حدد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله شروطه الرئاسية التي من دونها لن يكون هناك رئيس جديد للبنان، مطالبا برئيس يقف بوجه التهديدات والإملاءات والعقوبات الأميركية، إضافة إلى الصفة الأساسية الواجب توافرها، والمتمثلة في "عدم طعن المقاومة في ظهرها".
هذه الصفات كشف نصر الله أنه تطرّق إليها في جلسة داخلية مع رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، إذ قال له: "نريد رئيساً إذا نفخ عليه الأميركيون لا يطير ويصبح في البحر المتوسط، رئيساً لديه ركب، شجاعاً، ومستعدا للتضحية، فإذا هدده الأميركيون ورأى أن هناك مصلحة وطنية كبرى لن يفرق معه عندها الأميركيون، ولدينا هذه النماذج، وتحدثنا ببعض الأسماء".
ويأتي كشف نصر الله عن نقاشاته مع باسيل في وقتٍ تمرّ فيه العلاقة بين الطرفين بأسوأ مراحلها، التي عكّرها الإشكال الكبير حول مقاربة جلسات مجلس الوزراء في ظل هيئة تصريف أعمال والفراغ في سدة الرئاسة الأولى، وعدم مسايرة الحزب التيار بقرار المقاطعة، عدا عن تمسّك نصر الله بترشيح غير معلن رسمياً بعد لرئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، الذي يناسب مواصفات الحزب، والذي يضع باسيل فيتو عليه، خصوصاً أن الأخير كان يُعتبَر من المرشحين الطامحين لخلافة عمه الرئيس السابق ميشال عون.
ويرفع جمهور "التيار الوطني الحر" في الفترة الأخيرة من منسوب هجومه على "حزب الله"، سارداً التضحيات التي قام بها باسيل من أجل الحفاظ على التفاهم، بينها تلقيه العقوبات الأميركية، علماً أن أنباء كثيرة ترددت عن محاولة رئيس "التيار" المستمرة مع الأميركيين لرفع هذه العقوبات عنه، خصوصاً أنه يطمح للرئاسة الأولى، وذلك بتسويات سياسية منها ما ارتبط بملف ترسيم الحدود البحرية، الكلام الذي كان ينفيه باسيل باستمرار.
وحسم نصر الله، في كلمة له اليوم الخميس بمناسبة الذكرى الثلاثين لانطلاقة "المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق"، الملف الرئاسي بالنسبة إليه، وقال: "لا نريد رئيساً لتقطيع ولاية الست سنوات، والحديث عن ملء الموقع المسيحي والماروني الأول ليس هذا حدوده، بل هذا تبسيط للموضوع، إذ نريد رئيساً وحكومة لإنقاذ البلد، وإذا النية فقط تمرير الست سنوات كيفما كان، فهذا سهلٌ، ننتخب رئيسا في الجلسة المقبلة، لكن هذا ليس ما نبحث عنه".
وأضاف أن "السنوات الست المقبلة ستكون مصيرية بالنسبة إلى لبنان واللبنانيين، لذلك نريد رئيساً من النوع الذي أشرنا إليه، وحكومة ووزراء من النوع نفسه، وهذا شرط أساسي من شروط النهوض الاقتصادي في المرحلة المقبلة".
وتابع: "كما لا نريد رئيساً أو وزراء يقولون اتصلوا بنا من السفارة الأميركية وطلبوا منا رفض القيام بهذا أو ذاك"، مشدداً على أن "القوى التي تسمي نفسها سيادية تعرف ذلك وتسكت وتصمت صمت أهل القبور".
وتأتي كلمة نصر الله في وقت سجل مجلس النواب الفشل رقم 11 بانتخاب رئيس جديد للبلاد، بعدما عقد البرلمان دورته الأولى، ومن ثم انسحب نواب حزب الله وحلفائه من القاعة، في خطوة تتكرر في كل جلسة لتعطيل النصاب.
وسجل خرقان اليوم، الأول بإعلان نواب "الحزب التقدمي الاشتراكي" تعليق مشاركتهم في الجلسات المقبلة في حال استمر السيناريو نفسه، والثاني بإعلان النائبين ملحم خلف ونجاة عون صليبا بقائهما في المجلس النيابي حتى عقد دورات متتالية لانتخاب رئيس، في اعتصام عاد وانضم إليه عددٌ من النواب الذين يمثلون قوى التغيير.
تأتي كلمة نصر الله في وقت سجل مجلس النواب الفشل رقم 11 بانتخاب رئيس جديد للبلاد
وكان لافتاً حضور وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض، المحسوب على باسيل، المناسبة، والذي كان قد قاطع جلسة مجلس الوزراء أمس الأربعاء، التي بحثت فقط ملف الكهرباء وأقرت سلفة مالية بشأنه من دون حلّ الأزمة بالكامل، فتوجّه إليه نصر الله بكلامٍ طلب منه بشكل مباشر الاستماع إليه واعتبر أشبه بالرسائل في ملف النفط والغاز.
وقال نصر الله إنه "بحسب الدراسات والمعطيات والمعلومات، هناك شيء هائل في بحر لبنان، وثروة هائلة موجودة في البحر المتوسط، وهذه الثروة ستكون أولوية"، مشيراً إلى أن القرار الأوروبي ذاهب باتجاه الاستغناء عن النفط والغاز الروسيين، وحتى إذا توفر له الغاز والنفط من الخليج، فستكون أولويته البحر المتوسط، لأن النقل أقلّ والكلفة أقلّ، والسوق ينتظر ومتلهّف".
وأشار إلى "أننا لم نذهب إلى حافة الحرب، ولم تتحمل الدولة اللبنانية والشعب اللبناني الضغوط في الأشهر القليلة الماضية والتهديدات الإسرائيلية فقط لترسيم الحدود البحرية وإمكانية العمل بالبلوك رقم 9، بل تجب المتابعة بشكل يومي وحثيث بعيداً من المشاكل السياسية، وشكل الحكومة بهيئة تصريف الأعمال وبوجود رئيس للجمهورية أم لا، لأن هذا الملف له علاقة بمستقبل البلد ومصير الشعب".
وتابع: "وزارة الطاقة فتحت الباب أمام الشركات الراغبة في التنقيب بالتقدم لذلك، وأعطت مهلة زمنية، ولكن لا يكفي أن ننتظر الشركات لتأتي هي، بل يجب أن نأتي بالشركات كي لا ينتهي بنا الأمر بشركة أو اثنتين تفرضان الشروط والنسب غير المناسبة للبنان"، مشدداً على أن "ملف النفط في اليابسة، في الأرض، يجب فتحه"، ومشيراً إلى أن هناك ملفا يحضره حزب الله بات جاهزاً، وسيقدمه لوزارة الطاقة والجهات الرسمية.
كذلك، تحدث نصر الله عن أهم نقاط القوة ومصادر المال لعيش اللبنانيين، منها المغتربون، لكن توقف عند المضايقات التي يتعرضون لها بسبب العقوبات الأميركية، غامزاً من قناة تلك التي تفرضها الخزانة الأميركية على رجال أعمال وتجار لهم صلة بحزب الله، نافياً أن يكون لدى الحزب أي علاقة مالية معهم، معبراً عن مآخذه عن عدم قيام الدولة بأي شيء لأجل هؤلاء اللبنانيين.
كما لمح نصر الله إلى عدم تجرؤ الدولة اللبنانية على قبول الهبات، منها الإيرانية، خشية من العقوبات الأميركية، وكذلك التعاون اقتصادياً مع الصين، وغيرها من الملفات التي تحتاج برأيه إلى قرار شجاع وجرأة في اتخاذه من دون الخوف من تهديدات الأميركيين.