نتائج زيارة البابا فرنسيس للعراق: لجنة لتنفيذ توصيات حرجة

28 مارس 2021
لعبت الزيارة دوراً تشجيعياً للعراقيين المسيحيين (مرتضى السوداني/الأناضول)
+ الخط -

على الرغم من عدم خروج أيّ نتائج ملموسة للزيارة التي أجراها البابا فرنسيس إلى العراق، مطلع شهر مارس/آذار الحالي، واستمرت أربعة أيام، إلا أن مصادر حكومية رفيعة في بغداد، أبلغت "العربي الجديد" بأن لجنةً وزارية تتولى حالياً تنفيذ توصيات عدة ناتجة عن الزيارة، وتهدف إلى معالجة عددٍ من المشاكل في محافظتي نينوى وبغداد، والتي تتعلق بحقوق العراقيين المسيحيين. ومن أبرز هذه الملفات، إنهاء نفوذ المليشيات المسلحة الحليفة لإيران في مناطق سهل نينوى، ذي الغالبية العربية المسيحية والآشورية، بالإضافة إلى تشكيل لجنة قضائية لمراجعة ملف الاستيلاء منذ عام 2003 على أملاك المسيحيين العامة، كالكنائس والأديرة والنوادي والأوقاف الدينية المسيحية المختلفة، سواء في بغداد أو في المحافظات الأخرى. كما ستبحث اللجنة ملف الأملاك الخاصة، فضلاً عن مسألة إعادة الاعتبار للمكوّن المسيحي ضمن الموازنة في أجهزة ومؤسسات الدولة.

تركز اللجنة حالياً على إعادة ترتيب الأوضاع في بلدات وقرى سهل نينوى، وحصر ملف الأمن هناك بيد القوات الأمنية

وزار البابا فرنسيس، مطلع مارس الحالي، مدن بغداد والنجف وذي قار وأربيل والموصل، وكذلك سهل نينوى ضمن محافظة نينوى المنكوبة شمالي العراق، وأسهمت زيارته في تسليط الضوء على ما يعانيه المسيحيون في هذا البلد. وزار بابا الفاتيكان أحد أقدم الكنائس التاريخية التي تعرضت للتدمير خلال اجتياح تنظيم "داعش" لمدينة الموصل، وهي كنيسة حوش البيعة، حيث التقى بحشود من العراقيين من مختلف الطوائف، قبل أن يتجول في المكان، ويطلّع على حجم الدمار الحاصل في المنطقة. ثم انتقل فرنسيس بعد ذلك إلى بلدة قرقوش التاريخية في قضاء الحمدانية، ضمن سهل نينوى، حيث أقيمت الصلاة على أرواح ضحايا الإرهاب في كنيسة الطاهرة. ودعا البابا، في كلمة له، مسيحيي الموصل للعودة إليها، معتبراً أن "التناقص المأساوي في أعداد تلاميذ المسيح، هنا وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط، إنّما هو ضرر جسيم لا يمكن تقديره". وقال: "نرفع صلاتنا ترحماً على ضحايا الإرهاب"، معتبراً أن ملامح الحرب واضحة على الموصل.

وتراجع عدد السُكّان العراقيين المسيحيين إلى أقلّ من 500 ألف مواطن، خلال السنوات الأخيرة، بعدما كان يقارب المليوني مواطن نهاية تسعينيات القرن الماضي، وذلك بحسب آخر إحصاء سكّاني أجري قبل الغزو الأميركي للبلاد (عام 2003). وهاجر معظم هؤلاء إلى دول غربية مختلفة، واستقر الكثير منهم في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والسويد ضمن برامج لجوء وفّرتها تلك الدول للأقليات الدينية في العراق، بعد معاناة كثيرة عاشوها بعد العام 2003، واعتداءات ممنهجة بحقّهم مارستها جماعات تكفيرية ومليشيات مسلحة، خصوصاً عقب انتهاء مرحلة احتلال "داعش" لمدن نينوى، والتي تسببت بموجات نزوح ضخمة وغير مسبوقة في تاريخ العراق.

وفي السياق، أفاد مسؤول عراقي بارز في بغداد، "العربي الجديد"، رداً على سؤال حول نتائج الزيارة التي أجراها بابا الفاتيكان، بأن لجنة حكومية تتولى تنفيذ توصيات عدة ناتجة عن الزيارة، وبحث ملاحظات أثيرت خلال زيارة البابا للعراق واجتماعه مع رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي. وأوضح المسؤول أن "اللجنة الحكومية تركز في الوقت الحالي على إعادة ترتيب الأوضاع في بلدات وقرى سهل نينوى، وحصر الملف الأمني هناك بيد القوات الأمنية، وفتح باب التطوع لأبناء هذه البلدات للعمل في سلك الشرطة، بالإضافة إلى إبعاد الفصائل المسلحة عن مراكز البلدات بشكل لا يتيح لهم أي احتكاك مع السكان المحليين". ويجري التركيز أيضاً، بحسب المصدر، على "تسريع عمليات إعادة الإعمار وتأهيل المناطق، وتقديم تسهيلات لمنظمات وجهات أوروبية قرّرت بعد زيارة البابا مساعدة هذه المناطق".

وأوضح المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن ملف الاستيلاء على الأملاك المسيحية يبقى الأضخم، وتحتل بغداد المساحة الكبرى فيه، متحدثاً عن جهات نافذة ومسلحة، وتملك غطاء سياسياً، تمكّنت من التلاعب بأوراق رسمية والاستيلاء على تلك المنازل أو ابتزاز أصحابها وبيعها بأسعار لا تتجاوز 30 في المائة من قيمتها الحقيقية، وهو ما سيتم تشكيل لجنة قضائية للتحقيق فيه. ولفت المصدر إلى أنه يجري حالياً دراسة إطلاق خدمة الكترونية في هذا الخصوص، حتى يتمكن من هم خارج العراق من التواصل وتقديم شكاويهم.

وكشف المصدر أن مسؤولين في مكتب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، يتواصلون مع رجال دين ومسؤولين في ديوان الوقف المسيحي حول هذا الشأن، وقد يتم الإعلان عن خطوات عملية، لكن بشكل تدريجي، خلال الفترة القصيرة المقبلة. وأضاف أن "ما يمكن الجزم به الآن، هو أنه تمّ وقف عمليات بيع واستملاك المنازل والعقارات بكلّ أشكالها التي يملكها مسيحيون، إلا بحضورهم شخصياً، ووضع حجز على قسم آخر بسبب شبهات تلاعب بها". وحول ما إذا كانت هذه الخطوات الحكومية ستعتبر نافذة وتترجم إلى واقع، على أن تنصاع لها الجهات المعنية، مثل الفصائل المسلحة التي تنتشر في سهل نينوى، فاكتفى بالقول إن "هناك جهوداً حكومية متواصلة في هذا الشأن".

ملف الاستيلاء على الأملاك المسيحية هو الأضخم، حيث تمكنت جهات نافذة ومسلحة من التلاعب بأوراق رسمية

من جهته، لفت الأب ألبير هشام، وهو الذي كان الدليل العراقي للبابا فرنسيس خلال زيارته، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "المعلومات الرسمية عن تطور ملف استرداد ممتلكات المسيحيين في بغداد وغيرها من المناطق قليلة، ونحن لسنا على اطلاع عليها". وأوضح هشام أن "هناك لجنة أسسّها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر تعمل على هذا الملف، ولكن لا نملك أيضاً أي معلومات عنها"، متحدثاً عن "انتظار للإجراءات الحكومية الرسمية".

واعتبر عضو البرلمان شيروان دوبرداني، أن "زيارة البابا فرنسيس إلى العراق، لعبت دوراً تشجيعياً للأسر المسيحية النازحة من مناطق الحمدانية وسهل نينوى عموماً، والتي تقدر بنحو خمسة آلاف أسرة، للعودة، ولكن إلى حدّ الآن لم تظهر نتائج كبيرة للزيارة، التي لا يزال الوقت الذي مرّ على انتهائها قصيراً". وأوضح دوبرداني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "مناطق المسيحيين تحتاج إلى تنسيق أمني للقوات الأمنية الممسكة بزمام الأمور على الأرض فيها، وإلى مزيد من عمل المنظمات الدولية لإعادة ترميم المباني المهدمة، إضافة إلى منع التجاوزات الحاصلة على ممتلكات المسيحيين وأراضيهم، وتذليل كلّ العقبات أمام عودتهم إلى مناطقهم واندماجهم بمجتمعاتهم الأصلية".

وفيما رأى القيادي في الحركة الديمقراطية الآشورية، النائب السابق عماد يوحنا، أن "زيارة البابا للعراق كانت جيّدة وإيجابية بالنسبة للمسيحيين والعراقيين عموماً، إلا أن ما يؤسفنا هو أنها لم تُستغل من قبل الحكومة العراقية، من خلال التوجه نحو المجتمع الدولي والحصول على دعم لبناء وإعادة إعمال المناطق العراقية التي زارها البابا، لا سيما أن زيارته مثلّت رسائل طمأنة للعالم". وأوضح يوحنا، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "الحكومة العراقية لم تتقدم بشيء ملموس إلى غاية الآن بشأن ملف استرداد ممتلكات المسيحيين، أو ترتيب الأجواء العامة لعودة النازحين منهم والمهاجرين إلى العراق، بسبب المشاكل الأمنية والسياسية والخراب الحاصل في مناطقهم".

المساهمون