ومع أنّ إسرائيل الرسمية لم تردّ على تصريحات السنوار، إلا أنّ إعلان جيش الاحتلال عن جلسة تقديرات أمنية بمشاركة نتنياهو ورؤساء الأجهزة الأمنية ذات الصلة مثل "الشاباك"، وشعبة استخبارات الجيش "أمان"، ووزير الأمن أفيغدور ليبرمان، التي أعقبها نشر قوات معزّزة على الحدود مع قطاع غزة، ورفع حالة التأهّب لمواجهة كل سيناريو محتمل، تشير إلى أنّ إسرائيل قرأت تصريحات السنوار بجدية كبيرة، مفادها بأنّ مرحلة الاتصالات واتفاقيات التهدئة المؤقتة تكون على أساس بعض التسهيلات لغزة مقابل وقف مطلق لإطلاق النار. وبالتالي لم يعد أمام إسرائيل سوى أحد الخيارين: إما إطلاق مفاوضات حثيثة تضمّ إليها السلطة الفلسطينية ومصر والولايات المتحدة ودول خليجية، لا سيما قطر، باتجاه بلورة معادلة لتهدئة تضمن رفع الحصار، أو على الأقل جوانب كبيرة منه، وإمّا الاستعداد للسيناريو الذي كثر الحديث عنه في العام الحالي، وهو انفجار الوضع في غزة، واتجاه المقاومة في مثل هذه الحالة إلى تصعيد عسكري ضد إسرائيل.
ويأتي ذلك في الوقت الذي يبدو فيه أنّ جيش الاحتلال، وبفعل ضغوط داخلية أيضاً، إلى جانب جزء من حرب الدعاية والعبر التي استخلصها من العدوان الأخير على القطاع، بات مستعداً لحملة وعدوان عسكري جديدين. ويظهر ذلك من خلال تكرار تصريحات قادته، ولا سيما رئيس الأركان، الجنرال غادي أيزنكوط، بأنّ الجيش، خلافاً لادعاءات مفوّض شكاوى الجنود، العقيد احتياط يتسحاق بريك، يتمتّع بمستوى جهوزية عالية يمكّنه من تنفيذ كلّ ما يطلبه منه المستوى السياسي. وهي تصريحات تعكس التغيير في موقف الجيش والمؤسسة الأمنية التي شكّلت في بداية الربيع ما هو بمثابة كابح لنزوات أو مغامرات عسكرية محتملة كان نتنياهو يفكّر بالقيام بها.
وتأتي تصريحات أيزنكوط من جهة، وتصريحات السنوار من جهة ثانية، وخصوصاً مقولته بأنه "لا يريد الحرب، لكنه لن يتردد في القتال في حال تعرّض القطاع للعدوان"، في وقت غير مريح إطلاقاً، لا لنتنياهو، ولا لوزير أمنه، ليبرمان، اللذين يتعرّضان أخيراً لحرب دعائية شعواء من زعيم "البيت اليهودي"، نفتالي بينت، ضدّ ما يسميه الأخير بسياسة التساهل الأمنية لليبرمان وادعائه بأنّ الاتفاق بين وزير الأمن الإسرائيلي و"حماس" قد فشل.
وإذا كان هذا ليس كافياً، فإنّ نتنياهو الذي تردّد مرتين على الأقل منذ مطلع العام في التوجّه إلى انتخابات مبكرة، رغم النتائج المرضية جداً لحزبه في الاستطلاعات المتكرّرة للرأي الإسرائيلي، يجد نفسه مضطراً للتعامل مع تضافر هذه العوامل الثلاثة معاً. فنتنياهو، الذي يقدّم نفسه أمام الناخب الإسرائيلي على أنه رجل الأمن القوي في وجه الإرهاب، لا يستطيع الاتجاه نحو اتفاق سياسي وتهدئة طويلة الأمد مع "حماس" وباقي الأطراف في مثل هذه الحالة، بما فيها السلطة الفلسطينية ومصر، من دون أن يكون عنده ما يبرر هذا التحوّل الخطير عن معادلة الهدوء يقابل بالهدوء، خصوصاً أنّه لا يمكنه بعد الآن التذرّع بأنّ الجيش والمؤسسة العسكرية غير جاهزين لمواجهة عسكرية جديدة.
في المقابل، فإنّ نتنياهو قد يجد نفسه، رغم امتناعه عن ذلك في مناسبتين سابقتين، مضطراً إلى دراسة خيار الانتخابات المبكرة بجدية كبيرة هذه المرة للأسباب التي ذكرت، والتي تضاف إلى الأزمة البرلمانية والائتلافية المقبلة، بدءاً من الأسبوع المقبل، مع بدء الدورة الشتوية للكنيست وعودة الحياة البرلمانية في إسرائيل إلى روتينها. ومن ضمن هذا الروتين هذه المرة أيضاً، عودة أحزاب الحريديم للتهديد بالانسحاب من الحكومة، في حال لم يتم تعديل القانون الخاص بتجنيد الحريديم في الجيش، أو فرض غرامات وعقوبات جنائية ضدهم.
هذه العوامل مجتمعة، تجعل عملياً من الأسبوع المقبل، وقد يكون ذلك يوم الاثنين في 15 أكتوبر/ تشرين الأول، أسبوعاً مصيرياً لمعرفة وجهة إسرائيل في ملف قطاع غزة أيضاً. فمن المفترض قانونياً أن يقدّم نتنياهو الاثنين، في أول جلسة للدورة الشتوية، بياناً سياسياً عاماً، يتناول مختلف القضايا. ومع التسريبات المتتالية، أخيراً، وآخرها أمس، بأنّ نتنياهو يقترب من اتخاذ قرار نهائي بشأن تبكير موعد الانتخابات، فإنّ البيان المرتقب قد يحمل إعلاناً بهذا الخصوص، أو تلميحاً بشأنه.
وفي حال قرّر نتنياهو الاتجاه نحو انتخابات مبكرة، فإنّ ذلك قد يقلّل من احتمالات شنّ حرب عدوانية جديدة على القطاع، حتى لا تجرى الانتخابات مباشرة بعد معركة طويلة يحذّر الجيش الإسرائيلي من أنها لن تكون كسابقاتها، لا من حيث القوة العسكرية والنيران المرافقة لها، ولا من حيث المدة الزمنية المتوقعة أو عدد القتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي. فضلاً عن مشاهد الفرار أو إخلاء عشرات آلاف الإسرائيليين من مستوطناتهم، وهو ما يعدّ كابوساً قد يصيب فرص نتنياهو بالفوز مجدداً بعدد كبير من المقاعد.
وعليه، فإنّ إعلان نتنياهو، سواء تم الاثنين أو لاحقاً بعد أيام قليلة، قراراً بالاتجاه نحو انتخابات مبكرة، سيعني إبعاد شبح العدوان العسكري عن غزة. أمّا إذا خلا خطابه وبيانه السياسي من أي إشارة للانتخابات، وبرز تفضيله انتظار الموعد الرسمي لها في نوفمبر/ تشرين الثاني، وربما انتظار فكّ "الحريديم" الشراكة معه وإسقاط الحكومة ليتحملوا هم المسؤولية جماهيرياً، فإنّ ذلك قد يكون مؤشراً خطيراً ينذر بعدوان عسكري جديد.