لا تزال المرأة اللبنانيّة مبعدة عن مراكز القرار الأساسيّة في لبنان، مثل رئاسات الجمهوريّة والحكومة والبرلمان، على الرغم من حضورها البارز في المجالين الحقوقي والدبلوماسي وفي المحافل الدوليّة، بالإضافة إلى تحسّن التمثيل النسائي في البرلمان اللبناني في الانتخابات الأخيرة التي جرت في مايو/أيار 2022، بفوز 8 نساء، في أفضل تمثيل نسائيّ ترشحاً ووصولاً إلى قبّة البرلمان في تاريخ البلاد.
ومع قرب انتهاء ولاية الرئيس اللبناني ميشال عون في 31 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، بدأ البرلمان جلساته لاختيار خليفته، من دون أن تتّضح حتى الساعة لائحة الأسماء المتنافسة؛ إلا أنه كان بارزاً إعلان امرأتين من خارج القوى السياسية الست الأساسية التقليدية ترشحهما للرئاسة، وهما ترايسي شمعون، سفيرة لبنان السابقة لدى الأردن، ابنة الزعيم الراحل داني شمعون، وحفيدة ثاني رئيس للجمهورية في لبنان بعد الاستقلال، ومي الريحاني، الأديبة اللبنانية والخبيرة في الإنماء العالمي في مجال تعليم الفتيات وحقوق المرأة.
ومع عقد مجلس النواب اللبناني أولى جلسات انتخاب رئيس جديد للجمهورية في 29 سبتمبر/أيلول الماضي، غاب كلياً اسما شمعون والريحاني، لينحصر التنافس في الجلسة بين "الأوراق البيضاء"، والنائب ميشال معوض، وسليم إده، و"لبنان"، في حين كان الاسم النسائي الوحيد الذي حضر خلال الجلسة هو اسم الشابة الإيرانية مهسا أميني، التي فجّرت وفاتها احتجاجات في إيران، من باب تسجيل موقف وتوجيه رسالة لنواب "حزب الله" ومن خلفه النظام الإيراني.
وفيما امتنعت المرشحة للرئاسة ترايسي شمعون عن الإدلاء بتصريح، تقول المرشحة للرئاسة مي الريحاني لـ"العربي الجديد"، إنّ ترشح النساء بحدّ ذاته لرئاسة الجمهورية دعم لدور المرأة القيادي واعتراف به، وحان الوقت أن تصل المرأة للأدوار القياديّة، مشيرة إلى أنها التقت بعدد كبير من النواب الذين ينتمون لكتل كبيرة وآخرون مستقلّون، وعدد منهم رجال، وهم مستعدون لتبني ترشيح امرأة كفوءة تتمتّع بخبرة ومواصفات تناسب مركز رئاسة الجمهورية.
وإذ تؤكد أن هناك دعماً سياسياً لترشيحها من كتل نيابية معينة وأشخاص مستقلين أو تغييريّين، تقول: "هناك حظوظ لوصولي لرئاسة الجمهورية".
ورداً على سؤال عن سبب غياب اسمها أو اسم المرشحة ترايسي شمعون عن الجلسة الأولى لانتخاب رئيس للجمهورية والتي عُقدت في 29 سبتمبر/أيلول الماضي، ورُفعت بعد فقدان النصاب في الدورة الثانية، تجيب: "أعتبر أن الجلسة الأولى كانت نوعاً من البروفا، فالجميع كان يعرف ومتفقاً على النتيجة مسبقاً وهي لم تكن جدية"، وتستدرك: "أخطأ النواب بعدم تمرير اسمي أو اسم شمعون خلال الجلسة كنوع من تأكيد قبول الترشيح النسوي، وترشيح امرأة مؤهلة تتمتع بالمواصفات المطلوبة، ولكنهم كانوا يعرفون مسبقاً ألا انتخاب لرئيس جديد، ولهذا السبب لم يعطوا الأمر أهمية كافية".
وتضيف: "عندما نصل إلى جلسة ننتخب فيها رئيساً أو رئيسة للجمهورية، عندها نعرف من هم النواب والنائبات المستعدون لدعم وصول امرأة كفوءة إلى مركز الرئاسة".
وعن المشاريع التي تحملها للمرأة في حال وصولها إلى الرئاسة، علماً أن صلاحيات الرئيس محدودة، توضح أن "صلاحيات رئيس الجمهورية محدودة إذا لم يستطع الاتفاق مع رئيس الوزراء والوزراء، فعدم تنسيق رئيس الحكومة مع رئيس الجمهورية يضعف الرئاستين الأولى والثالثة"، مشددة على "وجوب أن يكون هناك تجانس بينهما ليكون القرار أقوى"، وتضيف: "أتمنّى إذا وصلت إلى رئاسة الجمهورية أن تكون الأسماء المقترحة من النواب لرئاسة الحكومة متجانسة معي، لنعمل معاً بطريقة أفضل وبتناسق أكبر".
وتؤكد الريحاني أنها ستولي قضايا وحقوق المرأة أهمية، وستعيد النظر بعدد من القوانين التي لم تعطِ بعد المرأة كاملة حقوقها، مضيفة: "أمامنا عمل دؤوب وطويل الأمد يجب أن يستمرّ لسنوات، وسنعمل بجدية على هذا الملف الذي أعتبره من الملفات الأساسية".
صدمة وتهديد للطبقة السياسية
بدورها، تعتبر المحامية والناشطة السياسية نادين موسى، وهي كانت أوّل امرأة تترشح لرئاسة الجمهورية في تاريخ لبنان وذلك عام 2014، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّه يستحيل على مجلس النواب بشكله الحالي إيصال امرأة لمنصب رئاسة الجمهورية، موضحة أن إيصال امرأة إلى هذا المنصب يشكّل صدمة في المجتمع، فهو تغيير حقيقي، لافتة إلى أن المرأة تمثّل تهديداً للطبقة السياسية لأنها بحدّ ذاتها عنصر تغييري، مضيفة بتهكّم: "من المستحيل أن يرضوا بوصول امرأة إلا بوَحي إلهي، أو إذا كانت وريثة سياسية"، مشددة في الوقت نفسه على وجوب أن يكون لدى أي مرشحة برنامج واضح في مختلف القضايا.
وإذ تعبّر عن سرورها لترشح امرأتين حتى الساعة لرئاسة الجمهورية، تشدّد على وجوب أن تطالبا بإجراء مناظرات تلفزيونية علنية بين المرشحين، يعرضون فيها برامجهم على المواطنين والنواب قبل عملية الانتخاب، وليس التشاور في المطابخ الداخلية، فهذه هي الآلية الديمقراطية الصحيحة.
وعن تجربتها في الترشح للرئاسة، تقول موسى: "كانت تجربة غنية على الصعيد الشخصي، بالمعرفة التي اكتسبتها في كلّ مواضيع الشأن العام، وكان لدي فريق متطوعين وضعنا معاً برنامجاً متكاملاً في مختلف المواضيع، وكلّ ما قلته عام 2014 لا يزال قابلاً للتنفيذ اليوم"، مشيرة في المقابل إلى أنها تعرّضت للتعتيم الإعلامي في لبنان، ومن قبل الطبقة السياسية بأجمعها التي لم تكن تتحمّل وجودها، أولاً لأنها امرأة، وثانياً لأنها خارج ناديهم المغلق، على حدّ قولها، مشبّهة الطبقة السياسية بالقبائل في القرون الوسطى.
وتضيف: "لم تقبل أطراف هذه الطبقة بلقائي، عدا رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجمّيل، والنائب في حينها عن حزب القوات اللبنانية وهبة قاطيشا، في حين أنّ الآخرين لم يقوموا حتى بالردّ عليّ، لأنني امرأة، ودون غطاء سياسي".
وتؤكد قائلة: "واجهتُ عقلية ذكورية مترسخة بشكل كبير خلافاً للمظاهر، وكنت أسمع تعليقات مسيئة، وهذا حقق هدفي بإزعاج الطبقة السياسية لأنّني أردت أن أخلق صدمة فكرية"، وتضيف: "كنت أضع لائحة أهداف، أعتقد أنها تحققت، ومنها تمكين المرأة، وهذا تجسّد في ثورة 17 تشرين، فالثورة كانت أنثى، وقد أظهرت النساء اللبنانيات شجاعة لا تُقاس، ووعياً، وتنظيماً، وحباً للوطن، وتضحيةً، وأعتقد أنّ مبادرتي قامت بتشجيعهنّ، بالإضافة إلى كسر الطابع الذكوري والإقطاعي للطبقة السياسيّة، مع انتخاب المواطنين مرشحين يشبهونهم".
كسر الصورة النمطية
من جهتها، تقول رئيس منظمة "فيفتي فيفتي" التي تُعنى بتعزيز المساواة بين الجنسين في القطاعين العام والخاص جويل أبو فرحات، لـ"العربي الجديد"، إن ترشح النساء لرئاسة الجمهورية يكسر الصورة النمطية، ويؤكد أنّها يمكن أن تتولّى هذا المنصب مثل الرجل، مشددة على "وجوب إعطاء المرأة في لبنان فرصاً لتؤكد أنّها قادرة أن تفيد وطنها على الصعيد السياسي، فهي تعمل بطريقة مختلفة عن الرجل، ونحن بحاجة للاثنين معاً لإيجاد حلول للمشاكل التي نعاني منها".
وترى أن الأحزاب السياسية ليست فقط ذكورية، بل عنصرية أيضاً في ما يخصّ المرأة، وقليلة هي الأحزاب التي اتخذت تدابير لدعم دور المرأة، إذ هناك حزبان فقط أقرّا الكوتا النسائيّة ودعم دور المرأة، بينما الأحزاب الأخرى لا تلحظ موضوع دعم المرأة في سياساتها الداخلية، معتبرة أنه من غير المسموح، في عام 2022، أن يكون هناك حزب سياسي لا يلحظ سياسة لدعم وجود المرأة وتحقيق المساواة.
وتتحدث أبو فرحات عن تجربة النساء في السياسة، مشيرة إلى أنه "ثبت عالمياً أنه في الدول التي تشهد نزاعات، عندما يتمّ تسليم امرأة زمام الأمور، فهي تقوم بإيجاد الحلول، لأنها تعمل لتلبية حاجات الفرد، ثم تنتقل للمجتمع الداخلي فالخارجي، وهذه نقطة مهمة لا يتوقّف عندها الرجل، وجائحة كورونا أكبر مثال على ذلك"، وتضيف: "لقد ثبت أن المرأة قادرة خلال النزاعات على إيجاد حلول مختلفة عن الرجل، وأن الرجل في السياسة يسعى إلى السلطة، بينما المرأة تسعى إلى التغيير".
وتشدد هنا على أن "لبنان بحاجة اليوم إلى تغيير، وإلى وجود شخص لا يدخل في الزواريب الضيقة، ويلبّي حاجات الشعب وحقوقه، ويثبت الديمقراطية، وهذه أمور بإمكان امرأة طبعاً تحقيقها، خصوصاً الأسماء المرشحة للرئاسة، أو تلك التي يتمّ الحديث عن إمكانية ترشحها".
يذكر أن الانتخابات النيابية التي جرت في مايو/أيار من هذا العام شهدت أكبر حضور نسائي ترشحاً وفوزاً، ففي وقت وصل فيه عدد النساء المرشحات بين أعوام 1960 و2018 إلى 154 امرأة من مجموع 4.516 مرشحاً، أي بنسبة 3.4 بالمائة، فازت منهنّ 25 امرأة من مجموع 1.164 فائزاً، أي بنسبة 2.1 بالمائة، بحسب أرقام "الدولية للمعلومات"، وصل عدد النساء المرشحات في عام 2022 وحده إلى 118 امرأة انخرطن في لوائح انتخابية وفق ما ينصّ عليه القانون الانتخابي، تمكّنت ثمان منهنّ من الوصول إلى البرلمان. فهل تكمل النساء هذه المسيرة السياسية، ويتمكنّ من كسر هيمنة الرجال هذه المرة على منصب الرئاسة الأولى في لبنان؟