج إطار آليات النظام الدولي متعدد الأطراف من منطلق التجارب السابقة والتي كان لها آثارها الإنسانية السلبية البالغة، وما أفضت إليه من تفاقم معاناة المدنيين طوال العقود الماضية".

وأضافت في البيان أن مصر "تجدد التحذير من مغبة الآثار الاقتصادية والاجتماعية للأزمة الراهنة على الاقتصاد العالمي برمته، والذي ما زال يعاني من تداعيات وباء كورونا، ولعل الاضطراب المتزايد في سلاسل الإمداد وحركة الطيران الدولي لأبلغ دليل على ذلك". واعتبرت أن "فاعلية ومصداقية قدرة آليات العمل الدولي متعدد الأطراف في مواجهة التحديات والأزمات المتلاحقة إنما يعتمد على تناول كافة الأزمات الدولية، وفقاً لمعايير واحدة ثابتة متسقة مع مبادئ الميثاق ومقاصده، من دون أن تمر عقود تم خلالها تكريس الأمر الواقع والمعاناة الإنسانية".

المساهمون