بحلول اليوم السبت، تكون الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي قد أتمت ستة أشهر من عمرها المقرر أن ينتهي مع الانتخابات البرلمانية المبكرة المقررة في 6 يونيو/حزيران المقبل. واعتبر مراقبون أن مهلة الأشهر الستة كانت مواتية للكاظمي، من ناحية الدعم السياسي الدولي وحتى الشعبي له، من أجل تحقيق تقدم على مختلف الأصعدة في البلاد، إلا أن الحكومة لم تتمكن من حل أي من الأزمات المتراكمة. وتطرّق هؤلاء خصوصاً إلى عدم معالجة الأزمات التي أدت إلى اندلاع احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول 2019، على الرغم من اعترافهم بنجاح رئيس الوزراء بتحديد موعد للانتخابات المبكرة منتصف العام المقبل. وفي هذه الفترة أيضاً وجدت الحكومة نفسها أمام أزمات جديدة تضاف إلى ما كانت تواجهه الحكومات السابقة، مثل عجزها عن توفير مرتبات الموظفين، والمماطلة في محاسبة قتلة المتظاهرين، فضلاً عن الضغط الذي تتعرض له من قبل قوى مقرّبة من إيران، بشأن الإسراع في إخراج القوات الأجنبية، تحديداً الأميركية، من العراق. مع العلم أن مجلس النواب يستعد لاستضافة رئيس الوزراء العراقي (لم يتمّ تحديد موعد لذلك بعد) للاستفهام بشأن قضايا عدة، في مقدمتها الأزمة المالية، ومستقبل وجود القوات الأجنبية.
مصطفى الكاظمي بالغ في إطلاق وعود عجزت حكومته عن تنفيذها
في السياق، كشف عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان، بدر الزيادي، أن رئاسة مجلس النواب طلبت من الأعضاء تحديد موعد لاستضافة الكاظمي من أجل مناقشة ملفات عدة، وفي مقدمتها مقتل قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس بضربة جوية أميركية في بغداد، في 3 يناير/كانون الثاني الماضي، وجدولة انسحاب القوات الأميركية. ونوّه، في حديثٍ لصحيفة "الصباح"، أن البرلمان سيناقش مع الكاظمي قضايا مختلفة مثل الأزمة المالية، والاستعداد للانتخابات، وزيارات رئيس الوزراء الخارجية، فضلاً عن ملف اللجان التحقيقية في مقتل المهندس. ولفت الزيادي إلى أن انشغال القوى السياسية بملف الانتخابات تسبب في تأخير طرح ملف الخروقات الأميركية، موضحاً أن جلسات البرلمان المقبلة ستشهد طرح خروج القوات الأميركية مجدداً. وذكر عضو آخر في البرلمان، لم يكشف عن اسمه، أن الحكومة لم تحقق أيا من وعودها التي طرحتها عند تشكيلها، باستثناء تحديد موعد الانتخابات المبكرة، التي بوشر الحديث عن احتمال تأجيلها. وأوضح، في حديثٍ لـ "العربي الجديد"، أن الكاظمي لم يتمكن من تقديم قتلة المتظاهرين للقضاء، كما أن حملته ضد الفاسدين لم تشمل كبارهم الذين تسببوا في هدر مليارات الدولارات أثناء وجودهم في السلطة خلال السنوات الماضية. وأشار إلى أن الحكومة تقف عاجزة حتى اليوم عن توفير رواتب الموظفين، في سابقة خطيرة تهدد قوت المواطن. واعتبر أنّ الكاظمي أخطأ حين بالغ في إطلاق وعود عجزت حكومته عن تنفيذها.
الكاظمي لم يتمكن من تقديم قتلة المتظاهرين للقضاء
من جهته، اعتبر عضو البرلمان عن تحالف "الفتح" ثامر ذيبان، أن الكاظمي يسير بالعراق نحو المجهول، مؤكداً في تصريح صحافي أن سياساته يمكن أن تتسبب في دمار الاقتصاد العراقي، والتأثير في السياسة الخارجية. ورفض ذيبان انسحاب الحكومة العراقية من الاتفاقية الصينية، والذهاب نحو دول ليست لديها إمكانيات للإعمار، مؤكداً أن البرلمان لن يسمح بمثل هذه الخطوات. بدوره، رأى عضو التيار المدني في بغداد، علي الدراجي، أن مهلة الأشهر الستة كانت كافية لتحقيق كثير من الاستحقاقات من قبل هذه الحكومة، أقلها تقديم المتورطين بقتل 700 متظاهر وإصابة أكثر من 27 ألفا آخرين، أو المتورطين في الفساد أو فرض هيبة الدولة في العاصمة بغداد. وقال إن الناس باتت تشعر بأن المليشيات أقوى الآن من الجيش والشرطة وكل الأجهزة الأمنية. ولفت إلى أن الانتخابات المبكرة مهددة، حتى لو أجريت في موعدها، لأن ظروف فتح صناديق الاقتراع أمام المواطنين لن تكون نظيفة، لوصفها بـ"الانتخابات النزيهة". أما الخبير في الشأن العراقي أحمد الحمداني، فقال لـ"العربي الجديد"، إنّه على الرغم من التحديات الكبيرة والمعروفة أمام حكومة الكاظمي، لكنه كان يمكن إحراز تقدم في ملفات عديدة خذل العراقيين فيها، مثل ملف الفساد وملف قمع المتظاهرين وملف المحاصصة الطائفية. ورأى أن الكاظمي عزّز المحاصصة ورسّخها في التعيينات الأخيرة، بدلاً من تخفيفها. وأضاف الحمداني أن الكاظمي حظي بدعم دولي وشعبي، لكنه أخفق في استثمارهما، بل على العكس ساعد في إخماد التظاهرات التي كان يمكن أن يستغلها في مواجهة الدولة العميقة والمليشيات، كحجة وغطاء لإجراء الإصلاحات المنشودة في البلاد. وعلى العكس، بدت حتى لجان التحقيق في الجرائم والحوادث الأمنية عاجزة عن الانتهاء وتقديم أجوبة للناس إن لم يكن تحديد القتلة. لكنه في الوقت عينه اعتبر أن الوقت لم يفت بعد أمام الكاظمي، غير أن الأخير لم يقدّم بوادر تشي بإمكانية قيامه بإصلاحات جذرية. وكان البرلمان العراقي قد منح الثقة لحكومة الكاظمي في 7 مايو/أيار الماضي، بعد أشهر من استقالة رئيس الحكومة السابق عادل عبد المهدي، استجابة لمطالب المتظاهرين، إثر موجة قمع غير مسبوقة قابلت بها الحكومة المتظاهرين المطالبين بالإصلاحات.