نصف الحقيقة

04 أكتوبر 2021
أكد سعيّد لماكرون أنّه سيجري حواراً داخلياً (كريستوف بوتي/فرانس برس)
+ الخط -

غضب تونسيون كثيرون عندما علموا أن بلادهم تحولت إلى سطر في برقيات وكالات الأنباء، خصوصاً بعدما ذكرت وكالة "رويترز"، مساء الأربعاء الماضي، أن مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان تحدث مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ومن ضمن المواضيع التي طُرحت "الحث على العودة إلى النظام الدستوري في تونس". غضِب تونسيون لأنهم يَرَوْن بلادهم تتحول إلى ورقة دبلوماسية للنقاش، وربما للمزايدة وتبادل المصالح بين بلدان أخرى تتقاذفها، ولكن هذا العطب الدبلوماسي يتسع يوماً بعد يوم ويثير استغراباً واضحاً لجهة تحوّل الصمت الدبلوماسي التونسي من قضايا مصيرية إلى قاعدة. كما يستفز التونسيون بسبب ما يبدو أنه حسابات إقليمية لا يمكن الاطمئنان لمتانتها، ولن يفهم أحد كيف سكتت تونس عن خلاف يتفاقم بين المغرب والجزائر، من دون أي مسعى لتخفيف حدة التوتر وتطبيع العلاقات في حدها الأدنى. سكتت تونس وكأن الأمر لا يعنيها، أو كأنها لن تتضرر منه عاجلاً أو آجلاً.
وأول من أمس السبت، تفاجأ تونسيون بأن رئيسهم ينوي إجراء حوار وطني وتشكيل حكومة قريباً. قرأوا الخبر من الوكالات الأجنبية التي نقلته من باريس ومن قصر الإليزيه تحديداً، بينما نشرت الرئاسة التونسية قبل ذلك بياناً حول المكالمة بين الرئيسين قيس سعيد وإيمانويل ماكرون، ليس فيها من الملفات إلا عتاباً على خفض التأشيرات الفرنسية الممنوحة للتونسيين. ولم يذكر البيان التونسي أن الرئيس الفرنسي أكد "تمسكه بإقامة حوار تشارك فيه مختلف مكونات الشعب التونسي حول الإصلاحات المتوخاة، مشدداً على وقوف فرنسا الدائم إلى جانب الشعب التونسي". ولم يتطرق البيان إلى أن "قيس سعيد أكد لماكرون بأن الحكومة ستتشكل في الأيام المقبلة، وأنه سيتم إطلاق حوار وطني في أعقاب ذلك"، عكس البيان الفرنسي.

لم يستشِر الرئيس التونسي أحداً ولم يُعلم أحداً، ولم يتكبد مستشاروه عناء إعلام التونسيين بنية الحوار. وهو تطور سياسي مهم وليس مجرد خبر، ولكنّ التونسيين اعتادوا منذ أسابيع قراءة بيانات الرئاسة حول لقاءات الرئيس، وانتظار نصف الحقيقية الأخرى من بيانات الضيوف. وهذا أمر مؤسف للغاية وغير مفهوم أصلاً، بما أنه تكرر مرات عديدة، ولكن المهم الآن أن الرئيس قرر أخيراً أن يتحاور ويكسر جدار القطيعة مع تونسيين شركاء في المصير. وستبدأ الآن سلسلة التكهنات لأن الرئاسة لا تفصح، عن كيف سيكون الحوار ومتى ومن سيشمل وما إذا كان سيضمّ جميع مكونات المجتمع، كما قال ماكرون، أم سيستثني كل أولئك الذين لا يحب سعيّد التحاور معهم.

المساهمون